فى الوقت الذى بادرت فيه الدول العربية، الواحدة تلو الأخرى، نحو إطلاق تصريحات إيجاببة تجاه المباحات التى أجريت، الأحد الماضى، بين إيران والقوى العالمية الست الكبرى، للوصول إلى إتفاق حول مستقبل البرنامج النووي الإيراني، استغرق الأمر من المملكة العربية السعودية بعض الوقت. وكما جاء فى مجلة التايم الأمريكية فى تقرير لها منشور بتاريخ 26 نوفمبر 2013، فإنه بعد أكثر من يوم كامل على الاتفاق، خرج مجلس الوزراء السعودى بتصريح باهت جاء فيه:"إذا كان هناك حسن نية، يمكن لهذا الاتفاق أن يمثل خطوة أولية نحو إيجاد حل شامل للبرنامج النووي الايراني." وبحسب وصف "آرين بيكر" رئيسة مكتب الشرق الأوسط فى مجلة التايم وكاتبة التقرير، فإن وراء تسليم المملكة بنتائج الإتفاق، يتوارى شعور بالإحباط، والغدر، والعجز، إذ تشاهد السعودية غريمها التقليدى يكسب أرضًا جديدة فى المعركة بعد قرابة 34 عامًا من المنافسة المحمومة لفرض نفوذهما على المنطقة. اتفاق تاريخي تقول آرين إنه كلما تجلى للعيان، عبر الشهور الماضية، تقدم المفاوضات نحو اتفاق تاريخي فى العاصمة السويسرية (جنيف)، فعلت السعودية كل ما فى وسعها للتعبير عن استياءها، والضغط من خلف الأبواب المغلقة لوضع المزيد من القيود على برنامح إيران النووي، رافضة فى اللحظة الأخير مقعدًا لطالما انتظرته فى مجلس الأمن. وتضيف آرين أن المسئولين السعوديين هددوا حتى بالسعى للحصول على برنامجهم النووي الخاص بهم، كما صرح سفير المملكة لدى بريطانيا الأمير" محمد بن نواف بن عبد العزيز" لمجلة "التايم" الأمريكية، مع اقتراب اختتام المباحثات بداية الأسبوع الماضى: "لن نجلس مكتوفي الأيدي ونحن نتلقي تهديدًا نوويًا دون أن نفكر بجدية حول أفضل الطرق للدفاع عن بلدنا ومنطقتنا." ونقلت المجلة عن د.عبد الله الشمرى، محلل سياسى سعودي الجنسية، يتخذ من أسطنبول مقرًا له، تعجبه من الأمر، قائلاً:" إن الأمر كما لو كانت السعودية وإيران قد تبادلتا المواقع فجأة"، ويضيف:" الآن، الرئيسان الأمريكى باراك أوباما والإيراني روحانى يتبادلان المكالمات التليفونية، ووزيرا خارجيتهما يتصاحفان باليد، بينما تصب السعودية جام غضبها فى مجلس الأمن، تصرخ بشآن مستقبل السلاح النووي بالمنطقة، تريد أن تقول للعالم "نحن غاضبون". خوف عميق وبحسب غريغوري غوز الثالث، أستاذ سياسات الشرق الأوسط في جامعة ولاية فيرمونت الأمريكية للمجلة:" السعودية ليس لديها شئ يذكر لتفعله تجاه الشعور بالإحباط جراء هذاالاتفاق، ولكن، فى المقابل، يمكنها فعل أى شيء حيال قضية الأمن." ويضيف غريغوري: "هذا الشعور نابع من خوف عميق ومبالغ فيه لدى المملكة، من أن الاتفاق قد يمهد لاخر جيوسياسي أمريكي إيراني، يترك إيران كقوة مهيمنة في لبنان وسوريا والعراق." ويوضح غوز قائلًا:" بطبيعة الحال، من غير المرجح أن تحول الولاياتالمتحدة مفاتيح المنطقة إلى إيران في وقت قريب، ولكن السعوديين ليسوا مخطئين تماما بشآن التفكير فى أن إدارة أوباما تريد الانسحاب من المنطقة." يقول غريغوري:" الولاياتالمتحدة تراجع دورها فى المنطقة، فهى لا تأخذ دورًا فاعلًا فى العراق، ولا تريد