يؤكد التفجير النووي الثالث الذي أجرته كوريا الشمالية أول أمس الثلاثاء أنها أضحت بلا شك تاسع دولة نووية في العالم، ورابع دولة أمر واقع نووي بعد كل من إسرائيل والهند وباكستان، ويقصد بدول الأمر الواقع النووي أنها "تلك أصبحت دول نووية بالفعل والتحقت بالدول النووية الخمس المعلنة (الولاياتالمتحدة، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا، والصين) التي أقرت معاهدة منع الانتشار في عام 1968 أوضاعها النووية بشكل رسمي". وخلافا للتجربتين النوويتين اللتين نفذتهما كوريا الشمالية في عامي 2006 و 2009، تبدو هذه التجربة الثالثة تكريسا لوضع دولة نووية فعلية تمتلك قوى نووية تقدر بأكثر من 20 رأس نووي على أقل تقدير، علاوة على تملك وسائل توصيل صاروخية مختلفة المدى، بين صواريخ باليستية قصيرة المدى إلى صواريخ عابرة للقارات لا يزال يجري تطويرها، حتى وإن لم توجد أدلة قاطعة حتى الآن على قدرة كوريا الشمالية في دمج الراس النووي بوسيلة التوصيل الصاروخية.
وتقدم كوريا الشمالية نموذجا جديدا يثبت انهيار نظام منع الانتشار النووي بكافة إجراءاته وترتيباته، سواء ما يتعلق منها بمعاهدة منع الانتشار ذاتها أو بنظام الضمانات التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية أو بسائر المعاهدات المختلفة التي أقرت منع التجارب النووية، ويبرهن مجددا على فشل الدول النووية المعلنة، وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية، في السياسات الهادفة إلى منع حصول بعض الدول على الأسلحة النووية كما حدث سابقا مع كل من الهند وباكستان رغم الضغوط والعقوبات والقيود التي فرضت عليهما.
وتعود بدايات البرنامج النووي الكوري الشمالي إلى عام 1965 حينما وقعت اتفاقًا للتعاون النووي مع الاتحاد السوفيتي، تم بموجبه إنشاء مفاعل صغير للأبحاث النووية بقدرة واحد ميجاوات في يونجبيون يعرف باسم ةزش-2ح، حيث تمكنت كوريا الشمالية منذ هذا الوقت وحتى عام 1973 من تخصيب اليورانيوم بنسبة 10\% في هذا المفاعل.
وخلال سبعينيات القرن الماضي تركزت جهود كوريا الشمالية على إتقان دورة الوقود النووي، بما تشتمله من تصميم وتركيب التجهيزات النووية وإعادة معالجة المواد النووية الحساسة، حيث قام العلماء في عام 1974 بتطوير المفاعل السوفيتي لتصل قدرته إلى 8 ميجاوات، وتمكنوا من تخصيب اليورانيوم بنسبة 80\%، وبدأت كوريا الشمالية في نفس العام تأسيس مفاعل نووي جديد للأبحاث بقدرة 5 ميجاوات.
وبعد أن امتلكت كوريا الشمالية تكنولوجيا دورة الوقود النووي وتأسيس البنية التحتية الأساسية لبرنامجها النووي، بدأت في الثمانينات توجيه برنامجها النووي إلى الأغراض التسليحية، وخاصة مع انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1989، لأنها فقدت كلاً من الضمانات الأمنية والدعم الاقتصادي السوفيتي، وبات عليها أن تواجه ما تتصوره من تهديدات لأمنها القومي بعد انتهاء الحرب الباردة؛ فبدأت منذ منتصف الثمانينيات في إنشاء مفاعل نووي جديد بقدرة 200 ميجاوات، فضلا عن مفاعلات إعادة معالجة المواد النووية في تيتشيون ويونجبيون.
ويدل على حقيقة بدء كوريا الشمالية محاولة إنتاج مواد نووية للأغراض العسكرية ما ذكرته صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية في يوليو 1990 من أن الأقمار الصناعية الأمريكية التقطت صورًا تؤكد قيام كوريا الشمالية بعمليات لفصل البلوتونيوم في مفاعل يونجبيون، وهو إجراء يهدف إلى توفير كمية من البلوتونيوم الصالح للاستخدام في صنع متفجرات نووية.
وكانت كوريا الشمالية قد انضمت في عام 1985 إلى معاهدة منع الانتشار النووي تحت وطأة الضغوط الدولية، لكنها رفضت في هذا الوقت توقيع اتفاق الضمانات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية رغم أن هذا الإجراء يعد التزامًا واضحًا تنص عليه المعاهدة ذاتها.
