تشكل الحملة الدولية التي تقودها فرنسا لدعم التدخل العسكري بمالي نقطة ارتكاز محورية في اختبار السياسية الخارجية الجديدة ل"فرنسا اليسار" التي ظلت تعارض سياسة حكام اليمين تجاه إفريقيا وثرواتها. ووفقا لوكالة "الأناضول", أن العديد من المراهنين على تحول جذري في العلاقات الإفريقية الفرنسية في ظل حكم الرئيس الاشتراكي الحالي فرانسوا هولاند لا يستسيغون الموقف الفرنسي الحازم و الداعم للحرب في مالي، وذلك على ضوء إعلان هولاند في خطابه بالعاصمة السنغالية داكار منتصف أكتوبر الماضي بالتخلي عن سياسة فرانس أفريك التي كان يتبعها أسلافه.
وفرانس أفريك هي إستراتيجية اتبعتها فرنسا من أجل تثبيت نفوذها في إفريقيا بعيدا عن الاستعمار بمفهومه القديم، وتمثلت بإلزام قادة دول مستعمراتها القديمة بعقد اتفاقيات عسكرية واقتصادية تحمي المصالح الفرنسية.
و توسعت فرانس أفريك في وقت لاحق لتتحول إلى شبكات نفوذ معقدة تجمع بين السياسة والأعمال والتجارة تدير بوصلة التوجه الفرنسي في إفريقيا.
و مما لا شك فيه أن موضوع الحرب بشمال مالي سيدفع الرئيس الفرنسي هولاند للنظر في تصريحاته الانتخابية ومواقفه المعلنة من ملف فرانس أفريك الذي ظل يشكل نقطة مظلمة في تاريخ العلاقات الفرنسية- الإفريقية على مدار العقود الأخيرة.
فذات الدوافع والمسوغات التي كانت وراء تبني ساكني "الإليزيه" لخيار فرانس افريك باعتبارها أفضل وسيلة للحفاظ على النفوذ التقليدي لفرنسا بمستعمراتها الإفريقية القديمة، والمتمثلة في شعار "حماية مصالح فرنسا الإستراتيجية" هي ذات المسوغات التي يتخذها اليوم هولاند ذريعة للتدخل الدولي والذي سيجر منطقة الساحل بأسرها إلى أخطر نزاع مسلح في تاريخ المنطقة.
والغريب في الأمر أن إدارة هولاند الذي شدد في خطاب داكار على ضرورة مراجعة اتفاقية عسكرية أبرمتها السلطات السنغالية مع فرنسا في آخر أيام سلفه ساركوزي تدير حاليا خططا عسكرية وأمنية سرية بعيدا عن القنوات الرسمية كما تعد لاستخدام أدوات و وسائل عسكرية تهدد شعوب المنطقة بعيدا عن مرأى و مسمع الرأي العام المحلي والدولي.
ولذا فإن الادعاء بتنوع الأقطاب في فرنسا بخصوص نظرتها لإفريقيا قول فيه مبالغة كبيرة فإذا كان اليمين الفرنسي مثلا يعتبر مؤسس ومنظر ومطور فلسفة افرانس أفريك فاليسار الفرنسي المعروف بالتنظير للعدالة الاجتماعية و بانتقاد سياسة اليمين الخارجية و بمطالبته للدولة الفرنسية بانتهاج مقاربات جديدة مع مستعمراتها السابقة تضع حدا لنهب ثروات القارة السمراء نجده عند تمكنه في الحكم سياسته تجاه إفريقيا لا تختلف عن سياسة اليمين قيد أنملة، لدرجة أنه بات معروفا في العرف السياسي الفرنسي أن فرنسا اليسار ليست أحسن من فرنسا اليمين إذا ما تعلق الأمر بإفريقيا.
عندما حرك خطاب هولاند مشاعر الأفارقة بلغته الاستعطافية القوية ونبرته التي تضمنت في أكثر من فقرة من فقرات الخطاب الإقرار بالذنب والتقصير تجاه الأفارقة، كانت الردود الأولى للكثير من المثقفين الأفارقة على هذا الخطاب متفائلة و متحفظة في أن واحد: "سمعنا كلاما جميلا لكن ننتظر فعلا ملموسا". مواد متعلقة: 1. تنظيم القاعدة يهدد فرنسا ودولا أوروبيا حال التدخل فى مالي 2. فشل محادثات حكومة مالي مع الانفصاليين 3. مسئول اممي يستبعد التدخل العسكري في مالي قبل سبتمبر