علاقة أفضل مع إيران". من ذلك، يقول غريغوري إن السعوديين جمعوا قصصًا مقنعة للتخلى عن سياستهم القديمة جعلتهم ينتقدون الإتفاق بطرق غير متوقعة". بمجرد أن بدأت الجولة الأولى من المحادثات التى انطلقت، في جنيف (سويسرا)، 7 نوفمبر الماضى، خرج تسريب محدد إلى وسائل الإعلام الغربية، يقول إن المملكة العربية السعودية تخطط لشراء أسلحة نووية من باكستان. وقبل شهر من الآن تقريبًا، قال رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق عاموس يادلين في مؤتمر في السويد أنه إذا حصلت إيران على القنبلة، "فإن السعوديين لن ينتظروا شهرًا واحدًا." على حد تعبيره. وأضاف: "إنهم اشتروا القنبلة بالفعل، وأنهم سيذهبون إلى باكستان للحصول على ما يرغبون فى الحصول عليه." تقول آرين قد تكون تصريحات يادلين صحيحة، فوفقا لخبراء الانتشار النووي، وقفت المملكة إلى جانب باكستان، وساعدتها فى بعض الأحيان في تمويل برنامجها النووي. (أطلق البرنامج النووي الباكستاني العام 1998). وهذا لا يعني أن الحصول على قنبلة نووية أمر سهل المنال، كأى شحنة تجارية تمر عبر البحر العربي. فالسعودية، بصفتها دولة موقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، فإن أية شبهات حول امتلاكها سلاحًا نوويًا يلقى باللوم عليها، مع احتمال تعرضها لعقوبات، فضلاً عن أنه فى حال امتلكت برنامجًا نوويًا سيكون ذلك إيذانًا ببدء سباق تسلح نووي إقليمي فى المنطقة. هزيمة الذات والسيناريو الأرجح، بحسب جاري سامور، مستشار أوباما السابق للسيطرة على الأسلحة ومدير البحوث في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية التابع لجامعة هارفارد، أن يكون هناك اتفاق، من نوع ما، يمكن على أثره، أن نرى الأسلحة النووية الباكستانية فى السعودية. وأضاف سامور "حتى إذا فشلت الجهود الدبلوماسية للولايات المتحدة، وحصلت إيران على الأسلحة النووية، فإن باكستان لن ترضى أن تترك سلاحها النووي، بل من المرجح أن تكون السعودية مرتكزًا للقوات الباكستانية التى سيكون لها القدرة على نقل الأسلحة النووية عبر الأراضي السعودي "، مثلما تفعل القوات الأميركية على الأراضى الأوروبية، دون أن يعد ذلك مخالفًا لمعاهدة منع انتشار السلاح النووي، على حد تعبيره. وكما يشير غوز، فإنه لايزال لهذا الاتفاق عيوب كبيرة، إذ قد لا تبدى باكستان استعداداً لمهاجمة جارتها إيران خوفا من العواقب، كما أن هذه الخطوة ستكون بمثابة دق "ناقوس الموت" لعلاقة الصداقة بين الولاياتالمتحدة والسعودية. يقول غوز:"من حيث وضع العلاقات مع الولاياتالمتحدة في خطر، فإن هذا الاتفاق سيكون القرار السعودي الأكثر استفزازية منذ حظر تصدير النفط عام 1973 ". وفى الختام تقول آرين إن هذا التوجه قد يخدم التنفيس عن الضيق السعودي جراء تهميشها من قبل حليفها القديم، أمريكا، كون الأخيرة تسعى إلى إقامة اتفاق دائم مع إيران، لكنه قد يكون في نهاية المطاف بمثابة "هزيمة الذات"، على حد تعبير التايم. وفى الختام، تقول المجلة إنه من الأفضل للسعودية أن يكون هناك صفقة تجعل إيران أقرب إلى الولاياتالمتحدة، وأبعد ما تكون عن إنتاج قنبلة نووية.