يبدو أن حملة «تمرد» التي انطلقت بمصر من أجل اسقاط الرئيس محمد مرسي، تحولت لعدوى تنتشر عبر الدول، حيث انتقلت فحوى تلك العدوى إلى تونس لإسقاط مسودة مشروع الدستور التونسي الحالية وإعادة السلطة للشعب، وإسقاط المجلس التأسيسي وحل كل المؤسسات المنبثقة عنه ، كما وصل التمرد أيضاً إلى تركيا التي تشهد احتجاجات وتظاهرات ضد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان . والتمرد هو ما نطمح من خلاله إلى الارتقاء بالإنسان إلى مستويات تتجاوز آفاق الخضوع لتقاليد وأعراف تنتمي إلى ماضي اضطر الإنسان إلى الخضوع لها مرغما نتيجة للاضطهاد والقهر التي سلبت إرادته وبالتالي حريته... أو طوعا نتيجة لتحشية فكره وتلقينه أفكار بالية وغير عقلانية. ويقول الفيلسوف الفرنسي ألبير كامي "التمرد يحقق للحياة قيمتها وعظمتها، لأنه يحرك التفكير واعتزاز الإنسان بأمور عدة لحقيقة تتجاوز ذاته". وهناك ما يعرف التمرد على انه يعني الخروج على كل سلطة سواء أكانت سلطة الأسرة أو المدرسة أو الدولة أو المجتمع أو معايير الناس وتقاليدهم وهناك دوافع كامنة في النفس البشرية تدفعها نحو التمرد. «من أجل تونس» ففي تونس أطلق مجموعة من النشطاء الشباب حملة تحت اسم "تمرد من أجل تونس" تهدف إلى جمع توقيعات شعبية لإسقاط مسودة مشروع الدستور التونسي الحالية وإعادة السلطة للشعب، وإسقاط المجلس التأسيسي وحل كل المؤسسات المنبثقة عنه، على حد تعبيرهم. وأطلقت الحملة عدداً كبيراً من الصفحات والحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تحوي مقاطع فيديو وصور لما يحدث داخل قاعات المجلس التأسيسي من مشادات كلامية بين النواب إضافة إلى فواتير فيها مصاريف المجلس التي وصفها الناشطون بالباهظة في مقارنة بعمل المجلس البطيء و الذي أفضى إلى مشروع دستور لا يرقى إلى مستوى تضحيات شهداء وجرحى الثورة ،على حد قولهم. وتأتي تلك الحملة بعد مثيلتها التي انطلقت في مصر في الأول من مايو/أيار بميدان التحرير بهدف جمع 15 مليون توقيع على استمارات تدعو لسحب الثقة من الرئيس مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. 30 يونيو وفي الوقت الذي تنتهي فيه حملة «تمرد» في مصر ، كشف المدون التونسي هيثم العوني الناطق الرسمي باسم حركة "تمرد من أجل تونس" أن أول ظهور للحركة سيكون يوم 30 يونيو / حزيران الحالي وذلك من أجل جمع توقيعات شعبية لإسقاط مسودة مشروع الدستور الحالية و إسقاط المجلس التأسيسي. وأضاف العوني في تصريحات إعلامية أن هدفهم الأول هو إعادة السلطة للشعب صاحب السيادة والسلطة وهو من أعطى الشرعية للمجلس التأسيسي في انتخابات 23 أكتوبر 2011 ومن حقه أن يسحبها متى شاء وشعر بأن ثورته باتت مهددة، على حد وصفه. وأكد الناشط السياسي في حديث خاص ل "المغرب اليوم" أن "تمرد" التي انتقلت حديثا من مصر إلى تونس، تهدف إلى جمع أكثر من مليون و600 الف توقيع شعبي ضد ائتلاف الترويكا الحاكم في تونس وإعادة السلطة للشعب الذي قام بالثورة، تمهيدا لاسقاط المجلس التأسيسي وحل كل المؤسسات المنبثقة عنه من حكومة ورئاسة جمهورية ودستور. وأضاف العوني أن "تمرد" تونس تحمل رؤية سياسية مغايرة ترمي إلى انتفاضة حتى على أحزاب المعارضة التي ينتمي إليها جل ناشطي الحراك، لافتا إلى أن برنامجها الرئيسي يسعى إلى اسقاط المجلس الوطني التأسيسي الذي فقد شرعيته بعد مرور عام كامل على انتخابه دون ان ينجز مهمته التي تعهد بها الا وهي صياغة دستور توافقي للبلاد يحمي الحقوق والحريات ويمنع عودة الاستبداد والدكتاتورية. أما الهدف الثاني لحركة "تمرد تونس فيرمي إلى إسقاط المؤسسات المُنبثفة عن المجلس التأسيسي الذي لم يف بوعوده ويلتزم بمواعيده وتمرّد على الميثاق القانوني والأخلاقي مع الناخب التونسي والقاضي بانتهاء اعماله بعد سنة واحدة من مباشرته لمهامه وفق ما نص عليه البند 6 من المرسوم 1086 الصادر بتاريخ 3 اب / أغسطس 2011، وبالتالي فإن جميع المؤسسات المنبثقة عنه تعتبر لاغية وفاقدة للشرعية هي الأخرى على غرار الحكومة ومؤسسة رئاسة الجمهورية ومشروع الدستور. تأثراً بمصر وشدد العوني على أن فكرة تأسيس حركة "تمرد" تونس ، انبثقت بتنسيق بين شباب الثورة وحركة "تمرد" مصر مع نظرائهم في تونس الذين تأثروا بنجاح التجربة المصرية وبأهدافها الرامية إلى إعادة السلطة إلى الشعب ليحمي ثورته ويستكمل أهدافها، الأمر