منذ عدة سنوات, وقد تلاحمت فكرة الخروج للشارع المصري عند مجموعة من شباب الفنانين, الجادين, الذين ظلوا يمارسون الرسم في الطبيعة منذ ذلك الوقت حتى الآن, وقد أطلقوا على أنفسهم مسمى "فنانو اللقطة الواحدة". محيط رهام محمود خرج هؤلاء الفنانين للشوارع المصرية يبحثون ويستقطبون ما بها من جمال, في محاولة للتعبير عنها بريشة صادقة ومحبة للوطن, وكان ثمار هذه الملتقيات أثنى عشر معرضا, تنقل الفنانون من خلالهم في مناطق مختلفة بالقاهرة, وقد حمل كل معرض لهم موضوعا ورؤية جديدة. ففي معرضهم الأول "درب اللبانة" الذي أنطلق عام 2002 بدار الأوبرا, سجل الفنانون لقطة واحدة من زاوية واحدة لحارة درب اللبانة بحي القلعة, كل منهم له رؤيته الخاصة وأسلوبه الذي يميزه, ومعرضهم الثاني صوروا فيه العربات الشعبية من الأحياء القديمة, أما معرضهم الثالث فقد التقطوا مجموعة من المراكب الكائنة بورشة المراكب بجزيرة الذهب, حيث اجتمعت المراكب مع الأشجار وأراضي حقل الذرة في علاقة حميمة على أسطح لوحاتهم. ومن جدران حارات القاهرة وأزقتها المليئة بالملامس الغنية, والأبواب والنوافذ العتيقة اتخذوا موضوعهم الرابع "حوايط" الذي عرض في قاعة إكسترا, وكان المعرض الاستيعادي لأعمال المجموعة تحت عنوان "مشوار اللقطة الواحدة" في قاعة مؤسسة "الأهرام". كما كان لمحطة "كوبري القبة" بمترو مصر الجديدة نصيبا من إبداعات هؤلاء الفنانين, حيث اجتذبتهم تراكيب المواسير المتشابكة لطلمبة المياه العتيقة في ذلك المكان, فنتج عنه معرضهم السادس الذي استضافه المركز المصري للتعاون الثقافي الدولي. وفي انطلاقتهم السابعة رسمت المجموعة عرائس "الماريونت" الكائنة في مخزن مسرح العرائس "بالعتبة", كما استوحوا أحد أعمال الفنانة الرائدة تحية حليم "من متحف الفن الحديث" في معرضهم الثامن. وعادوا مرة أخرى للحارات والمقاهي الشعبية القديمة في المعرض التاسع ليجسدون العلاقة فيما بين الرجل والكرسي, في حين كان معرضهم العاشر "س ح م" عن سكك حديد مصر, والذي تناولوا فيه لقطة كشك المحولجي بالمعادي في قاعة قرطبة.
