"كرداسة" تلك القرية التي اشتهرت بصناعة المنسوجات والمزارات السياحية تردد ذكرها في الآونة الأخيرة، خاصة بعد ما شهدته من أحداث مذبحة قسم الشرطة التابع لها والتي راح ضحيتها 11 ضابطاً في هجوم بالأسلحة الثقيلة كرد فعل على فض اعتصام ميداني "رابعة العدوية" و"النهضة" في الرابع عشر من أغسطس الماضي. غير أن المتتبع لتاريخ هذه المنطقة السكنية تتكشف الأمور أمامه عن تاريخ طويل ارتبط فيه كرداسة بأحداث كثار تعيها الذاكرة التاريخية الحديثة لمصر، أحداث بدأت مع تكوين تنظيم جماعة الإخوان المسلمين وعلاقة عدائية مع وزارة الداخلية اشتدت حينا ورخت في أحيانا أخرى وكذلك مع رؤساء مصر السابقين. وطالما كانت علاقة كرداسة بجماعة الإخوان المسلمين متغيرا ثابتا في تحديد سقف علاقتها بالسلطة التنفيذية القائمة وذراعها الأمني أي وزارة الداخلية. ففي عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، شهدت كرداسة معركة كبرى مع قوات الأمن المركزي خاصة بعد رفض الأهالي اعتقال بعض قيادات الإخوان ومن بينهم زوجة سيد نزيلى العضو بجماعة الإخوان المسلمين والذي كان قياديا بارزا بالمكتب الإداري للجماعة بمحافظة الجيزة. أما في عهد الرئيس الراحل أنور السادات فكانت كرداسة المكان الأمن والملاذ الأخير أيام مطاردة الإنجليز له عقب اتهامه بقتل أمين عثمان أمين عثمان وزير المالية المصري في حكومة الوفد "4 فبراير 1942- 8 أكتوبر 1944" حيث أخفاه نظمي المكاوي، ومن ثم صاهر العائلة بزواجه الأول من إقبال ماضي. أما الرئيس الأسبق حسني مبارك، فتحولت القرية في عهده إلى مقصد سياحي، وحافظت على شهرتها في صناعة الجلاليب المطرزة التي اشتقت اسمها من اسم القرية. ومع اعتلاء جماعة الإخوان المسلمين مقاليد الحكم في البلاد وصعود الرئيس المعزول محمد مرسي إلى قمة السلطة التنفيذي للدولة حيث رئاسة الجمهورية، عادت كرداسة معقلاً لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين وحاضنا للفكر الديني المتطرف، ولعل الطبيعة الجغرافية لمنطقة كرادسة ساهمت في أن تصبح قرية أبو رواش التابعة لمركز كرداسة إحدى أهم قرى السلاح في مصر ومركزا للبؤر الإرهابية و العناصر الإجرامية المطلوبة. أما ناهيا فهي مسقط رأس عائلة الزمر التي ينتمي طارق وعبود الزمر إليها، فطارق الذي سجن بتهمة قتل السادات، يعد الآن من المطلوبين بتهمة التحريض على العنف. وبعد مذبحة قوة التأمين التابعة لقسم مركز شرطة كرداسة يوم 14 أغسطس وراح ضحيتها 11 شخصا من قوات الأمن منهم مأمور القسم ومساعده والتمثيل بجثث الضحايا نشطت الخلايا المتطرفة بها لتمارس عمل إرهابيا ضد الدولة وتنتقص من وضعها الأمني للتحول كرداسة إلى بؤرة تؤوي مطلوبين ومسلحين وبهذا رفعت كرداسة راية العصيان ودخلت في معركة مصير حيث الداخلية في مصر إما أن تكون أولا تكون. منذ هذه اللحظة والشرطة والجيش يعدان نفسهما لاقتحام كرداسة لتطهيرها من العناصر الإرهابية المسلحة فانطلقت القوات فجر الخميس 19 سبتمبر متحركة نحو كرداسة مدعومة بالعشرات من المدرعات والمصفحات، كما نشرت قواتها على جميع مداخل ومخارج المنطقة لمنع هروب المسلحين. وقد نجحت قوات الأمن في إحكام سيطرتها على كرداسة ووصل عدد المضبوطين حتى وقت كتابة هذه السطور إلى 81 متهما، تجري نيابة شمال الجيزة التحقيق معهم ومن بينهم المدعوة سمية شنن والتي قامت بالتعدي والتمثيل بجثث ضحايا قسم شرطة كرادسة. ولعلنا نوضع بعض من قليل عن كرداسة هذه القرية القريبة من الأهرامات، هي أكبر قرى محافظة الجيزة، يعيش فيها نحو 150 ألف نسمة وكانت منذ عقود، هي وقرى مجاورة لها مثل ناهيا التي وسعت قوات الأمن عملياتها لتشملها أيضا موطنا لأشخاص من عائلات تنتمي لجماعات إسلامية متشددة. اشتهرت القرية بصناعة النسيج المستمرة فيها منذ القدم، وازدهرت حتى ضمت القرية نحو خمسة مصانع للمنسوجات في نهاية النصف الأول من القرن العشرين تضاعفوا حتى بلغ عددهم اليوم 500 مصنعا، ما بين متوسط وصغير الحجم. تشتهر كرداسة بصناعة الجلابية الشرقية والخليجية وبها أكثر من 600 متجر كان يقصدها السواح الغربيون والعرب والعديد من المشترين المصريين القادمين من أنحاء متفرقة.