تركت إجازتي من الساحل الشمالي لأحضر حفل الختام بمناسبة اليوبيل الذهبي لكلية الفنون الجميلة السكندرية، ومن العجيب أن كلية فنون الإسكندرية قررت ان تقيم ختام احتفالها بالقاهرة، وكأنها - كما قلت للحاضرين - تصر علي أن تهمس في أذن القاهرة تذكري أيتها العاصمة الجليلة للوطن ان الإسكندرية أكبر منك بألف وثلاثمائة عام علي الأقل، فالاسكندرية أسسها الاسكندر الأكبر قبل ثلاثمائة عام من قبل الميلاد، أما القاهرة فقد تم تأسيسها منذ ألف ونيف عام لا أكثر ولا أقل. وتشاء الظروف أن تجتمع لتلك الكلية هذا العام مستويات من الرفعة التي مكنتها من إقامة احتفال يليق بها، فقد جاء إلي قطاع الفنون التشكيلية رجل في قامة محسن شعلان، وهو من يضع إبداع أي فنان مصري فوق رأسه، ويريد أن يتيح أكبر فرصة لأكبر عدد من الفنانين المصريين كي يعرضوا ابداعهم، دون أن يهمل التواصل بالمناسبات العالمية التي استقر عليها الحال منذ سنوات كبينالي القاهرة أو بينالي الإسكندرية أو ترينالي الحفر. والهدف عند محسن وفريق العمل معه هو الامتزاج الشديد الرصانة بين الإطلالة علي العالم وبين اكتشاف الجمال القديم والجديد معا. وتلاقي هذا الهدف مع وجود محمد شاكر عميد فنون الإسكندرية الذي أراد أن يسدد دينا في عنقه لتلك الكلية التي تخرج فيها وتعلم علي أيدي أساتذتها، وإذا ما كان من بين هؤلاء الأساتذة أناس في قامة أحمد عثمان النحات والمؤسس لتلك الكلية، وأتذكر رحلة رواها لي واحد من سادة الرسم والتصوير في زماننا وهو الفنان حامد عويس حين قال لي كيف اتصل به أحمد عثمان كي يبحثا معا عن فيللا تصلح كمقر لكلية الفنون الجميلة، وقد أطلق لهما الراحل الكريم كمال الدين حسين العنان كي يؤسسا الكلية بما يرضي الفن وحده، ولذلك كان هناك مزج غير عادي بين المعلمين والطلبة، وكيف تمت دعوة سيف وانلي وهو الفنان الذي شرفت أنا كاتب هذه السطور بصحبته لأعوام كتبت فيها تاريخ حياته. ولم أتوقع أن تمر الخمسون عاما بمثل هذه السرعة لأجد نفس سابحا في إبداع متجدد لأجيال عديدة. ومن العجيب أني لم أشعر بالشيخوخة أو الكبر، لأن الحياة مع الألوان واللوحات تهب من يراها حيوية تفوق حتي حيوية لاعبي الرياضة المحترفين. ومن المؤكد أن كلية فنون القاهرة لن تجد من بين عشاقها من يرصد أربعمائة الف جنيه كي يطبع كتابا تذكاريا فخيما يندر أن يوجد مثله إلا في الجامعات العالمية، وقد قدمه له المهندس سعيد فارسي خريج الكلية وهو السعودي المولد والعاشق للإسكندرية وكليته التي تعلم بها. أحسست أن قصر الفنون بالأوبرا يزدحم بجمال يفوق خيال أي أحد وأتمني أن يظل هذا المعرض مفتوحا للجمهور القاهري طوال الصيف، فمن لم يستطع أن يقضي أيام الحر القائظ علي الشاطيء السكندري، فلماذا لا يقضي بعضا من الوقت مع ما وهبته الإسكندرية من إبداع الفنانين فيها من خريجي تلك الكلية التي ينطق كل من تعلم فيها بإبداع العشق.