من يعبث بأوراق الماضي تقع عيناه على أشياء جميلة وأخرى حزينة، فما أجمل أن يتذكر الإنسان ماضيه بكل ما فيه من أحزان و أفراح، وما أجمل أن تهل الدمعة علي ماض جميل تتمني لو يعود لدقيقة واحدة بعدما كان بين يديك.
لكن هناك لحظات مؤثرة تختزنها ذاكرة الإنسان كفراق أحد الأحبة مثلا، تلك اللحظات المحفورة في أعماق الذاكرة يصعب على أي شخص أن يتركها وراء ظهره، وربما لا تستطيع عجلة الأيام أن تمحو ملامحها بسهوله، ولا تتمكن مخالب النسيان من اقتلاع جذورها من أعماق الذاكرة.
وبعد أن أقرت الدراسات بصعوبة محو الذكريات من الدماغ، عادت مرة أخرى لتثبت أن عملية خزن المعلومات في الدماغ أكثر نشاطاً مما يعتقد، وانها يمكن ان تتقطع ويمكن للذاكرة ان تُمحى.
وأعطى باحثون في معهد وايزمان للعلوم جرذانا ماءً محلى قليلاً بالسكارين، ثم اعطوها ليثيوم جعلها مريضة، فتعلمت الجرذان تجنب تناول الماء المحلى، وبعد شهر قام الباحثون بحقن ادمغة الجرذاين بالبروتين ZIP وهو بروتين يثبط نشاط انزيم يعتقد ان له علاقة بالمحافظة على الذاكرة، فلاحظوا ان الجرذان استعادت رغبتها في تناول الماء المحلى، مما يشير الى زوال الذكريات الخاصة بتجربة تناولها لهذا الماء.
ويقول الباحثون، وفقا لصحيفة "الرأى" الأردنية، إن الاعتقاد حتى الآن ان الذاكرة طويلة الامد تخزن عن طريق حدوث تغيرات دائمة في شكل العصبونات واتصالها ببعضها، ويقولون ان ما قاموا به بعد ذلك كان معرفة ان كان ذاكرة الجرذان عن الماء المحلى قد زالت كلية، ام انها اختفت مؤقتاً، ويمكن استعادتها.
ويشير الباحث يادين دوراي من فريق البحث، إلى انهم لم يعثروا على أي دليل على ان الذاكرة هذه قد عادت ثانية، ويأمل ان تساعد دراسات متممة لاحقة في التوصل الى علاجات لمشكلات الذاكرة عند الانسان.
وكشفت دراسة أمريكية أخرى عن وجود منطقة بالدماغ البشرية تتيح للإنسان أن يمحو بإرادته الذكريات ، مما يفتح المجال لابتكار وسائل علاج جديدة لمرضى الاكتئاب والقلق المرضي.
وقال برندن ديبيو المشارك في وضع هذا البحث الذي نشرته مجلة ساينس الأمريكية: "أظهرنا في هذه الدراسة ان لدى الافراد القدرة على تعلم محو احداث مؤلمة معينة من ذاكرتهم" .
وأضاف: "نعتقد أننا حددنا الآليات العصبية لهذه الظاهرة ونأمل أن يتيح هذا الاكتشاف وما سيعقبه من أبحاث في المستقبل التوصل إلى وسائل علاج وأدوية جديدة لعلاج مجموعة من الاضطرابات الانفعالية".
وخلال فترة تدريب اضطر المشاركون إلى تخزين 40 صورة مرادفة في الذاكرة تتضمن وجه شخص محايد عاطفيا مرفقة بمشهد مزعج مثل جندي جريح أو حادث طريق، وعلى الاثر خضع هؤلاء الاشخاص لتجربة لتحديد ما اذا كان باستطاعتهم لدى رؤية الصورة المحايدة أن يتذكروا او ينسوا عمدا الصورة المؤلمة المرفقة، وقد جرى تصوير دماغ هؤلاء بأشعة الرنين المغناطيسي التي تتيح تصوير العضو وهو يؤدي عمله الوظيفي.
