ودعت الحركة التشكيلية المصرية واحدة من أهم فنانات النحت المعاصر، والتي أشرفت على العديد من الرسائل العلمية لفن النحت، كما أخرجت أجيالا عديدة من النحاتين المصريين.. الفنانة عفاف عبد الدايم، أستاذ النحت بكلية التربية الفنية، ووكيل كلية التربية النوعية سابقا، والتي رحلت الخميس الماضي عن عمر يناهز الواحد والسبعين عاما. قال عنها الفنان د. محمد إسحق عميد كلية التربية الفنية أنها كانت نموذجا للأستاذ الجامعي علما وفنا وخلقا وإنسانيا. كانت عبد الدايم تمثل جيل متميز في الفن والعلم. عالمة في عطاءها العلمي لأجيال متعددة. لها اتجاه فني متميز تبلور وظهر في أعمالها منذ أكثر من خمسين عاما، كما أصبح تلاميذها أساتذة وفنانين؛ حيث أشرفت على العديد من الرسائل العلمية للماجستير والدكتوراه في مجال النحت، كما أنها عضو اللجنة العلمية للأساتذة، منحت الدرجات العلمية للعديد من الفنانين داخل وخارج مصر. ووصف د. اسحق الفنانة عفاف قائلا: "لديها القدرة والرغبة على معرفة كل ما هو جديد، ساهمت بأفكارها وأعمالها الفنية في كثير من المعارض. ولها مدرسة في طرق تدريس الفنون يمثلها العديد من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات المصرية، كما أنها ناقشت مجالات مختلفة من الفنون وليست مجال النحت فقط.. هي أستاذتي منذ كنت طالبا بالفرقة الإعدادي بالكلية وحتى حصلت على درجة الماجستير. تعلمت منها الاطلاع وأساليب التدريب في الفن، وإيجاد مكانة في الحركة التشكيلية بشخصيتي الفنية. كان لها تأثير كبير على تخصصي في النحت المعاصر، كما كان لها دورا كبيرا في كيفية تعليمي الفن للطلبة وتقييمي للأعمال الفنية. بالإضافة إلى أنني تعلمت منها أن يكون لي رؤية في الرسالة العلمية. فهي كانت تتمتع بجانب إنساني كبير في التعامل مع أنماط مختلفة من الطلبة سواء سلوكيا أو فنيا، وكانت دائمة الاحترام للآخرين". وقال د. اسحق عن أعمالها: "استلهمت موضوعاتها من البيئة المصرية والبراءة والطفولة، إلى جانب الألعاب المصرية والموضوعات الشعبية التي عبرت عنها. لها تجارب في صب البرونز وكيفية إخراج الأعمال الفنية. وهي تعتبر من أساتذة فن النحت الخزفي باعتبار تعاملها مع خامة الطينة والبطانات والأكاسيد والطلاءات الزجاجية. كما أن البيئة الريفية شكلت صلب موضوعاتها التي كانت تخاطب الإنسان البسيط مباشرا، بالإضافة إلى مخاطبة كل شرائح المجتمع". أما النحات الدكتور حاتم الشافعي فقال عنها: "أسمها كتب على كل أوراقي؛ فهي من ناقشتني في رسالة الماجستير ثم الدكتوراه، ومن بعدها منحت الأستاذية. كانت رسالة الدكتوراه الخاصة بها هي أول رسالة بكلية التربية الفنية فتحت من خلالها قسم الدراسات العليا.. وهي أم لنحاتين كثيرين ناقشتهم في رسائلهم العلمية. وكانت تتصف بالمرونة في تقبل أفكار الفنانين الجديدة دون التصدي لها كأساتذة آخرين، لكنها دائما كانت مع التفكير الجديد. تربط طلابها جميعا بعضهم البعض، تعد من الفنانين المهمين وعالمة في مجالها. استوحت أعمالها من الطبيعة وقدمتها بأسلوب تجريبي، وهي أول من عمل على فنون الأطفال في النحت؛ حيث كانت رسالتها عن تنمية الأطفال في فن النحت وتدريسه لهم، وهي أول من قام بالتجريب في فن النحت". وكانت آخر رسالة ناقشتها وأشرفت عليها د. عفاف عبد الدايم هي رسالة الدكتوراه للفنانة إيمان عزت الشهر الماضي، والتي قالت عنها أن علاقتها بتلاميذها لم تكن علاقة أستاذ بتلميذ، بل أم لأبنائها، فلم يجتمع الجميع على حب شخص مثلها". وكتبت عزت على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" كلمة إلى أستاذتها جاء بها ما يلي: "قلبي يبكيك حبيبتي.. فمازلت أرى حنان عينيكِ حقيقة وليست ذكرى.. ومازلتُ أراكِ جواري نتناقش في رسالتي، ومازلت أشعر بأنفاسك ودفئها عبر كلماتك وتوجيهاتك.. ومازالت حرارة قهوتك بفمي.. هكذا دون وداع حبيبتي !!!!!!!!كلماتك بالمستشفى لم أعيها حين قلتي لي" الحمد لله أني خلصت رسالتك"، لم أكن أعِي أنها النهاية حبيبتي.. ولم أدرك أبدا أنها المرة الأخيرة التي أراكِ فيها.. نثرت حنانك وعلمك على كل من حولك فأحبكِ الجميع.. تغمدك الله غاليتي بواسع رحمته ومغفرته، وأسكنك أعلى الجنات إلى جوار النبي العظيم، وجزاكِ بقدر ما منحتينا من محبة وعلم واهتمام خير الجزاء".
والفنانة الراحلة د. عفاف مصطفى عبد الدايم ولدت في 10 يناير عام 1941. رئست قسم "التربية الفنية" بالكلية المتوسطة بالطائف منذ عام 1984 وحتى عام 1990. وتقلدت منصب وكيل كلية "التربية النوعية" لشئون التعليم والطلاب منذ عام 1991وحتى عام 2001، وفي نفس العام عملت كأستاذ نحت متفرغ ومشرف على قسم التربية الفنية بالكلية حتى عام 2005. وهي عضو مجلس إدارة رابطة "خريجي المعهد العالي للتربية الفنية". أقامت د. عفاف معرض خاص في "الجامعة الأمريكية" عام 1970، ومعرض بقاعة العرض بكلية "التربية الفنية" في الأعوام 1978، 1979، 1993. ومعرض ب"مجمع الفنون" بالزمالك عام 1992. كما شاركت في العديد من المعارض الجماعية منذ ساهمت في الحركة التشكيلية المصرية منذ عام 1966 وحتى الآن. وشاركت في بينالي "القاهرة الدولي الثاني للخزف" عام 1994. وسافرت إلى ولاية "بنسلفانيا" بالولايات المتحدةالأمريكية في مهمة علمية عام 1981.
والفنانة عفاف أشرفت وناقشت 72 رسالة ماجستير ودكتوراه في جامعة "القاهرة"، "عين شمس"، "حلوان"، "المنصورة"، وجامعة "المنيا".
ومن الجوائز التي حصلت عليها "الميدالية البرونزية" بالمعرض الخامس للفن التطبيقي عام 1967، و"الميدالية البرونزية" بالمعرض "القومي للفنون التشكيلية" الدورة 23 عام 1993. والجائزة الثانية بالمسابقة الفنية على مستوى المملكة العربية السعودية والتي أقامها نادي "الطائف الأدبي" للعامين 1986 و1988. والفنانة لها مقتنيات في مصر، هولندا، فرنسا، انجلترا، ليبيا، وسوريا، ولدى الجامعة "الأمريكية" ومتحف "الفن المصري الحديث".