الذي دفع باتجاه توأمة التحرك في تونس . واوضح الناطق العوني أن شباب الحراك استفادوا من التجربة المصرية من خلال التواصل مع مجموعة من الأصدقاء والمدونيين والناشطين على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك من المصريين الذين أسسوا حركة "تمرد في مصر". كما أشار عادل الشاوش المحلل السياسي التونسي والقيادي بالمعارضة :"إن حملة تمرد في تونس هي حملة دشنها بعض الشباب الثوريين التونسيين تأثراً بتجربة الشباب في مصر لرفض مشروع الدستور الحالي". وأوضح الشاوش أن الحملة حتى الآن دعا إليها النشطاء عبر موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، والتى تعتبر نفسها امتداداً لحملة «تمرد» في مصر، إلا أنها لم تأخذ الصفة الرسمية حتى الآن. وأضاف الشاوش أنه حتى الآن المبادرة الأكثر شعبية هي مبادرة «الجبهة الشعبية»، ثالث قوى المعارضة التونسية اليسارية، لإقامة ائتلاف مدني في مواجهة حركة النهضة، التابعة لتنظيم الإخوان، لكن حملة «تمرد» قد تجتذب الشباب خاصة أن هناك نقدا كبيرا لمسودة الدستور وبالأساس حول شرعية المجلس التأسيسي والحكومة الذي كان من المفترض له إنهاء الدستور خلال سنة وقد تجاوز هذه المدة. من جانبه قال معز الباى الناشط التونسي، إن الحملة قام بتدشينها مؤخراً مجموعة من شباب الثورة أطلقوا على أنفسهم لقب «متمردون» ورفضوا الكشف عن أسمائهم لقناعتهم بأن خدمة الوطن ليست أمام الشاشات الفضائية أو الإعلام»، بحسب ما نقلت عنه قناة الإخبارية التونسية. وأكد الباى أن المعلومات التي يمتلكها حول «متمردون» التي دعت إلى الحملة ليست بالكثيرة لأن الشباب رفضوا السير خلف وسائل الإعلام، لكن فكرتهم ولدت نتيجة المساعي الرامية إلى تمرير الدستور وهو ما دفع النشطاء في تونس إلى جمع توقيعات شعبية رافضة لمسودة الدستور. تنفس صحي من جهته يرى المحلل التونسي عبد الستار العايدي في حديث لموقع "العربية نت" : أن حالة التململ التي يعيشها الشعب التونسي بعد أن تبخرت أحلامه في تحسن المستوى الاجتماعي وتوفر مواطن الشغل هي حالة طبيعية ومتشابهة في كل دول الربيع العربي ،غير أن الوضع أكثر حدة لدى فئة الشباب التي قادت الحراك الثوري منذ بدايته وقدمت الشهداء و في المقابل زاد وضعها بعد الثورة بؤسا فتزايدت معدلات البطالة والفقر وأصبح البعض يبحث له عن طريق للهروب من الحياة إما بالهجرة غير الشرعية والموت غرقا في عرض البحر أو التوجه للقتال في سوريا والموت بالرصاص. ويضيف العايدي "التنظيمات الشبابية المعارضة هي شكل من أشكال التنفيس الصحي والتي تعطي زخماً للحياة السياسية التي يقودها ساسة قد فاقوا العقد السابع والثامن، وتشكل ضغطا حقيقيا على النخب الحاكمة ورقيبا شعبيا على كل تجاوزات السلطتين التنفيذية والتشريعية". بكل اللغات ولم يقتصر الامر على الدول العربية فقط ، فقد تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي " فيس بوك – تويتر" صورة استمارة "تمرد" باللغة تركية. ودشنت الحملة التركية بغرض جمع توقيعات لعزل رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان اعتراضا على سياساته التي يصفها معارضوه بمحاولة تغيير طبيعة وهوية دولة أتاتورك مؤسس دولة تركيا الحديثة. وأشار النشطاء إلى أن الشباب التركي اتجه إلى سحب الثقة من النظام الحاكم على غرار حملة "تمرد" بمصر، حيث ظهرت شكل استمارة "تمرد" التركية بنفس شكل "تمرد" المصرية، وبنفس تخطيط الصفحة لتظهر كنسخة طبق الأصل منها، وهذا الذي أدى إلى تفاعل النشطاء المصريين معها على موقع التواصل الاجتماعي بالعديد من التعليقات متمنين التوفيق لمتمردي تركيا، معلنين تأييدهم للحملة التركية لسحب الثقة من النظام . فيما أشار بعض النشطاء إلى ان نهاية الحكام الإسلاميين علي وشك الانتهاء، وان ما بناه إخوان تركيا في سنوات أنهاه حكم الإخوان في مصر في شهور. وشهدت تركيا مؤخراً حالة من الاحتجاجات العارمة، والتي ضربت كل أنحاء تركيا، في الوقت الذي شهدت فيه العاصمة التركية إسطنبول اشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن، اعتراضا على اتجاه الحكومة إلى هدم ساحة حديقة "تقسيم" بالعاصمة التركية لإقامة مشروع بها، مما أثار غضب الشباب التركي. وفي النهاية نتساءل هل تنجح تمرد المصرية والتونسية والتركية في تحقيق كل شعب من هذه الشعوب الاهداف التي تمرد من أجلها ؟.