ومع نهاية الحرب الباردة وتراجع الحليف السوفيتي بدأت كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية في اتخاذ خطوات تهدف إلى تحسين علاقاتهما المتوترة منذ الحرب الكورية في عام 1953، ففي يونيو 1991 وقعت الدولتان اتفاقًا -بعد جهود للحوار استمرت منذ عام1988 يقضي باعتراف كل من الدولتين بالأخرى، والتعهد بعدم الاعتداء وإقامة تعاون في بعض المجالات، ثم اتفق الطرفان في 19 فبراير 1992 على التعهد بعدم تصنيع وإنتاج وتلقي وتملك وتخزين ونشر واستخدام الأسلحة النووية، وعدم تملكهما لتجهيزات تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجته، وتم تأسيس "اللجنة الكورية الشمالية الجنوبية للتحكم النووي) بغرض إنشاء آلية ثنائية للرقابة بغرض الحفاظ على شبه الجزيرة الكورية خالية من السلاح النووي، لكن هذه اللجنة فشلت في التوصل لاتفاق مشترك حولتأسيس آلية لهذه الرقابة الثنائية.
وبناء على هذه الخطوات وقعت كوريا الشمالية في 30 يناير 1992 اتفاق الضمانات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ليبدأ التفتيش على بعض المنشآت النووية في يونيو من نفس العام، لكن بدأت تثور المشكلات مع الوكالة حينما رفضت بيونج يونج وصول فريق التفتيش التابع للوكالة لموقعين نوويين في يناير 1993؛ مما أدى إلى توتر في شبه الجزيرة الكورية وبين كوريا الشمالية والولاياتالمتحدةالأمريكية.
ومع ذلك فقد بدأت في يونيو 1993 مفاوضات ثنائية رفيعة المستوى بين واشنطن وبيونج يونج، حيث تم وضع إطار مبدئي لحل قضية كوريا الشمالية النووية يقضي بتعزيز العلاقات بين الدولتين وعودة الحوار بين الكوريتين مقابل توقف كوريا الشمالية عن تطوير برنامجها النووي.
وفي ربيع عام 1994 قامت كوريا الشمالية بنقل قضبان الوقود النووي من مفاعل يونجبيون للتمويه على عملية إنتاج البلوتونيوم، فسعت الولاياتالمتحدة إلى فرض عقوبات دولية عليها، ووضعت وزارة الدفاع الأمريكية خطة لضرب المفاعل، وردت كوريا الشمالية بأن بإمكانها تدمير مدينة نيويورك بأسلحة الدمار الشامل، لكن زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق، جيمي كارتر، إلى بيونج يونج نجحت في نزع فتيل الأزمة وعودة المحادثات التي أسفرت في نهاية الأمر عن ما عرف باسم "اتفاق إطار" تم توقيعه في 12 أكتوبر 1994.
ويقضي هذا الاتفاق بتجميد كوريا الشمالية لبرنامجها النووي بما في ذلك مفاعل إنتاج البلوتونيوم ومفاعل 200 ميجاوات تحت الإنشاء ومنشآت إعادة معالجة الوقود النووي، مقابل اتخاذ إجراءات تدريجية لتحسين العلاقات بين البلدين، وتخفيف القيود التجارية المفروضة ضد بيونج يونج، وإنشاء مفاعلين لصالح كوريا الشمالية بقدرة 1000 ميجاوات بجهود دولية وإقليمية، يعملان بالماء الخفيف لأغراض توليد الكهرباء بحلول عام 2003، والالتزام بعودة الحوار بين الكوريتين.
وكانت التقديرات المتباينة حتى مطلع عام 1994 تشير في مجملها إلى أن لدى كوريا الشمالية كمية من البلوتونيوم الصالح للاستخدام في صنع الأسلحة النووية تقدر ما بين 16 إلى 24 كجم، أي ما يكفي لصنع ثلاثة رؤوس نووية على الأقل.
