- دياب: مشكلة الهوية تبرز فى الفتن الطائفية و الاستثمارات - النجار: ليس من حق أحد إعادة بناء الدين .. فالدين مكتمل - لبيب : الخصومة التى نعانى منها الآن خلفها مصالح سياسية "غالبا ما يتم طرح العلاقة بين الخطاب الدينى والهوية فى حالتين عندما تحتدم المشكلة الطائفية وثانيهما عندما يلوح فى الأفق مشروع استثمار " .. بهذه الكلمات بدأ الدكتور محمد حافظ دياب أستاذ علم الاجتماع وشيخ الدراسات الأنثروبولوجية فى الجامعات المصرية والعربية حديثه عن " الخطاب الدينى والهوية الثقافية " فى معرض القاهرة للكتاب . وشارك فيها الدكتور عبد الله النجار أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر والدكتور مصطفى لبيب أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة. و أكد دياب على أن ما تشهده الساحة المصرية من اضطرابات ووقائع تشير الى حالة تقاطب بين الانتساب الدينى والانتماء الوطنى ، بالرغم من اننا مجتمع كان يباهى بوحدته على مدار التاريخ . وعرف دياب الخطاب الدينى بقوله: هو فضاء يتسع لمختلف التيارات والجماعات والفصائل التى تتداخل وتتفارق فى فكرها وتشترك فى أنها تحاول او تتغنى بتطبيق الشريعة وتختلف فى محاولة تحقيق الهدف بدءا من التعامل الحرفى مع النص المقدس أو المرونة أو بالإيمان الشكلى بالديمقراطية إلى الإيمان بالتعددية ومن المحافظة إلى الحداثة. و أضاف إن الهوية هى صيغة إنسانية شاملة تجمع متناقضات وتداخلات من الرموز والقيم، وأضاف بأن العلاقة بين الخطاب الدينى والهوية تاريخية تثور مع ضعف الشرعية وتخمد فى إطار المشروع والوطنى . وتتراواح العلاقة بين إقصائى متشدد يحاول أن يفرض نفسه ونفى الآخر بينما الرؤية الثانية هى رؤية ديمقراطية تؤمن بالتعدد وهو ما يمكن تلمسه فى الفكرى المصرى مع الصحفى المصرى حسن الشمسى وتلاه الشيخ حسن المرصفى ممن رأوا أن القيم الدينية لابد أن تكون نابتة فى الشخصية المصرية ولا يجب اعتبارها مكونا أساسيا على اعتبار أن الشخصية المصرية تجمع بين الجماعة الاسلامية والمسيحية. وقال الدكتور محمد حافظ دياب أن الاسلام هو الهوية ومن ثم فلا ضرورة للحديث عن هويات أخرى ، واتفق العلماء على موقف الخطاب الدينى من قضايا أربعة: الدولة والديمقراطية والحداثة والمواطنة. وحدد خمس أنماط من الدول فى إطار الاشتغال الديني، الدولة السيوغراطية عندما كان البابا هو الذى يعين الملوك ويعلن الحروب، والسلطانية وهو قريبة من الأولى فى أنها لا ترى أن الخليفة هو ظل الله وتستعين برجال الدين وليس فيها دستور ولا قوانين تحدد العلاقة بين الفرد والجماعة كما يحدث فى الدولة الدينية المقيدة ديمقراطيا وكما فى الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتى تتبع تعليمات المرشد. والدولة العلمانية التى لا تعادى الدين مثل حزب العدالة والتنمية كما فى تركيا وترفض الانحرافات على قاعدة دينية، بينما النمط الخامس هو الدولة السلطانية التى حاولت أن تأخذ بالحداثة وهو ما نجده فى فكر جماعة الإخوان وخاصة فى العام الذى أمضوه فى الحكم. ولفت