أحداث 25 يناير الماضي في ميدان التحرير ، تسببت في حدوث صدمة كبيرة في المجتمع بعد تعرض النساء بوجه عام والناشطات والصحفيات بوجه خاص للإرهاب الجنسي والتحرش الجماعي والاعتداء بشكل جنسي فج ، تحدث عنه العالم كله. وبالرغم من مرور الواقعة ، وإدانة المجتمع المدني لها في ظل مجتمع لا يبالي ، بل ويجرم الضحية ويكتفي بالتساؤل المعتاد " إيه اللي وداها هناك" ، فالاعتداءات لازالت مستمرة بشكل أو بآخر على النساء في الشارع والمظاهرات والاحتجاجات وفي كل مكان ، فما مصير التحرش في المجتمع بعد أن أصبح ظاهرة مبالغ فيها وسلاح للإرهاب والقمع..
مبادرات خاصة
ومع لامبالاة الحكومة بالكارثة التي يعيشها الشارع المصري ، نشأت العديد من الحملات والمبادرات غير الحكومية كان من أبرزها حملة "شفت تحرش" ، وهى مجموعة ضغط مجتمعية تتكون من العديد من المنظمات وجهات غير حكومية حقوقية ونسويه تعمل مع أفراد المجتمع بشكل فعال ، وترصد ظواهر الشارع المصري ، لوضع آليات مناهضة جريمة "التحرش الجنسى" على المستوى القانوني والنفسي والمجتمعي .
تقول الناشطة الحقوقية دكتورة عزة كامل ومؤسسة حملة "شفت تحرش" للهنّ : التحرش الجنسي جريمة تتم حالياً بعمليات ممنهجة ضد الناشطات سياسياً تحديداً ، وظهر ذلك ذكرى بصورة واضحة للجميع في 25 يناير 2013 ، ولكننا لا يجب أن ننكر أن التحرش السياسي ظهر من قبل الثورة منذ عام 2005 ، وهي طريقة قذرة للقمع تستخدمها الجهات الأمنية بالتعاون مع بلطجية النظام والمسجلين للتحرش وانتهاك أعراض النساء"
"نوال علي" قصة نضال
ومن الجدير بالذكر ، نشير إلى واقعة الصحفية "نوال علي" رحمها الله ، التي تم التحرش بها على مسمع ومرئي من الأمن على سلالم نقابة الصحفيين أثناء تواجدها بالصدفة خلال مظاهرات الاعتراض على تعديل المادة 76 من الدستور عام 2005 ، ولكنها أبت إلا أن تأخذ حقها، فخاضت معركة عظيمة، وكان زوجها ينتمى للحزب الوطنى، فضغط عليها لكى تتراجع، فلم تقبل، فطلقها، واستمرت في معركتها إلى أن رحلت إلى جوار ربها قبل الثورة بعام تقريبا.
وبعد سنوات تم رد اعتبار الصحفية نوال علي بحكم اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بإدانة الحكومة المصرية في قضية الاعتداء على الصحفيات في أحداث 25 مايو 2005،وحكمت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بفتح التحقيق مرة أخرى في هذا الحادث وأقرت انتهاك مصر للميثاق ، وحكمت بتعويض لكل ضحية مبلغ 57 ألف جنية، ويعد هذا الحكم انتصاراً حقوقياً ، وانتصار للصحفيات وللمرأة المصرية.
لن نتراجع
وبالرغم من قوة سلاح التحرش فى القمع وتكميم الأفواه تؤكد الناشطة ندى طعيمة أحد أعضاء حركة 6 إبريل أن ما حدث في الميدان من تحرشات ومضايقات من البلطجية كل مرة لم يؤثر على تواجد المرأة الثورية على الإطلاق ، بل زادها إصرارًا على مواقفها.
وأردفت : من ذاق طعم الميدان ، واعتاد نزوله للتعبير عن رأيه ، لا يمكن أن يستوقفه أي ضغط ، ومازالت الناشطات يتواجدن بكل وقفة سواء فى التحرير أو الاتحادية أو غيره ، التعبير عن الرأي ليس جريمة ، ولكن الجريمة الحقيقية هي استخدام السلطة لمثل هذه الأساليب بعد أن قمنا بالثورة لضمان حرية الإنسان وكرامته.
سلاح السلطة
د. عزة كامل أضافت : أن التحرش السياسي موجود من قبل قيام الثورة ، وكنا نشاهده مع الأحداث السياسية المشتعلة ، ضد نساء حركة كفاية ، وفى الانتخابات وغيرها ، إذا الأمر لا يرتبط بفصيل معين ، ولكنه سلاح للسلطة يهدف إلى إرهاب النساء لعدم النزول إلى الشارع مجدداً وتلقين النساء درساً يمنعهن من النزول إلى التحرير أو غيره من الميادين ، بعد أن تزايد التواجد السياسي للمرأة على الساحة فى الفترة الأخيرة .
وتشير د. عزة كامل أن استخدام التحرش كسلاح إرهاب للنساء أمر طبيعي خلال فترة انتقالية غير مستقرة للدولة ، وكل ما نواجهه هو أساليب قديمة للمواجهة.
وتري د. كامل أن الحل هو إدانة مرتكبي الجريمة عن طريق سن قوانين تجرم التحرش الجنسي بنص صريح ، حيث لا يوجد في القانون المصري إلا جريمة "هتك العرض" فقط ، وهذا ما يسعي إليه جميع مؤسسات المجتمع المدني ، وخاصة أن الأمر بات تحت الرصد من العديد من الحركات والمبادرات الغير حكومية النشطة ، بالإضافة إلى المجلس القومي للمرأة ، وكانت البداية من مجلس الوزراء الذي قام بعمل خط ساخن للإبلاغ عن حالات التحرش الجنسي لرصدها والتعامل معها ، وننتظر إقرار قانون والتصديق عليه من خلال مجلس الشعب القادم .
واستبشرت د. عزة كامل خيراً من المبادرات الحالية التي تحاول تقديم يد العون للمرأة المصرية ، واستطاعت بالفعل أن تخرجها من صمتها ، والتعامل مع الأمر بإيجابية بعيداً عن التكتم الذي يزيد الأزمة ولا يعالجها .
تحرص حملة "شفت تحرش" خلال الخط الساخن على التعامل مع حالات التحرش التي تصل من خلال البلاغات اليومية بالمتابعة بتوكيل محامي والنزول مع الحالة إلى أقسام الشرطة للتعامل معها بجدية ظن واللافت للنظر أن نصف المتطوعين والمشاركين في الحملة من الرجال ، وهم من يقومون بالمتابعة اليومية للبلاغات وسير المحاضر ، وتمكنت العديد من الفتيات من إدانة الجناة وحصلوا على أحكام بالفعل من 3 : 6 شهور سجن.
* الخط الساخن لحملة "شفت تحرش" للإبلاغ عن حالات التحرش الجنسي بالنساء 01150118822 - 01005865040