وبعد عامين من توقيع اتفاق الإطار أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مارس 1996 أن بيونج يونج لا تزال تحتفظ بكمية كبيرة من البلوتونيوم خلافًا لبنود الاتفاق، ثم ذكرت الوكالة في أكتوبر 1997 أنها تحتفظ بمخزونات من البلوتونيوم المخزن في حاويات مصنعة من الحديد، ثم قامت كوريا الشمالية في أغسطس 1998 بإجراء تجربة للصاروخ بعيد المدى "تايبودونج 1" الذي سقط فوق الأراضي اليابانية، ليثير الشكوك حول محاولة بيونج يونج تعزيز وسائل إطلاق صاروخية أكثر تطورًا. ازداد وضع العلاقات الأمريكية الكورية الشمالية سوءًا بعد أن وضع الرئيس الأمريكي، جورج دبليو بوش، كوريا الشمالية ضمن ما عرف باسم "محور الشر" في 29 يناير 2002، وبالرغم من ذلك استمر التفاوض من أجل إيجاد حل لأزمة كوريا الشمالية النووية، حتى أعلنت الإدارة الأمريكية في 16 أكتوبر أن مسئولين كوريين شماليين اعترفوا خلال المباحثات بوجود برنامج سري للتسلح النووي، وهو ما نفته بيونج يونج،وقاد ذلك إلى انهيار اتفاق الإطار لعام 1994، لتعلن الولاياتالمتحدة وقف شحن النفط إلى كوريا الشمالية في 14 نوفمبر، وتقوم الأخيرة بطرد اثنين من مفتشي الوكالة الذرية في 27 ديسمبر، وباتخاذ قرار الانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي في 10 يناير 2003، وردت الولاياتالمتحدة بإعادة نشر قواتها في كوريا الجنوبية لردع أي اعتداء كوري شمالي محتمل وإجراء مناورات أمريكية كورية جنوبية مشتركة في نفس الشهر.
ومع قيام الولاياتالمتحدة بالاعتداء العسكري على العراق في مارس 2003، بدأت كوريا الشمالية في انتهاج مسارين مختلفين، أولهما يركز على محاولة التهدئة وعودة التفاوض، حيث أعلنت بيونج يونج في 12 إبريل استعدادها لبدء حوار لحل مشكلتها النووية، ثم أعلنت في 12 مايو رغبتها في العودة لاتفاق حفظ شبه الجزيرة الكورية خالية من السلاح النووي، ثم وافقت في الأول من أغسطس على المشاركة في المحادثات السداسية (تضم إلى جانب الكوريتين كلا من روسيا واليابان والصين والولاياتالمتحدة) الهادفة إلى حل أزمة برنامجها النووي، لتعقد الجولة الأولى في الفترة من27 إلى 29 أغسطس دون أن تسفر عن تقدم يذكر.
أما المسار الثاني فتمثل في السعي بقوة نحو تأكيد قدراتها النووية لغرض الردع، ففي 18 إبريل من نفس العام بدأت عمليات إعادة معالجة فائض الوقود النووي، ثم أعلنت في 9 يونيو الاستمرار في بناء رادعها النووي حتى تتخلى واشنطن عن سياستها العدائية نحوها، ثم أعلنت في 30 أكتوبر وقف المباحثات السداسية إلى أن تقدم واشنطن تعهدات وضمانات أمنية إيجابية حتى تعود للتفاوض وتنهي برنامجها النووي.
ولم تسفر الجولتان الثانية والثالثة اللتين عقدتا في شهري فبراير ويوليو عام 2004، وكذا الجولة الرابعة التي عقدت في يوليو 2005 عن تقدم ملموس تجاه إيجاد حل عملي لأزمة البرنامج النووي؛ إذ رغم إعلان كوريا الشمالية في 19 سبتمبر 2004 عن رغبتها في التخلي عن البرنامج النووي والعودة لمعاهدة منع الانتشار النووي، مقابل إعلان الولاياتالمتحدة أنها لا تنوي استهداف كوريا الشمالية عسكريًا؛ وهو ما خلق تفاؤلاً بإمكانية حل الأزمة سلميًا، إلا أنه سرعان ما أعلنت كوريا الشمالية في 28 سبتمبر من الشهر ذاته، ولأسباب غير معلومة، أنها حولت البلوتونيوم المنفصل إلى الاستخدام في صناعة السلاح النووي من أجل حماية نفسها من التهديد النووي الأمريكي، ليمثل ذلك أول إعلان صريح من كوريا الشمالية بتملك قدرات نووية عسكرية من الناحية الفعلية.
وفي مطلع إبريل 2009 أجرت كوريا الشمالية تجربة إطلاق جديدة للصاروخ تايبودونج، واعتبرت الولاياتالمتحدة أنها تسعى لتطويره ليتمكن من ضرب أهداف على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، ليصدر مجلس الأمن الدولي بيانا غير ملزما بتشديد العقوبات ضد كوريا الشمالية؛ وهو ما جعلها تقرر الانسحاب من المحادثات السداسية وإعادة تشغيل مفاعلاتها النووية.