دياب إلى أن حركات الإسلام السياسى لم تتبنى موقفا بخصوص الديمقراطية وتنظر اليها كمرحلة انتقالية لتطبيق الشريعة. وتطرق إلى المواطنة وقال إن خطاب الإسلام السياسى يكرس لإسلام كونى وهو ما يؤدى إلى الفرقة والتقسيم داخل الجماعة الواحدة ومن الواضح أن الخطاب الدينى كله له موقف من الحداثة وخلط بين الحداثة والتحديث . و لمحاولة إضعاف هذا التقاطب مرهون بإخراج الخطاب الدينى من صيغه والإيمان بالمساواة والديمقراطية ولو حدث ذلك سيكون هناك مواطن مؤمن ليس هناك تضارب بين ان اكون مواطنا ومؤمنا متعبدا. أما الدكتور عبد الله النجار فرأى أن العلاقة بين الخطاب الدينى والهوية الثقافية خطيرة ، و أن فكر الجماعات السياسية وراءه المصلحة ، و أن صراع تلك الجماعات لم يكن خالصا لله ، وكثير من المفاهيم الاسلامية لا يراد بها حقيقتها ولكن مجرد مظهر لمأرب لمن يروجون لهذه الافكار. و تابع أن الخطاب الدينى هو الخطاب الذى نزل بوحى من السماء لتنظيم علاقات الناس على أساس العدل والمساواة والفرص المتكافئة دون تمييز للون او جنس او دين ، وأول قواعده الحرية فى الاعتقاد ويستحيل تقرير الحق ثم يعاقب من يمارس الحرية. و نبه النجار أنه لا بد ان يحافظ الانسان على الأرض ويحارب من يعتدى عليها ، قائلا : أوجب الخطاب الدينى الدفاع عن الأرض حتى ولو أدى لانتزاع الروح . وفى حديثه حول الخطاب الدينى والهوية الثقافية قال الدكتور مصطفى لبيب: بأن ما نواجهه غياب التحديد الدقيق للمصطلحات ، ضاربا مثال بمصطلح العلمانية التى يعتبرها البعض تهمة دون أن يعرفوا معناها! ونبه إلى الفرق الكبير بين المثل الأعلى والواقع، وبين الدين وتجلياته وهو التدين، وعندما نصدر حكما تقويميا عن فعل بأنه إسلامى أو مسيحى لا يجب التغاضى عن الأصول لأن أصول الدين ثابتة ، ومن هنا نستطيع ان نحاكم كل ما يظهر من حركات بحيث انها قريبة من الدين او بعيدة عنه. و تابع قائلا : لا أحد من حقه ان يعيد بناء الدين لان الدين مكتمل ولا جديد يضاف اليه او ينقض منه ، و لكن المهم هنا هو النظرة للدين ، والتشريع هو أصول عامة ولا معنى لمصطلحات مثل الإسلام السياسى أو الاقتصاد الإسلامى ، فهناك قيم إسلامية كالعدل،و نحن المكلفون بتدبير امور دينيانا واختيارها. ويستطرد الدكتور لبيب: فى أيامنا الراهنة نستغرب لما حدث مع المصريين أين طبيعتهم .. مصر هى فجر الضمير ومنبع الحكمة، والفلسفة تاج المعرفة البشرية وقد اعترف الفلاسفة اليونان بتلمذتهم على يد حكماء مصريين، وأهم ما يميز المصرى أنه متدين تربطه بالله علاقة سليمة منذ التاريخ القديم ، والمصرى يؤمن بالسماحة الدينية والتنوع ويقر الاختلاف. توالت على مصر بحكم موقعها موجات عاتية من التسلط ومحاولة السيطرة عليها عبر التاريخ ، و تأثرت الهوية المصرية بحكم اشياء كثيرة، وأدراك أعلام النهضة المصرية أنه لاسبيل لاصلاح المجتمع إلا عن طريق الدين وهى رؤية رفاعة الطهطاوى والإمام محمد عبده. والمهم أن نستعيد الصورة الصحيحة للدين وان نعود للأصل، فالخصومة جاءت لأسباب يراد بها مصالح سياسية وتسلط.