جاء سقوط مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بجنوبي دمشق في أيدي قوات المعارضة الاثنين ليلفت الأنظار إلى واقع الفلسطينيين في الدولة التي تمر بأزمة سياسية حادة منذ مارس 2011، وتشهد أعمال عنف أسقطت آلاف القتلى. ويوجد في سوريا ما يزيد على 13 مخيماً للاجئين الفلسطينيين، بعضها رسمي والآخر غير رسمي، ويقدر عدد الفلسطينيين فيها بنحو نصف مليون نسمة.
سيطرة الجيش الحر
وسقط المخيم الاثنين بعد معركة دارت بين مقاتلي المعارضة السورية، الذين يدعمهم بعض الفلسطينيين، ضد مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة الموالية للرئيس بشار الأسد.
وقالت مصادر المعارضة إن كثيرين من مقاتلي الجبهة انشقوا وانضموا إلى قوات المعارضة، وإن زعيم الجبهة أحمد جبريل غادر المخيم.
وقال ناشط فلسطيني في اليرموك "المخيم كله تحت سيطرة الجيش السوري الحر"، مضيفا أن الاشتباكات توقفت، وأن بقية جنود الجبهة الشعبية انسحبوا، وانضموا إلى القوات الحكومية المحتشدة على المشارف الجنوبية للمخيم.
أكبر تجمع وقد أنشأ المخيم عام 1957 على مساحة تقدر ب 2110000 متر مربع لتوفير الإقامة والمسكن للاجئين الفلسطينين في سوريا، وهو من حيث تصنيف وكالة الأونروا لا يعتبر مخيم رسمي. ويعتبر اليرموك أكبر تجمع للاجئين الفلسطينين في سوريا ويقع على مسافة 8 كم من دمشق وداخل حدود المدينة ويشبه المنطقة الحضرية، ويختلف تماماً عن تجمعات اللاجئين الفلسطينيين الأخرى في سوريا. وبمرور الأعوام قام اللاجئون بتحسين مساكنهم وإضافة الغرف إليها.
ويزدحم المخيم بالمساكن الاسمنتية والشوارع الضيقة ويكتظ بالسكان ولا يقتصر سكانه على اللاجئين الفلسطينيين فقط بل يضم عدد كبير من السوريين الذين ينتسبون للطبقة الفقيرة . وهناك داخل المخيم شارعان رئيسان يمتلئان بالمحلات التجارية ويزدحمان بسيارات الأجرة والحافلات الكبيرة التابعة للشركات الخاصة التي تصل المخيم بالعاصمة دمشق حيث يعتبر شارع لوبيا وشارع صفد من أكثر الشوارع في المخيم لابل في دمشق من حيث النشاط التجاري، حتى أن سعر المحل فيهما وصل أخيراً إلى مليون دولار.
ويعمل العديد من اللاجئين في المخيم كأطباء ومهندسين وموظفين مدنيين. ويعمل آخرون كعمالة مؤقتة وباعة متجولين. وبشكل عام تبدو ظروف المعيشة في المخيم أفضل بكثير من مخيمات لاجئي فلسطين الأخرى في سوريا.
ويوجد بالمخيم أربعة مستشفيات ومدارس ثانوية حكومية وأكبر عدد من مدارس الأونروا، وترعى الأونروا مركزين لبرامج المرأة لتقديم الأنشطة الخارجية. ومع تزايد السكان اللاجئين، تتمثل أولوية الأونروا المطلقة في توفير أماكن دراسية ومرافق كافية لاستمرار تقديم التعليم الجيد لأطفال اللاجئين في المستقبل.
ويقدر عدد سكانه حالياً بنحو 360 ألف نسمة، وتقع العديد من المخيمات الفلسطينية حول دمشق، مثل مخيم سبينة (حنوبي العاصمة) ويقدر عدد سكانه بأكثر من 19 ألف نسمة، ومخيم جرمانا (5 آلاف نسمة)، ومخيم خان دنون (8600 نسمة) وهو على بعد 23 كيلومتراً جنوبي دمشق، ومخيم قبر الست (حوالي 16 ألف نسمة) قرب حي السيدة زينب، ومخيم خان الشيخ (أكثر من 15500 نسمة) ويقع على بعد 27 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من دمشق.
وتوجد مخيمات أخرى موزعة حول مدن سورية، مثل مخيم نيرب قرب حلب، ويقدر عدد سكانه بحوالي 17500 نسمة، ومخيم عين التل (14 ألف نسمة) على بعد 13 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من حلب. ومخيم العائدون في حمص ويبلغ عدد سكانه نحو 14 ألف نسمة، ومخيم حماة بعدد سكانه البالغ نحو 8 آلاف نسمة، ومخيم الرمل في اللاذقية (6500 نسمة) ومخيم درعا (5600 نسمة)، ومخيم درعا - طوارئ (5600 نسمة).
