طاهر : أجيال الإخوان مكبلة لا تعرف الآداب يسري عبدالله : العصر المملوكي والتصوف علامات دالة بالرواية عمار : حين ينتصر كل منا على نفسه .. سينتصر على المستبد
كتبت - شيماء عيسى
شجرة سحرية مباركة يجاورها عابد أزهري نهاية زمن المماليك، وقبل سنوات قليلة من ظهور صلاح الدين الأيوبي محرر القدس .. من هنا يدخل بك الدكتور عمار علي حسن لعالمه الخاص في روايته الأخيرة؛ فلا الملك العاضد يستطيع كشف أسرار الشجرة ، ولا البطل الأزهري الثائر مع شيخه القناوي على السلطان الظالم يستطيع فعل ذلك رغم مصاحبته للجنية "نيمار" ، ولكن الرجل يصل فقط بعد سنوات طويلة من العزلة والهروب من العسس والتعبد الخالص، وحين وصل لجوهر نفسه.. لجوهر الكون.. انفتحت له كل الأسرار.
هنا حس صوفي إنساني، يمزج معاني المقاومة والثورة بالعشق الإلهي سبيلا للوصول. ويؤكد كاتب الرواية أنه ظل عشر سنوات بين عودة إليها وهجر، حتى انتهى منها قبل الثورة بأشهر قليلة ، وبطل الرواية كما يؤكد الكاتب ظل ثائرا على السلطة وبعد أن تفرق الثوار ما بين سجن وهروب، ثم صاحب جنية، ثم بعث إليه الملك حين ظن بأنه من أولياء الله، ليجد له الشجرة، فهرب الرجل بمصاحبة أرملة صديقه الذي مات في حرب الفرنجة، واعتكف بجوار دير الأنبا أنطونيوس "أبو الرهبنة" وخلا بينه وبين ربه، وهنا فقط علم أسرار الخلاص والشجرة.
يرى الباحث السياسي والروائي البارز ، أن مشروع التصوف هو ما نحتاجه في مصر في ظل تغول الخطاب الديني الفج البعيد عن حقيقة الإسلام ، وغرور من يمسكون بتلابيب السلطة الآن .
اللقاء الذي دار مساء اليوم حول رواية "شجرة العابد" بطبعتها عن دار الشروق ، جمع إلى جانب الكاتب بين الروائي البارز بهاء طاهر والناقد الأكاديمي الدكتور يسري عبدالله . التصوف والسلطة سأل "محيط" كاتب الرواية : هل كان التصوف بديلا عن الثورة لدى "عاكف" البطل ، وخاصة أن واقعنا يؤكد عدم تأييد الحركات الصوفية المصرية للثورة ومساندتها للسلطة القديمة والجديدة ؟ فأجاب المؤلف أن البطل لم ينصرف عن ثورته ولكنه سعى لأن ينتصر على شهواته أولا قبل أن ينتصر على السلطة وهي إشارة هامة لكثير من سياسيي مصر اليوم الذين أصابهم حب الذات، والإنتصار للنفس يجعلك تكتشف الطاقات الكامنة ثم تنشغل بمعاركك الحقيقية. وأكد حسن أن الصوفيين المصريين مظلومون مع السلطة، لأنهم ترعرعوا في ركابها بحكم نشأتهم التاريخية فقد أنشأ صلاح الدين الأيوبي تكايا للصوفيين ليحولهم لسنة يحاربون الشيعة الفاطميين، وكانت أكبر خانقاه في مصر "سعيد السعداء" وكانوا ينقطعون للذكر والسلطة توفر لهم كل شيء في مقابل أن يبقوا في مكانهم ولا يتحدثوا عن معارضة الحاكم ومن هنا تحول التصوف المصري لظاهرة اجتماعية في ركاب السلطة . . والحقيقة أنهم استثناء من الحركات الصوفية حول العالم المرتبطة بشكل مباشر بالثورات، ومقاومة الاستعمار، وبعض المتصوفة الكبار رابطوا على الثغور ومن حرر إندونيسيا من الاستعمار الهولندي الطريقة النقشبندية الصوفية، وإفريقيا حررت جزء كبير منها الحركات الصوفية، والحركة السنوسية بليبيا لعمر المختار صوفية ضد الاستعمار الإيطالي، وعبدالقادر الجزائري ضد الفرنسيين بالجزائر .
