وجه الإستعمار الممقوت .. سيرة اللورد كرومر تثير عاصفة انتقادات محيط – رهام محمود مناقشة كتاب اللورد كرومر طالب د. مصطفى الفقي بريطانيا بالإعتذار رسميًا عن جرائمها الاستعمارية فى مصر ومنها حادثة دنشواى، ومؤامرة 1956، قائلا أن من أوجه الاعتذار العملي تمويل حملة لنزع الألغام فى منطقة العلمين بالصحراء الغربية والتي شهدت أحدث الحرب العالمية الثانية بين بريطانيا وألمانيا ، جاء ذلك في الندوة التي شهدها المجلس الأعلى للثقافة لمناقشة ترجمة كتاب "اللورد كرومر الإمبريالي والحاكم الاستعماري" تأليف الأكاديمي المتخصص بتاريخ الشرق الأوسط المعاصر في جامعة أكسفورد ، وترجمة المؤرخ الراحل د. رؤوف عباس . أدار الندوة د.عماد أبو غازى الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة ، وشارك فيها عدد من المثقفين من بينهم د.خالد فهمى الأستاذ بجامعة نيويورك، د. مصطفى الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب ، أما مؤلف الكتاب فقد منعته سوء الأحوال الجوية من الحضور. اللورد كرومر مندوب بريطانيا السامي في مصر من 1883 إلي 1907 ، اعتبر رمزا لوجه الاحتلال السافر وقد طبق في مصر ما استفاده من تجربة الاستعمار البريطاني في الهند ، وفي عهده وقعت حادثة دنشواي عام 1906، وكرومر ( اسمه الحقيقي أفيلنج بارنج) من كبار دعاة التغريب والاستعماريين في العالم الإسلامي وواحد من الذين وضعوا مخطط السياسة التي جرى عليها الاستعمار ولا يزال, في محاولة القضاء على مقومات العالم الإسلامي والأمة العربية وفصل مصر عن جذورها . غلاف الكتاب وقال د. عماد أبو غازي أن الكتاب تناول قراءة تاريخ شخصية لعبت دورًا مهما في تاريخ مصر علي مدى ربع قرن، بدء من الاحتلال البريطاني إلى ما بعد حادثة دنشواي بشهور قليلة، والذي ظل أسمه محورًا للحياة السياسة في مصر بعد رحيله عنها. من جهته أشار د. خالد فهمي إلى أن لدينا نقص شديد في كتب السيرة الذاتية للشخصيات الهامة رغم أهميتها في فهم التاريخ ، وقال أن هذا الكتاب أظهر التناقض بشخصية كرومر في كل مرحلة مر بها ليبرهن عن تناقضات المشروع الاستعماري البريطاني ذاته. وأوضح فهمي أن كرومر شخصية بالغة الأهمية والتعقيد، لعب دورا مهما ليس في التاريخ السياسي الإمبريالي البريطاني فقط، بل في تاريخ مصر والهند والسودان أيضا، فهو شخصية هامة في إدارة وتوجيه الأزمات الاقتصادية والتي شهدتها مصر خلال فترة حكمه لها، تلك الفترة الانفصالية في تاريخ مصر، والذي كان لكرومر دور كبير في تشكيلها كالتحكم في قناة السويس والسيطرة عليها، والتحكم في مياه النيل. يواصل د. فهمي: اعتمد روجر أوين من ضمن مصادر جمع مادة الكتاب على المذكرات التي كتبها كرومر لأبنائه، ولكن بطريقة نقدية وليس مجرد نقل ، فقد كان يتأكد شخصيا من صحة كافة المعلومات قبل نقلها . مؤلف الكتاب ولكن ترجمة الكتاب جاءت مخلة ولم تشر إلى فترات مهمة في حياة كرومر ، فهو مثلا من عائلة رجال أعمال ولكنها لم تكن أرستقراطية ، وأشار مؤلف الكتاب إلى أن كرومر كان يحظى بتعليم متواضع للغاية وبالتالي فقد حاول كثيرا أن يبني نفسه ، مشبها إياه بمحمد علي الخديو الذي حكم مصر والذي يعكف د. خالد فهمي على كتابة سيرته منذ عدة سنوات ، وكلاهما كذلك ادعى أنه يقوم بما هو في مصلحة الشعب وكان يخدم مصالح السلطة لا الشعب في الحقيقة . ومن النقاط التي يرى د. خالد أن المترجم قد أغفلها وكانت هامة في الكتاب الأصلي أن كرومر كان مدركًا فى أواخر حياته للتناقض الواضح فى المشروع الاستعمارى، فهو يحاول كسب ود الشعوب المستعمرة ولكنه يسعى لمصالحه في النهاية ، كما أدرك كرومر أن جهود التنمية الاقتصادية التى يقوم بها المُستعمر البريطانى محكوم عليها بالفشل نتيجةً لهذه التناقضات، وكان كرومر بحسب مؤلف الكتاب يعرف مسئوليته عن تشجيع الصناعة المحلية بهدف إيجاد فرص عمل، إلا أنه كان مدركًا بأن القطاع الزراعى لم تعد لديه القدرة على امتصاص العمالة الموجودة وقتذاك . كما لم يذكر المترجم أن شخصية كرومر المتعالية والمتعجرفة والبغيضة لعبت دورًا أساسيًا فى إذكاء الغضب الوطنى المصري تجاه الوجود البريطانى. د. مصطفى الفقي اعترض بعض الحاضرين على المقارنة التي تحدث عنها د. خالد فهمي بين "محمد علي" و"اللورد كرومر" باعتبار أنها غير متكافئة، وقال بعضهم بأن د. فهمي تحدث عن وجه نظر غربية عن شخصية اللورد كرومر وليست شرقية. وانتقل الحديث إلى أن المؤرخ الإنجليزى روجر أوين عندما أتى إلى مصر عام 1956، وكان يود كتابة سيرة ذاتية عن جمال عبد الناصر، واكتشف استحالة تحقيق ما يريد، وهنا أشار د. خالد فهمي إلى أن أحد الباحثين الأجانب حدثه عن رغبته فى كتابة سيرة ذاتية عن فترة السادات، إلا أن المصادر والوثائق التى أفرج عنها والتى سيعتمد عليها لا تتضمن أية وثائق مصرية، وهى صندوق النقد الدولى، والبنك الدولى، والخارجية البريطانية، والخارجية الأمريكية، لا توجد مصادر مصرية موثقة، وطالب بالإفراج عن محاضر اجتماع مجالس الوزراء ورئاسة الجمهورية طالما قد مضت عليها فترة السرية وانتهت. وهو ما علق عليه الفقى أن الدولة لأسباب أمنية لا تفرج عن محاضر مجالس قيادة الثورة، ولا رئاسة الجمهورية، وأضاف : لقد شهدت ذلك مع د. بطرس غالى عام 1977، ولكن المشكلة الحقيقية هى أنه يجب على الحكومة أن تيسر للأكاديميين والباحثين الوصول إلى هذه الوثائق" ، كما علق الفقي على فقرات من الكتاب حاول المؤلف فيها تجميل وجه اللورد كرومر والتماس العذر له ، فهو يصوره بأنه مقتنع تماما بكثير من اعماله ، ولكنه تناسى أن معظم المجرمين يفكرون هكذا .