واشار ديبيو المتخصص في علم الاعصاب في جامعة كولورادو إلى أن عملية إلغاء الذاكرة تقع في قشرة الدماغ الامامية الواقعة خلف الجبين التي تعتبر موقع التحكم في الأفكار.
واكتشف العلماء أن منطقتين في قشرة الدماغ هذه تعملان ترادفيا لتحييد نشاط مناطق أخرى محددة في الدماغ مثل منطقة الاعصاب البصرية ومنطقة تلافيف المخ واللوزتين التي تقوم بدور كبير في الذاكرة البصرية والعاطفية.
واضافوا أن هذا البحث اظهر ان الاشخاص تمكنوا من التحكم في ذاكرتهم الشعورية من خلال وقف عمل بعض اجزاء الدماغ لمنع تذكر الاحداث المزعجة، مشيرين إلى أن هذه القدرة على النسيان كانت عاملا إيجابيا في التطور البشري.
وفي نفس السياق، أكد علماء إيطاليون أن الأبحاث التى أجروها مؤخراً يمكن أن تساعد على التخلص من الذكريات المؤلمة التى لا يرغب البعض الاحتفاظ بها فى أدمغتهم.. فقد أثبتت التجارب التى أجراها علماء فى جامعة تورينو على الفئران أنه بالإمكان تعديل الأصوات المخزنة فى الدماغ بواسطة الصدمات الكهربائية.
وأشار قائد فريق الباحثين إلى أن الذكريات مثل أشياء سهلة العطب، تخزن فى أجزاء معينة من الدماغ، وهى مثل متاهات الموزييك، مشيراً إلى أن الأمر قد يتطلب أياماً لخزن الأشياء الصغيرة، وساعات قليلة لإعادة ترتيبها، مضيفاً أن أسوأ أنواع الذكريات هى التى يكون مصدرها المخيخ، وإذا تمكنا من إقفال ذلك الجزء يمكن عندها إجراء تعديل على الذاكرة.
انتظار الألم أصعب من الألم نفسه
أكد باحثون أن انتظار التعرض لشئ مؤلم يكون عند البعض أصعب من التعرض له بالفعل، كما أن إلهاء العقل عند مرحلة الانتظار ربما يكون أمراً مساعداً.
وتوصلت الدراسة إلي أنه من بين 32 متطوعاً وافقوا علي التعرض لصدمات كهربائية علي أقدامهم، فإن البعض منهم شعروا بخوف شديد قبيل كل صدمة، إلي حد أنهم اختاروا التعرض لصدمات ذات جهد أعلي للتخلص من الصدمات بسرعة.
وقد شعر هؤلاء الأشخاص الذين اختاروا الصدمات الأشد في زمن أقل بدرجة قصوي من الرعب شهدت نشاطاً أكبر في منطقة بالمخ لها علاقة بالالم والانتباه معاً.
وأكد الباحثون إلى أن النتائج تشير إلي أن الرعب لا ينشأ من الخوف العادي، وإنما من انتباه المخ للحدث غير السار.
الحزن والاكتئاب يتلفان خلايا المخ
أظهرت دراسة علمية حديثة أن الأشخاص الأكثر عرضة لحالات الاكتئاب والحزن الشديد بشكل مستمر هم أكثر الناس عرضة لتلف وموت خلايا المخ، فقد وجد الباحثون أن هناك مركزين يقعان على جانبي الدماغ هما المسئولان عن التحكم في العواطف ، فيتصديان لأي ضغوط عصبية وعاطفية.
وأضاف الباحثون أن كل من الحزن الشديد، والاكتئاب وتقلب المشاعر، والأحاسيس العاطفية القوية ، يعرض خلايا جانبي المخ إلى التلف الذى يحدث بصورة بطيئة، ولكنه يؤدى في النهاية إلى نتيجة مأساوية، حيث يؤدى تلف الخلايا إلى انكماشها ، وبالتالى فقدان الذاكرة ، أو التعرض لإصابات دماغية أخرى.