المقاومة بالأدب في كلمته عن الرواية، أكد "عمار" أنه لا فائدة من أن تربح العالم وتخسر نفسك، فقديما كانت جماعة الإخوان تحميها الناس واليوم تحميها قوات الأمن من الناس ! ورفض مصطلح "أخونة مصر" لأنه يرى أن ما سيحدث هو "مصرنة الإخوان" بأن يؤمنوا بأن هذا هو وطنهم الحقيقي ويؤمنوا بقدرات الشعب ولا ينتقوا أهل الثقة من بينهم وهي أكبر خسارة .
وقد اعتبر البعض الأدب مقاومة بالحيلة؛ فكتب نجيب محفوظ "ثرثرة فوق النيل" ضد عبدالناصر، وأورويل حين كتب "مزرعة الحيوان" ليبرز فداحة العصر الاستبدادي بروسيا، ويرى البعض أن الأدب ينشط في زمن الاستبداد، ولكن حاليا الأمر لا يختلف وأصبحت الكتابة ليست حيلة للإلتواء على الواقع، لأننا نستطيع التعبير الصريح والمقاومة الصريحة .
كما أكد "حسن" أن الرواية عادة تأتي متأخرة ، وليس صحيحا أن روايته تنبأت بالثورة فرواية الثورة لم تكتب بعد، بخلاف الشعر الذي نراه مثلا في قصائد الأبنودي التي تعبر عن اللحظة الراهنة .
رؤية نقدية
أكد الناقد د. يسري عبدالله أن مؤلف الرواية مثقف عضوي فاعل في المجتمع، وروائي مبدع، والرواية متكئة على إرث عربي تليد خلفته أعمال مثل "ألف ليلة وليلة" ، وهي فنيا تحمل لغة تراثية وأدبية راقية وتخلو من التفاصيل الزائدة.
ويرى الناقد أن المؤلف اختار تلك اللحظة الزمنية الفارقة كمحاولة لفهم اللحظة الحاضرة ، وقد أهدى الكاتب روايته ل"ملح الأرض" الذين صنعوا الثورة المصرية، وقد أصاب مرض الاستبداد أمتنا منذ القدم ما جعل الباحث لودفيج يشير لأنه لأول مرة يرى أمة ترتضي بأن يحكم الأعباد أحرارها نحو 500 عام، في إشارة للمماليك الذين جيء بهم من بلاد بعيدة .
يصدر الكاتب روايته بعبارة صوفية "كل شوق يسكن باللقاء .. لا يعول عليه" وهو حضور للتسامي الروحي والانفتاح على مدارات تأويلية لا نهائية، والرواية – كما يرى "عبدالله" تسكنها العلامات الدالة الصوفية كاستعارات بن عربي ذلك الصوفي الكبير وشجرة الأساطير ، كما أنها ثرية بالشخوص العميقة، وتصبح الإحالة لزمن الخليفة العاضد "الغلام" لها مدلول خاص، خاصة حين نكتشف أن الإشارة للخليفة الغلام قد حكى عنه المقريزي أنه لم يكن في حكمه من شيء يذكر سوى مجيء صلاح الدين الأيوبي إلى مصر .
الرواية .. تاريخ الشعوب
أكد عمار حسن أن الرواية منذ التسعينيات بدأت فعلا تكون "ديوان العرب الحديث"، بعد أن كان الشعر ديوان العرب القديم، وصارت كما لو كانت سجل هذا الزمان، وكان منيف يقول أن الرواية تاريخ من لا تاريخ له ، لأن الروائيين يكتبون تاريخ الشعوب وليس السلاطين . وقد أخبرهم أستاذ بجامعة القاهرة منذ سنوات بعيدة أن قراءة رواية واحدة تغني أحيانا عن مئات الكتب ، وهيكل نصح صحفي بقراءة رواية لمعرفة يوغوسلافيا، واليابانيون يفعلون ذلك والإسرائيليون ليعرفون سيكولوجية الشعوب المعادية لهم ، وفي القرون الوسطى حتى جاء ذلك والبخلاء وألف ليلة ربت صورة العرب بالمخيلة الغربية وقد علمنا عن المجتمع الغربي كثيرا حين قرانا شكسبير وبلزاك وأناتول فرانس فعرفنا سيكولوجيته وشخوصه .