وفي 25 مايو 2009 قامت كوريا الشمالية بإجراء تفجيرها النووي الثاني الذي كان أكثر تطورا من تفجير 2006، حيث بلغت قوته التفجيرية أكثر من 5ر2 كيلو طن من المتفجرات النووية، وبلغ حجم موجة الزلزلة الجسمية للانفجار حوالي 7ر4 ريختر وفقًا لمعهد المسح الجيولوجي الأمريكي.
وبعد حوالي أربعة سنوات من هذا التفجير قامت كوريا الشمالية يوم 12 فبراير 2013 بإجراء تجربتها النووية الثالثة التي أثبتت التقدم المضطرد في مستوى التقنيات النووية، حيث يعتقد المتخصصون في التفجيرات النووية أن هذه التجربة "عالية المستوى" مقارنة بالتجربتين السابقتين، وربما استخدمت كوريا الشمالية هذه المرة قنبلة مصنوعة من اليورانيوم وأخرى من البلوتونيوم، فيما كانت سابقاً تستخدم البلوتونيوم في قنابلها (البلوتونيوم قابل للانشطار ولكن لا ينشطر بسهولة اليورانيوم). كما أن القوة التفجيرية ربما تتجاوز 15 كيلو طن، خاصة وأن حجم موجة الزلزلة ارتفع هذه المرة إلى ما بين 1ر5 و 5ر5 ريختر وفق التقديرات السائدة الآن.
كما أن هذه التجربة النووية تأتي قبل مضي شهرين على إطلاق بيونج يونج في 30 يناير الماضي صاروخاً (نارو) يحمل قمراً صناعياً إلى الفضاء ربما يكون صاروخًا باليستياً قادرًا على حمل رؤوس نووية، فضلاً عن تجارب لإطلاق صواريخ غير تقليدية أبرزها صاروخ تايبودونج 1 و 2، حيث تؤكد وزارة الدفاع الكورية الجنوبية أن لدى كوريا الشمالية التكنولوجيا اللازمة لتطوير صواريخ باليستية عابرة للقارات قد يصل مداها أكثر من عشرة آلاف كيلومتر.
وفي مطلع إبريل 2009 أجرت كوريا الشمالية تجربة إطلاق جديدة للصاروخ تايبودونج،واعتبرت الولاياتالمتحدة أنها تسعى لتطويره ليتمكن من ضرب أهداف على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، ليصدر مجلس الأمن الدولي بيانا غير ملزما بتشديد العقوبات ضد كوريا الشمالية؛ وهو ما جعلها تقرر الانسحاب من المحادثات السداسية وإعادة تشغيل مفاعلاتها النووية.
وفي 25 مايو 2009 قامت كوريا الشمالية بإجراء تفجيرها النووي الثاني الذي كان أكثر تطورا من تفجير 2006، حيث بلغت قوته التفجيرية أكثر من 5ر2 كيلو طن من المتفجرات النووية، وبلغ حجم موجة الزلزلة الجسمية للانفجار حوالي 7ر4 ريختر وفقًا لمعهد المسح الجيولوجي الأمريكي.
وبعد حوالي أربعة سنوات من هذا التفجير قامت كوريا الشمالية يوم 12 فبراير 2013 بإجراء تجربتها النووية الثالثة التي أثبتت التقدم المضطرد في مستوى التقنيات النووية، حيث يعتقد المتخصصون في التفجيرات النووية أن هذه التجربة "عالية المستوى" مقارنة بالتجربتين السابقتين، وربما استخدمت كوريا الشمالية هذه المرة قنبلة مصنوعة من اليورانيوم وأخرى من البلوتونيوم، فيما كانت سابقاً تستخدم البلوتونيوم في قنابلها (البلوتونيوم قابل للانشطار ولكن لا ينشطر بسهولة اليورانيوم). كما أن القوة التفجيرية ربما تتجاوز 15 كيلو طن، خاصة وأن حجم موجة الزلزلة ارتفع هذه المرة إلى ما بين 1ر5 و 5ر5 ريختر وفق التقديرات السائدة الآن.
كما أن هذه التجربة النووية تأتي قبل مضي شهرين على إطلاق بيونج يونج في 30 يناير الماضي صاروخاً (نارو) يحمل قمراً صناعياً إلى الفضاء ربما يكون صاروخًا باليستياً قادرًا على حمل رؤوس نووية، فضلاً عن تجارب لإطلاق صواريخ غير تقليدية أبرزها صاروخ تايبودونج 1 و 2، حيث تؤكد وزارة الدفاع الكورية الجنوبية أن لدى كوريا الشمالية التكنولوجيا اللازمة لتطوير صواريخ باليستية عابرة للقارات قد يصل مداها أكثر من عشرة آلاف كيلومتر. *مركز أبحاث ودراسات وكالة أنباء الشرق الأوسط