يشار إلى أن معظم اللاجئين الفلسطينيين الذين فروا إلى سوريا في عام 1948 هم من الأجزاء الشمالية من فلسطين، وتحديداً من مدن صفد وحيفا ويافا بالإضافة إلى عدد من الفلسطينيين الذين فروا من هضبة الجولان بعد احتلالها من قبل إسرائيل عام 1967، وبضعة آلاف فروا من أتون الحرب التي مزقت لبنان في عام 1982.
نزوح مئات العائلات
ولا تزال الاشتباكات العنيفة تتواصل فى مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين والمعارك بين عناصر من اللجان الشعبية الفلسطينية والجماعات المسلحة ووحدات من الجيش السورى.
وقال مراسل وكالة "أنباء الشرق الأوسط" فى دمشق: إن منطقة المخيم شهدت على مدى يوم أمس نزوح المئات من العائلات باتجاه حيي الزاهرة الجديدة والقديمة القريبين من المخيم سيرا على الأقدام وهي تحمل بعض حاجياتها الخفيفة.
وقال أحد النازحين: إن الاشتباكات على أشدها في المخيم بعد أن كانت تدور في حي التقدم في آخر المخيم، حيث امتدت لتصل إلى أول شارع اليرموك من جهة القاعة، مشيرا إلى أنه لم يبق هناك أحد من السكان إلا قلة نادرة ممن ليس لديهم أقارب يلجأون إليهم ففضلوا البقاء في بيوتهم على وقع الاشتباكات والقصف على أن يجلسوا في الحدائق في هذا البرد القارس.
وبحسب شخص آخر غادر المخيم فإن أعدادا كبيرة من عناصر الجيش العربي السوري التابع للأسد قد شوهدت متجمعة عند دوار الكرة الذي يتفرع منه شارع الثلاثين المحاذي لمخيم اليرموك من الجهة الغربية، معربا عن اعتقاده بأن ذلك ربما يكون تمهيدا لعملية عسكرية في المخيم.
تنديد أممي
هذا وقد ندد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الأحد بقصف الطيران الحربي السوري مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق الذي خلف مقتل وجرح العشرات من المدنيين، معتبرا إياه "تصعيدا دراماتيكيا". كما أدانت السلطة الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) القصف وطالبتا بوقف استهداف المخيمات الفلسطينية.
وقال مارتن نيسيركي المتحدث باسم بان كي مون إن الأمين العام يذكر في هذا الإطار بأن الهجمات على المدنيين يمكن اعتبارها "جرائم حرب".
وأضاف أن "الأمين العام قلق للغاية من التصعيد الدراماتيكي المتواصل لأعمال العنف في سوريا خلال الأيام الأخيرة ومن الأخطار الكبرى التي يواجهها المدنيون في مناطق القتال".
وقال ناشطون سوريون إن 25 شخصا قتلوا بقصف نفذته طائرات ميغ على مخيم اليرموك, وأصاب مسجد عبد القادر الحسيني الذي كان يؤوي نحو ستمائة نازح من حيّي التضامن والحجر الأسود جنوبي دمشق.
بدورهما أدانت السلطة الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) قصف طائرات سورية مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيينبدمشق.
وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية "وفا" إن القصف على المخيمات الفلسطينية في سوريا يجب أن يتوقف فورا.
وأضاف أن السلطة تتابع بقلق شديد ما يجري في سوريا من إقحام المخيمات والشعب الفلسطيني بالصراع الحالي الذي وصفه بالمؤسف.
وأشار عباس إلى أن القصف الجوي على مخيم اليرموك -وهو الأول من نوعه منذ بدء الثورة السورية قبل 21 شهرا- أوقع عددا كبيرا من القتلى والجرحى, دون أن يقدم رقما.
جريمة باليرموك
من جانبه حمل أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه نظام الرئيس بشار الأسد ما وصفها بالجريمة في مخيم اليرموك. وأضاف عبد ربه "المجازر في مخيم اليرموك وفي كل مكان في سوريا تستدعي اليوم قبل الغد أن يضع المجتمع الدولي حدا لنظام القتل والإرهاب في سوريا قبل أن يحرق المنطقة بأسرها".
من جانبها عبرت حماس في بيان صدر عن مكتبها الإعلامي عن عميق ألمها لاستمرار ما سمته نزف الدم السوري والفلسطيني بسوريا.
وجاء في بيان صدر عن مكتبها الإعلامي "نؤكد إدانتنا الشديدة لما يتعرض له الشعب السوري من عدوان متواصل, كما ندين بشدة استمرار تعرض المخيمات الفلسطينية في سوريا للاستهداف والقصف والعدوان". مواد متعلقة: 1. "التلجراف": قصف مخيم اليرموك في دمشق جاء لوقف تقدم المعارضة 2. "الأونروا": قصف مخيم اليرموك سيكون له عواقب وخيمة وطويلة الأمد 3. المعلم : علي الفلسطينيين عدم دعم المعارضين في مخيم اليرموك