تحكي لنا كتب التفاسير أن ملكا جبارا عتيد الإجرام والكفر والجحود يسمى نمرود –بعض التفاسير ذكرت أن اسمه "نمروذ" بالذال- ادعى أنه يحيي ويميت، أما الإماتة فمعروفة وهي قتل النفس وإزهاق الروح، وأما الإحياء – من وجهة نظر النمرود- فهو العفو عن شخص محكوم عليه بالإعدام، عندما ادعى هذا المعاند الربوبية والقدرة على الإحياء والإماتة في مناظرة مع خليل الله إبراهيم –عليه السلام- سرعان ما اكتشف إبراهيم – عليه السلام - أنه يتمتع بقدر من الغباء لا بأس به فأنهى الخليل المناظرة بإفحام النمرود بحجة قوية وهي أن الله يأتي بالشمس من المشرق فإن كنت ربا حقا فأت بها من المغرب، هذه القصة لخصها لنا القرآن الكريم في هذه الآية: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (سورة البقرة-الآية258). وأصبح هذا النمرود في تراثنا الشعبي مثلا لمن يجحد نعمة الله أو نعمة الناس عليه، ومثالا لمن قابل الإحسان بالإساءة.فكم من نمرود في هذا العصر يظن أنه يحيي ويميت، يعطي هذا الفريق الهدايا من مال ودماء الشعب ويهدد الفريق الآخر بالموت، يصف هذا الفريق بالشرف وينعت الآخر بالإرهاب، والمضحك المبكي أن يطلب من فريق التفويض لقتل الفريق الآخر، وصدق المتنبي إذ يقول: وماذا بمصر من المضحكات ** ولكنه ضحك كالبكا ومن المضحكات المبكيات أن يعزل وزير رئيسا عينه وينصب رئيسا آخر ثم يقسم اليمين أمامه في مشهد تمثيلي يدمي القلب ويثير العجب، والأعجب أنهم يقولون إنه ليس انقلابا عسكريا، من المضحكات المبكيات أن يقوم ذات الوزير بإلقاء بيان للشعب يتخطى فيه الرئيس ونائبه ورئيس الوزارة ويخاطب الشعب كرئيس للبلاد، والأعجب أنهم ما زالوا يصرون أن ما حدث ليس انقلابا على الشرعية، من المضحكات المبكيات أن يستمر هذا الوزير في حرب ما يسمى بالإرهاب في سيناء على مدار أيام متواصلة ثم يطلب من الشعب تفويضا لحرب الإرهاب، فهل ما تم في سيناء كان بناء على تفويض؟! وهل حرب الإرهاب يحتاج لتفويض؟! ام أن التفويض المطلوب هو للقضاء على أنصار الشرعية ورافضي الانقلاب؟أيها العقلاء إن المطلوب القضاء عليهم بدعوى الإرهاب هم الذين يسقطون قتلى وجرحى برصاص البلطجية المدعومين من الشرطة والجيش ارجعوا إلى الإحصائيات والتقارير المحايدة، إن المطلوب القضاء عليهم بدعوى الإرهاب هم الذين يعتقلون وتكال لهم الاتهامات في الوقت الذي لم نر قاتليهم لم يوجه لهم اتهام واحد، إن المطلوب القضاء عليهم بدعوى الإرهاب هم الذين أغلقت قنواتهم الإعلامية في الوقت الذي نصب فيه السيرك الإعلامي لسماسرة الانقلاب لاستخدام أخس الأساليب ضد رافضي الانقلاب إلى درجة الطعن في الشرف وقلب الحقائق. عندما رأيت الفريق السيسي بالأمس وهو يلقي كلمته مستخفيا بالنظارة السوداء التي يواري بها الكثير شعرت برافضي الانقلاب كم هم عظماء بمبادئهم بدينهم بإيمانهم بربهم، وشعرت كم كان غيرهم جبانا ومهزوزا وضعيفا باستقوائه بغير الله، إن ملحمة الصمود السلمي التي سطرها رافضي الانقلاب جعلت الانقلابيين يفقدون صوابهم، إن دماء الشهداء صارت لعنة على الظالمين، لقد ظن الانقلابيون أن الأمر هين والجميع سيستسلم ولكن راعهم هذا التحدي في عيون رافضي الانقلاب فإذا قتل منهم أحد خرجوا بمسيرة سلمية في نفس المكان الذين قتلوا فيه وإذا سقط من نسائهم أحد برصاص الخسة والندالة خرجت مسيرات كلها من النساء، هل رأيت أعظم من هذا تحدي؟! في النهاية لابد أن تعرفوا نهاية النمرود فقد حكت كتب التفاسير أن الله سلط عليه حشرة يضرب بها المثل في صغر الحجم وحقارة الشأن إنها البعوضة دخلت في منخاره وسكنت رأسه لسنوات فكان علاجه أن يضرب على رأسه حتي يستريح مما تحدثه تلك البعوضة وظل على هذا الحال حتى مات، إن لله جنود لا يعلمها إلا هو, إن كل ما في السموات والأرض من جنود الله يسلطها على من يشاء في الوقت الذي يشاء، أتذكرون نهاية الطواغيت، اقرأوا التاريخ وشاهدوا كيف كانت نهايتهم. وفي خاتمة هذا المقال لابد أن أنبه أنه لا يلزم من تشبيه حالة كافر بمسلم في قضية ما أن يأخذ الآخر حكم الأول من الناحية العقائدية وإنما هو ضرب مثال ليتضح الحال، وصدق الله إذ يقول في سورة الصافات: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173).