"عام يذهب و آخر يأتي و كل شيء فيك يزداد سوءً يا وطني"، هل يمكن أن تصبح كلمات الشاعر الكبير محمود درويش لسان حال المصريين في ذكرى ثورتهم الثانية؟. إن سلاح الشعراء هو الكلمة وزادهم هو الخيال والأحلام بأوطان قائمة على العدل والحرية، يستشرف الشاعر بكلماته الثورة ويفرح بها حين اندلاعها، وتصبح حروفه وأبياته هي وقودها في أحيان أخرى كثيرة. وفي ذكرى الثورة لا يمكن نسيان أبيات كبار شعراء العرب في حث الشعوب على الإطاحة بالظلم والفساد والحلم بأوطان جديدة عادلة.
نتوقف عند ما قاله الشاعر الكبير أحمد مطر، حين تحدث عن العرب قائلاً:
أيقظُوني عندما يمتلكُ الشعبُ زِمامَهْ . عندما ينبسِطُ العدلُ بلا حَدٍّ أمامهْ . عندما ينطقُ بالحقِ ولا يَخشى المَلامَةْ . عندما لا يستحي منْ لُبْسِ ثوبِ الاستقامةْ ويرى كلَ كُنوزِ الأرضِ لا تَعْدِلُ في الميزانِ مثقالَ كَرامة . سوفَ تستيقظُ .. لكنْ ما الذي يَدعوكَ للنَّومِ إلى يومِ القِيامَةْ ؟
لكن الشاعر العراقي أحمد مطر يرى أن علاقة الشعوب بحاكمها يحكمها "التفاهم"؛ فيقول في قصيدة بهذا العنوان:
علاقتي بحاكمي/ ليس لها نظير/ تبدأ تم تنتهي/ براحة الضمير/ متفقان دائماً/ لكننا لو وقع الخلاف فيما بيننا/ نحسمه في جدل قصير/ أنا أقول كلمة/ وهو يقول كلمة/ وإنه من بعد أن يقولها/ يسير/ وإنني من بعد أن أقولها/ أسير !
الشاعر الكبير محمد تهامي اعتبر أن "الدور الحقيقي للشعر أن يكون دافع فني للثورة" ، ورأى أن هدف الثورات العربية هو تخليص الشعوب من سيطرة الفرد عليها، وهو ما بشّر به في ديوانه "أنا والعراق والشعر" المطبوع منذ 15 عام حين قال : وزلزل العرش تحت الفرد منحطماً/ ما عاد يمتلك الأوطان أفراد
علاقة الشعر قوية بثورة يناير، فمنذ الخامس والعشرين من يناير، وحتى الآن يردد المتظاهرون "لا تصالح" لأمل دنقل، وقصائد فؤاد نجم؛ لتهلب مشاعر الملايين فى الميدان.
كانت البداية مع القصائد الثورية المعتادة للشيخ إمام سيد درويش وغيرها من أغانى الثورة، لكن الأمر ازداد إبداعًا وتحديًا حينما نمقت هتافات الثوار فى قصائد وأغانٍ، منها قصائد "تميم البرغوثى": "يا مصر هانت وبانت كلها كام يوم.. نهارنا نادى ونهار الندل مش باين"، ثم تطورت بعد تفاعل الأحداث وقول عبد الرحمن الأبنودى: "لكن خلاص يا وطن.. صحيت جموع الخلق قبضوا على الشمس بأيديهم.. وقالوا لا من المستحيل أن يفرطوا عقد الوطن تانى.. والكدب تانى محال يلبس قناع الحق.. بكل حب الحياة خوض فى دم أخوك.. قول أنت مين للى باعوا حلمنا وباعوك وأهانوك".
وكتب الشاعر هشام الجخ "مشهد رأسى من ميدان التحرير"؛ فيبدأ قصيدته معلنًا رفضه وتجاوزه لشعره القديم كله: "خبئ قصائدك القديمة كلها.. مزق دفاترك القديمة كلها.. واكتب لمصر اليوم شعرًا مثلها.. لا صمت بعد اليوم يفرض خوفه.. فاكتب سلامًا نيل مصر وأهلها".
وجاء شعر فاروق جويدة "الأرض قد عادت لنا" الذي كتبه صبيحة يوم تنحي مبارك 12 فبراير 2011ن لتصف مصر في عصر مبارك حيث الفساد والضياع والفقر والتشرد؛ جاء فيها:
ياسيدي الفرعون../ قبلك ألف فرعون فجر/ وأطاح بالدنيا.. وعربد في البشر/ والشعب في صمت صبر/ وأراك دمرت الحدائق.. والمصانع/ واستبحت دم الشجر/ وأطحت بالأشجار.. شردت العصافير الجميلة../ واعتقلت الصبح.. واغتلت القمر/ وتقول إنك أول الرسل العظام.. وآخر الرسل الكرام../ وفيك سر الله..حين تشاء تعصف كالقدر!!
لينتهي في آخرها بان الأرض قد عادت لنا؛ فيقول: ارحل وخلفك لعنة التاريخ..أما نحن/ فاتركنا لحال سبيلنا/ نبني الذي ضيعت من أمجادنا/ نحي الذي ضيعت من أعمارنا/ دعنا نفتش في خريف العمر/ عن وطن عريق.. كان يوما للكرامة موطنا/ الناس تصرخ في الشوارع.. أرضنا أولي بنا/ والأرض قد عادت لنا.
ولا ننسى ما كتبه عم سيد حجاب مخاطباً مبارك قبل تنحيه:
مستقوي ع الناس بايه يا حسني يا مبارك الناس تقولك تنحى ترد بتناحة يا عم غور امشي ارحل عننا بعارك ريحة خيانتك لشعبك فايحة في الساحة
وهي قصيدة كتبها الشاعر سيد حجاب بعنوان "وصلة ردح" قبل تنحي الرئيس مبارك عن سدة الحكم في مصر، وألقاها ضمن الوقفة التي نظمها اتحاد الكتاب في قلب ميدان التحرير، ليحذر فيها النظام من استخدام العنف تجاه ثوار ميدان التحرير قائلا: اياكوا يوم تؤمروا الجيش يضرب الناس دول/ يبقى انتحرتوا بغباوة والحساب ها يطول
وتتحدث القصيدة في مجملها عن لجنة الحكماء بوصفها مجرد مسكنات لا غير، ويقرر حجاب في قصيدته أن الشرعية للشعب، متطرقا إلى ثروة الرئيس التي قدرتها بعض الصحف بسبعين مليار دولار ولابد أن تعود لأصحابها.