ثم قامت المجموعة بالبحث عن علاقة خاصة بين ثلاثة عناصر مختلفة, فخرجوا يبحثون عن تلك العلاقة, وتنقلوا بين باب زويلة وجزيرة الذهب وباب الفتوح؛ ليكون المعرض الحادي عشر " 3 وبس" بقاعة مركز التعليم المستمر التابع للجامعة الفرنسية بالقاهرة. ويأتي "العجلاتي" ملهمهم الأخير ليكون عنوانا لمعرضهم الثاني عشر, الذي أقامته المجموعة مؤخرا في قاعة "إبداع" بالمهندسين, والذي ضم حوالي 126 عملا لثلاثين فنانا هم: أحمد عبد المجيد, أحمد يحيي, أمنية صبري, إيمان صلاح الدين, إيمان وجدي, آية فايد, إيمان فكري, بسمة فتحي, تامر عرفة, جيلان حامد, حمدي حسن, داليا أشرف, ربيعي عبد الرحمن, رشا إبراهيم, زينب عادل, سارة محمد, سحر شوقي, سماء طلعت, سوزان جمال, صباح سالم, كريم نبيل, عبد العزيز الجندي, عبد الفتاح السيد, محمد كمال, محمود مرعي, مروة عطية, ناريمان مكرم, نهى كامل, هناء جمال عبد الناصر, ويحيي دسوقي. اتفقت المجموعة على الموضوع كعادتها, ولكن أختلف أسلوب كل فنان عن الآخر, حيث تنوعت الخامات والاتجاهات التي استخدمها الفنانين, فقد ظهر العجلاتي في كل لوحة من خلال إحساس الفنان به, واحتكاكه المباشر وتأثره به في مكان عمله, فتباينت الأعمال وامتزجت بروح 30 فنان. ظهرت العجلة في اللوحات مفعمة بروح المكان الذي انعكس عليها, ففي لوحة نرى العجلة على خلفية ملونة بوجدان هذا المكان موحية بأشخاصه الذين يعيشون فيه, في حين يأتي التركيز في لوحات أخرى على العجلة نفسها, فيرسمها الفنان على خلفية بيضاء مستبعدا اللون, أو وجود أي عناصر أخرى باللوحة. التقط الفنانون العجلة من زوايا مختلفة فتارة نراها مائلة, وأخرى أمامية, أو معلقة, وغيرها, كما اكتفى البعض بإبراز أجزاء منها, وأتخذ آخرون هذه الأجزاء لتخدم اللوحة فتكون عنصرا تشكيليا هاما تقوم ببناء اللوحة بإحكام شديد, بحيث يكون اللون هو أحد أبطال هذه اللوحة, كما تتحول العجلة أحيانا لمجموعة من الخطوط ينشأ من نسيجها وتشابكها تكوينا ثريا مستوفى فيه جميع القيم الفنية والتشكيلية للوحة. يظهر محل العجلاتي في بعض اللوحات على استحياء, كما يأتي العجلاتي في لوحات قليلة من أعمال المعرض إما أن يكون واقفا بجانب عجلاته, أو في مقدمة اللوحة شاهدا عليها, بينما أنفرد فنان في رسم بورتريها له وحيدا منعزلا عن باقي الأعمال, أما الكتابات فقد تسللت إلى بعض الأعمال, نراها على الحوائط التي تعلق العجلة من فوقها, فالفنانون يأخذون المكان على طبيعته, محاولين إظهار كل ما يوحي به من معتقدات ومراسم, فكثيرا من الأطفال الذين يعيشون بهذه المنازل هم من يكتبون أسمائهم على الحائط.
وقد تزينت القاعة بعمل يحمل فكرا فلسفيا نحو مهام العجلة كأداة تتواصل في الحركة المستمرة, فالعمل نفذ بخامات متنوعة من بينها الخشب والنحاس والحديد الخردة, متعدد المستويات, يحمل رسوما متنوعة من زوايا مختلفة للعجلة, مختزل اللون في مساحات عريضة توحي بالراحة والهدوء والسكينة, بالرغم من أن العمل يبث حركة مستمرة حين يقف أي شخص أمامه, فيلتف الجنزير حول تروسه وكأنه يشع حركة ساهرة لا تهدأ ولا تنام بين بقية أعمال المعرض من جانبه. الألوان تنوعت في جميع اللوحات, فمنها الزاهي والصريح, ومنها الهاديء البسيط, كثرت في بعض الأعمال وقلت في البعض الآخر, حيث نرى اللون أحيانا مختزلا مكتفى بلون أو أثنين على الأكثر, كما فضل بعض الفنانين استخدام الأبيض والأسود في أعمالهم, ونلاحظ اهتمام بعضهم بالملمس في عدد من اللوحات. استخدم الفنانون ألوانا مختلفة منها الزيت والباستيل والأحبار والألوان المائية, كما كان للأقلام الملونة والرصاص رصيدا من الأعمال.