مع ذكرى احتفال "جمهورية أرض الصومال" بمرور 22 عاماً على انفصالها عن "الصومال" من جانب واحد عام 1991، اشتد النقاش حول المفاوضات الجارية بين الطرفين بوساطة تركية، فبينما انقسم أهل الجنوب حيالها بين مؤيد ومعارض، أجمع الشماليون على تمسكهم بخيار الانفصال والمضي قدماً نحو بناء دولتهم المستقلة ذات السيادة الكاملة. والواضح أن عملية التفاوض بين طرفي النزاع تعوقها العديد من التحديات، الأمر الذي يدخلها في نفق "الخدعة السياسية" التي يتبعها أحد الأطراف، بما يحدد مصير المفاوضات المرتقبة بالفشل؛ لكونها لا تخرج عن إطار ما اعتاد عليه الصوماليون من تعنت أرض "الصومال" ومحاولة مستميتة من قبل الحكومة الصومالية لإقناع الانفصاليين بخيار التوحد، وهو أمر بعيد المنال نظراً لمواقف أرض "الصومال" المعلنة. وكانت المفاوضات قد توقفت بين الطرفين في عهد حكومة الشيخ "شريف" السابقة، بعدما واجهت ظرفاً سياسياً مهماً، وهو مشروع خريطة الطريق للخروج من المرحلة الانتقالية، مما أدى إلى التوقف عن المفاوضات والتمهيد لإعداد هذا المشروع. أسباب الانفصال وبتتبع بسيط لتاريخ الوحدة في "الصومال"، نجد أن ثمة أسباب ممتدة منذ زمن بعيد لهذا الانفصال، منذ أن كانت منطقة "الصومال" الشمالي مستعمرة بريطانية مستقلة من المستعمرة الإيطالية في الجنوب، الأمر الذي أوجد القاعدة الفكرية لهذا الانفصال. ومع التطور الذي حدث مع استقلال المناطق الصومالية، حدثت وحدة اندماجية بين المستعمرتين الشمالية والجنوبية، وتم تشكيل "جمهورية الصومال المتحدة"، لكن شكل ذلك خيارًا أمام أرض "الصومال" لا يلغي حرية استعادة الاستقلالية من "مقديشو" في أي وقت، وخاصة بعدما ثبت أن مبادرة الشمال بالتوحد مع الجنوب لم تفد الشمال سوى الحرمان والتمييز وعدم المساوة في السلطة والثروة؛ نتيجة عدم اهتمام الحكومة المركزية بتنفيذ مطالب شعب "أرض الصومال الشمالي". كما أدت أعمال القوة المفرطة وقصف الأحياء السكنية في الشمال بطائرات "ميج" من قبل الحكومة المركزية إلى تأجيج الرغبة في الانفصال لدى الشماليين، وعلى سبيل المثال في عشية الانقلاب الأبيض في "الصومال" الذي وقع يوم 21/10/1969م، بقيادة ضباط من الجيش مارسوا القمع خاصة على المدنيين في الشمال، وتحولت مدينة "هرجيسا" إلى معتقل كبير، وفرض عليها الأحكام العرفية، وحظر التجوال، وكذلك قامت الحكومة العسكرية بتدمير مدن الشمال بأكملها مثل "هرجيسا" و"برعو" و"بربرة" و"عيرجابو". ومن ناحية أخرى، ساهم ما يحدث في الجنوب الصومالي من تناحر قبلي، وتدمير البنية التحتية لنظام الحكومة المركزية في تقوية دوافع الشماليين، وزيادة توجههم الانفصالي، وعدم التجانس مع الجنوب كشركاء في الحكم. تحديات الوحدة وتتمثل تحديات الجانبين، في استمرار الخلافات بين الحكومة الصومالية والأقاليم الموالية لها مثل "بونتلاند" و"جوبالاند"، وتطبيق الحكومة للنظام الفيدرالي بطريقة لا تجذب سكان أرض "الصومال"، وتضر بالمفاوضات الحالية. وتتمثل التحديات الأخرى في تمسك أرض الصومال أيضا بخيار