وأضاف : "الحب في المنفى" لبهاء طاهر عن بطل يعيش اجواء الحرب الاهلية اللبنانية وعنده علاقات انسانية عميقة ولديه وطنية خالصة، فهي رواية تحدد موقف كاتب من لحظة تاريخية .
وردا على تساؤل الشاعر سامح محجوب عن تضافر معارف كثيرة كالتاريخ والميثويولوجيا والتصوف والسياسة برواية واحدة، وإن كان كل عالم يمكن أن يربك الحوار برواية واحدة، رغم اعترافه بطلاوة اللغة، فأكد المؤلف أن العبرة بسؤال : هل المعلومة مقحمة على نسيج الرواية أم لا ؟! فيما قال الأديب البارز بهاء طاهر أن الرواية يجب أن تمزج بين مستويات السرد العملية والشعرية ، واستدل بعبارة يحيى حقي بأن التكثيف هام في الكتابة الروائية، وليس الإطالة ، وهناك روائيون يفعلون ذلك مثل علاء الديب ويحيى حقي وابراهيم عبدالمجيد وابراهيم أصلان وغيرهم، بخلاف المسرح الشعري قديما . وأكد أنه من الغريب أن الأوروبيين لا يحبون الروايات القصيرة على الإطلاق لأن الكتاب يصطحبونه بوسائل الانتقال وغيرها ويحبون أن يكون لأطول فترة .
وأكد عمار أن أعماله السابقة لم تكن لغتها شعرية لأن عالمها واقعي وليس غرائبي، وهناك جدل بين النقاد حول لغة روايته الأخيرة، واعترف أن التكثيف كثيرا ما يكون ضرورة ولكن لها تكلفتها بمزيد من الوقت وليس العكس كما يتصور البعض .
وردا على تساؤل للإعلامية نهاد بقناة النيل الثقافية، أكد بهاء طاهر أن الأدب لا يجب أن يكون لغته فجة حين يكتب عن عالم فج كالمهمشين .. لأن الجمالية قيمة لا ينبغي اهدارها.
وسأل بهاء عمار : ما علاقة كتابتك السياسية بكتابتك الأدبية ؟ وأجاب عمار : لو الأدب يؤكل عيشا فلن أكتب غيره ، وقد كنت طالبا مغتربا بالجامعة وفزت بجوائز عن قصص وأشعار، وقد أهدى مجموعته "أحلام منسية" لمحمد السيد سعيد، وكان هو الآخر يكتب الأدب ثم انصرف عنه . وللأسف مجتمعنا لا يعترف بالأديب كمهنة ، حتى أن نجيب محفوظ كان مكتوب ببطاقته الشخصية "مدير عام بوزارة الأوقاف" !
وردا على تساؤل آخر حول غياب النبوغ الأدبي عن أجيال الإخوان، أكد كلا من عمار وبهاء أن الجماعة تتسم أدبياتها بنظرة دونية للآداب والفنون وخاصة التي لا تتسم بالطابع الإسلامي الصرف، ولذا فإنه حتى سيد قطب على عظم قدره في الأربعينات ، كناقد أدبي، تراجع عن منتوجه الأدبي فيما بعد ، ولم يظهر أدباء مبدعون إخوان حقيقيون لأنهم مكبلون بنسق الجماعة حتى الآن .
يشار إلى أن "شجرة العابد" هي الرواية الرابعة لعمار علي حسن ، وكانت بين الأعمال الأكثر رواجا بمعرض القاهرة للكتاب مؤخرا . وجاءت الرواية بعد "حكاية شمردل" و"جدران المدى" و"زهر الخريف" علاوة على مجموعتين قصصيتين هما "عرب العطيات" و"أحلام منسية" وقد حصلت الأخيرة على جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي، فيما حصل كتابه "التنشئة السياسية للطرق الصوفية في مصر" على جائزة الشيخ زايد في فرع التنمية وبناء الدولة. وللكاتب أعمال أخرى على رأسها "النص والسلطة والمجتمع: القيم السياسية في الرواية العربية" و"الفريضة الواجبة: الإصلاح السياسي في محراب الأزهر والإخوان المسلمين".
وقد أعلن عمار باللقاء يعد لرواية "السلفي" التي يصطحب فيها أب ابنه لعالمه ويرى الإبن عالما يتمرد عليه فيما بعد ويفتتحها بعبارة "مات الليلة حسن عبدالرافع .."