لم أصدق نفسي وأنا أقرأ سطور الدعوة التي وصلتني من إبراهيم المعلم لحضور حفل عشاء علي شرف رواية مصرية.. فقد تعودت علي دعوات العشاء في مناسبات تختلف عن الاحتفاء بأديب أو رواية، وكثيرا ما ضحكت حين كانت تطلبني ممثلة ما كي أحضر عيد ميلادها، واعتذر لها قائلا: أعلم أن تصوير الحفل بالفيديو سيتيح لك العديد من آلاف الدولارات، ولكني لا أصلح لمثل تلك الحفلات. فما الذي حدث في عالمنا العربي حتي نصل إلي إقامة حفل برواية؟ ولكن حين نتأمل المناسبة سنجدها تساوي أكثر من حفل، فالرواية هي "واحة الغروب" للمقتدر النقي بهاء طاهر، وبهاء هو واحد من قلة لم تمش يوما في زفة أي مسئول أو حاكم، بل سار دائما في رفعة الدارسين لحقائق الحال المصري، وحين أصر البعض علي أن يجعلوه مجرد موظف يقبض ولا يؤثر ولا يتواصل، كانت مهارته في الترجمة هي جسره إلي الرحيل إلي سويسرا كمترجم بالأمم المتحدة هناك. ولعل تنظيم الوقت هناك جعله يناقش نفسه في إبداعاته، فجاءت رواياته، ثم انتهي به المقام كي يعود إلي القاهرة، ويواصل الإبداع. وأي محاولة لتلخيص قدر الأسي الشجي، والحزن الذي له أنياب في رواية واحة الغروب هي محاولة فاشلة، فهي رواية مكتوبة بإحساس عال وثقافة هائلة، ووعي بما يجري لنا، وكأنه يدق بجانب أذن كل منا موسيقي تقول "انتبهوا". وحين علمت سبب الحفل عرفت أن جائزة بوكر العربية التي ترصدها أبو ظبي هي التي شرفت نفسها باختيار رواية بهاء طاهر كي تكون أولي الجوائز الفائزة بها، فبهاء بتاريخه وقامته يشرف كل من يعرفه وكل من قرأ له، لأنه فنان يعرف الرحمة ويملك ناصية الفن بعيدا عن ابتذالات الاندماج في الشلل الفنية التي تطفو علي السطح وكأنها هي الحقائق الأدبية، بينما الأمر غير ذلك. ولأن دار الشروق تخطو الآن إلي رحلات اكتشاف الجديد من الذي يجب أن نهتم به، لذلك أنقذت هي العديد من الكتاب المؤثرين غير اللاهثين وراء أحد أياً كان هذا الأحد، وبدأت تنشر لكُتاب لهم قامة وقيمة جديرة بالاحترام من أجيال متتابعة، فها هي تنشر لخيري شلبي، وها هي تنشر لبهاء طاهر الذي اتمني امتلاك رواياته كلها في طبعات أنيقة مثل طبعة واحة الغروب، واتمني أن أقرأ للعديد ممن كانت بعض دور النشر تحترف سرقتهم فلا تدفع لهم سوي أقل مما تتكلفه الرواية كي تكون مكتوبة علي الكمبيوتر، أو تأخذ من الشباب منهم نقودا كي تطبع كتبهم. أحسست أن دار الشروق تسير في طريق إنقاذ أجيال متتابعة من المبدعين المصريين، واتمني أن أقرأ أيضا ما تركه كل من جبرا إبراهيم جبرا وفتحي غانم من ثروة روائية. شكرا لجائزة بوكر التي شرفت نفسها ببهاء طاهر، وشكرا لدار الشروق التي أقامت لأول مرة في تاريخنا الثقافي حفل عشاء علي شرف رواية.