الانفصال استجابة للرأي العام المحلي، وأصبحت مواقف قيادة البلاد أكثر تقدما حيال فكرة الوحدة مقارنة بشعبها، إلا أن هامش مناورتها محدود لكونها منتخبة من الشعب. ومن ناحية أخرى يبدو أن "الصومال" قد أشرف على الدخول في نفق مظلم منذ تسعينيات القرن الماضي، عبر احتواء الجماعات المسلحة، وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، وإعادة بناء الأجهزة الأمنية، وإصلاح الأوضاع الاقتصادية المتردية. وتعتبر قضية احتواء الجماعات الصومالية المسلحة أبرز التحديات التي تواجه طموحات الوحدة الصومالية، خصوصاً حركة شباب المجاهدين التي ترفض العملية الانتخابية برمتها، كما يعاني "الصومال" من نزاع بين الفصائل المسلحة ترك أكثر من مليوني شخص في حاجة إلى مساعدة إنسانية، وشرد 4 ملايين عن ديارهم في بلد تسوده الحروب والصراعات منذ أكثر من عقدين، وبالتالي يتطلب السلام جهوداً متواصلة وإستراتيجية طويلة المدى. وعلى جانب آخر من التحديات، مثلت إعادة بناء الهيكل الأمني الصومالي تحديًا كبيرًا في تحقيق الاستقرار الذي يقود إلى الوحدة؛ لمواجهة ظاهرتي الإرهاب والقرصنة اللتين استشرتا في الجسد الصومالي، ونالتا منه طيلة السنوات الماضية، لا سيما وأن قوات حفظ السلام الإفريقية العاملة في الصومال قد تكبدت خسائر عسكرية كبيرة، وبالتالي فإن مسألة استمرارها في "الصومال" أصبحت محل شك كبير، ولهذا فإن مسألة بناء جيش وطني وجهاز شرطة أصبحت لا بديل عنها. مستقبل الحوار وفي إطار الحديث عن تكهنات نجاح المفاوضات بين طرفي النزاع في "الصومال"، يثور عدد من الاحتمالات ضمن مستقبل ملبد بغيوم تحديات الوحدة المذكورة آنفاً على عملية التفاوض، رغم الأنباء عن الاستعداد لخوض غمار محادثات مصيرية بهدف التوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين، وينهي أزمة سياسية استمرت منذ انهيار الحكومة المركزية بداية تسعينيات القرن الماضي. وعلى مستوى السيناريو الأول، فإنه يترجم في خيار الوحدة عبر طاولة المفاوضات، خاصة مع دعوة الرئيس الصومالي شيخ "محمود" قيادة جمهورية أرض الصومال وشعبها إلى الوحدة ونسيان الأحداث الماضية من حروب أهلية، والعودة إلى حضن الصومال - على حد قوله - مشيراً إلى أنه من غير المنطقي أن يتجزأ "الصومال" إلى عدة أقاليم، بينما تتحد وتتقارب دول وقارات العالم. والسيناريو الثاني، هو فشل المفاوضات المرتقبة للضعف الشديد الذي يعتري مفاصل الحكومة الصومالية الحالية، حيث "لا تستطيع فرض سيطرتها على كامل التراب الصومالي، ومن ثم التفاوض مع كيان آخر يسعى إلى الانفصال عن جسمها، فيمكن أن يترجم هذا السيناريو إلى انتفاضة شعبية بدعم من المؤسسة العسكرية إذا اتفق الطرفان على خيار الوحدة. وبالتالي يمكن القول أن نجاح المفاوضات بين طرفي التراب الصومالي يكون مرهوناً بمدى الضغوط السياسية والاقتصادية، التي سيتعرض لها طرفا التفاوض، اللذان تغيب عنهما إرادة حقيقية لإنجاح المفاوضات بالصورة التي تليق بالمجتمع الصومالي، الذي أنهكته الحروب الأهلية طيلة عشرين سنة.