يتوجه الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند بعد غد الجمعة إلى السنغال في أول زيارة له للقارة الأفريقية منذ توليه سدة الحكم في فرنسا مايو الماضي، حيث من المقرر أن يلقي خطابا أمام الجمعية الوطنية السنغالية قبل التوجه لاحقا لحضور القمة 15 لمنظمة الدول الفرنكوفونية المقرر عقدها يومي 13 و14 أكتوبر الجاري في كينشاسا بالكونغو الديمقراطية، والتي من المنتظر أن يشارك فيها نحو 40 دولة. ويعتبر اختيار السنغال لتكون المحطة الأفريقية الأولى للرئيس أولاند تقليدا دأب عليه الرؤساء الفرنسيون في زياراتهم لأفريقيا بعد انتخابهم، على اعتبار أن السنغال تعد من أقدم الدول الديمقراطية في القارة الأفريقية ومن أكثر دول القارة استقرارا كما أنها تربطها بفرنسا علاقات قوية وطويلة الأمد. ومن المتوقع أن يكشف الرئيس أولاند في خطابه أمام الجمعية الوطنية عن معالم سياسة بلاده الجديدة تجاه أفريقيا. وكان الرئيس أولاند وعد منذ بداية توليه السلطة أن يحدث قطيعة مع السياسة الفرنسية المتبعة تجاه القارة الأفريقية والمعروفة باسم "فرانس أفريك" أو " فرنسا الأفريقية"، والتي تشير إلى شبكات نفوذ معقدة تجمع بين السياسة والأعمال والتجارة التي كانت تقيمها القوة الاستعمارية السابقة مع عدد من الدول الأفريقية. وأكد أولاند عزمه على انتهاج سياسة جديدة إزاء القارة السمراء تقوم على الشفافية في العلاقات الاقتصادية والتجارية، واليقظة إزاء تطبيق القواعد الديمقراطية، وأن تعكس هذه السياسة الوضع الذي عليه القارة في الوقت الراهن حيث تشهد نموا قويا وسريعا سواء على الصعيد الاقتصادي أو في مجال الديمقراطية. واقترح أولاند إدخال ثلاثة مبادىء رئيسية في العلاقات الفرنسية الأفريقية، أولها مبدأ الشرعية في العلاقات مع الرؤساء المنتخبين ديمقراطيا والمعترف بهم من قبل المجتمع الدولي، ثم مبدأ الوساطة في الأزمات والنزاعات من قبل المنظمات الإقليمية والاتحاد الأفريقي وأخيرامبدأ التعاون المتكافئ واحترام التعهدات في إطار برامج التنمية الأممية. وعلى المستوى الأفريقي يتمتع أولاند بدعم قوي من عدد كبير من المواطنين الأفارقة وهو الأمر الذي تجلى بعد فوزه في انتخابات الرئاسة في مايو الماضي حيث احتفلت العديد من المدن الفرانكفونية في أفريقيا بهذا الفوز معبرة عن آمالها في أن يحدث انتخاب هولاند تغيرا في السياسات الفرنسية إزاء القارة السمراء، خاصة في ظل وجود اعتقاد قوي لدى أفريقيا الفرانكفونية بأن حكم اليسار أفضل في سياساته من حكم اليمين خاصة تجاه بلدانهم وهو ما يبرر ازدياد الترحيب بفوز هولاند وانتهاء حكم ساركوزي. أما على المستوى الرسمي لم يخف معظم قادة القارة دعمهم للرئيس الفرنسي مؤكدين تأييدهم لفكرة مراجعة العلاقات الفرنسية الأفريقية، وهو مطلب طالما ردده قادة أفريقيا الذين يريدون للمستعمر الفرنسي السابق أن يعامل بلدانهم اليوم بندية، خصوصا مع تنامي النفوذ الأمريكي و الصيني في القارة السمراء. ويرجع المراقبون الدعم الذي يحظى به أولاند من قبل الأفارقة للفشل الذي شهدته العلاقات الفرنسية الأفريقية في عهد ساركوزي حيث أنه منذ وصوله إلى سدة الرئاسة لم يظهر اكتراثا ملحوظا تجاه القارة الأفريقية وظهر ذلك خلال جولته فى دكار حينما قال في خطابه إن أفريقيا لم تدخل بعد فى التاريخ مما أثار غضب النخب والمثقفين والشعوب الافريقية. اضافة لذلك فإن الاستثمارات الفرنسية في أفريقيا جنوب الصحراء في عهده لم تتجاوز 1،5 من مجمل الاستثمارات الفرنسية المباشرة في الخارج، وانخفضت مساهمة البنوك الفرنسية في النظام البنكي الغرب أفريقي من 80\% إلى 33\% كما عرفت الصادرات حو المنطقة انخفاضا ملحوظا. ومنذ بداية تسعينات القرن الماضي سعت فرنسا لاعتماد استراتيجية جديدة تتواءم مع المستجدات التي طرأت على القارة الأفريقية وذلك لضمان تحقيق مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية والسياسية. وتتمثل المصالح الاقتصادية في البحث عن أسواق لتصريف السلع الفرنسية المصنعة، وعن موارد أولية لتنمية الصناعات الفرنسية المدنية. ولازالت فرنسا هي المستورد الأول للمواد الخام والمصدر الأول للسلع المصنعة في بعض الدول الفرانكفونية، كما أن استثمارات فرنسا تعد من أهم الاستثمارات الأجنبية هناك. أما المصالح الاستراتيجية؛ فتتمثل في الوصول إلى الموارد الطبيعية الاستراتيجية التي تملكها القارة لتنمية الصناعات الثقيلة الفرنسية، والسيطرة على المواقع الاستراتيجية في بعض الدول الأفريقية. وهناك أيضا مصالح سياسية ودبلوماسية، وهي تتمثل في الحفاظ على استقرار الأنظمة الأفريقية، والاستفادة من العلاقات القوية بين فرنسا والدول الأفريقية في ضمان المساندة الدبلوماسية الأفريقية لها في منظمة الأممالمتحدة بما يسمح لها بالاحتفاظ بمكانتها بصفتها دولة كبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن.