شفا وخمير يا عرقسوس ، بل ريقك يا عطشان.. هذه بعض العبارات التي يرددها بائع العرقسوس للإعلان عن شراب عرف منذ القدم بمذاقه الحلو، الذي يقبل عليه الكبار والصغار، وهو يعتبر الشخص رقم واحد في الأهمية بميدان التحرير فلا تقل أهميته بأية حال عن وجود المتظاهرين أنفسهم الذين ينشف حلقهم من شدة الحرارة وزيادة العرق وترديد الهتافات، خصوصا ونحن في فصل الصيف الملتهب وهو شراب لذيذ يقبل عليه الفقراء والأغنياء على السواء. فهناك وبالتحديد من قلب ميدان التحرير يقف "الشربتلي" الشاب حاملا إبريقه الزجاجي أو النحاسي الذي تفوح منه رائحة عبق التاريخ ليسألك ببساطة هي الناس دي متجمعة ليه؟. وما عليك إلا أن تجيبه على تساؤله هذا ببساطة يمكنه استيعابها بأنهم يطالبون بحقوقهم، فيرد عليك بلهجة ساخرة لكنها ذات دلالة خطيرة قائلا: " وهما يعني فاكرين أنهم هاياخدوا حاجة من وقفتهم دي، ثم يداهمك بسؤال ضروري، أصب لك كوباية عرقسوس أحسن؟".. وهنا لا تملك إلا أن تهز رأسك معلنا الموافقة فيما يقول على أساس الرصيد المتراكم من الخبرات السابقة. وعندما تسأله لماذا لا ينضم هو أيضا للمتظاهرين ، يدهشك برده الإيماني: "يا عم ماحدش واخد منها حاجة".. وبالطبع هو لا يقصد هنا الدنيا وإنما لعله يقصد الحكومة الحالية التي قررت ألا تهش أو تنش على أساس أنها جاية تقضي يومين ثم ترحل إلى حيث رحل سابقوها، وهنا تكون أمام خيارين لا ثالث لهم، فإما أن تصر على الوقوف في صفوف المتظاهرين أو أن تشرب كوب العرقسوس ثم تقتنع برأي "مجاهد" وترحل حاملا همومك إلى المنزل. وفي نهاية كل مظاهرة وبعدما يقرر المتظاهرون العودة إلى منازلهم بعدما يدركوا صدق مقولة الشربتلي : "ماحدش واخد منها حاجة"، وهنا يحضرنا المثل الشعبي القائل خذوا الحكمة من بائع العرقسوس. ولمن يهمه أن يعرف فإن بيع العرقسوس مهنة موجودة في مصر بشكل واسع الانتشار، ويتميز البائع بأدواته البسيطة وهي الإبريق الزجاجي أو النحاسي كبير الحجم الذي صنع خصيصا ليحافظ على برودة العرقسوس طوال اليوم، ويحمله بواسطة حزام جلدي عريض يحيط بالخصر ويتدلى منه إناء صغير للأكواب. بينما يمسك بيده اليمنى صاجين من النحاس يصدران صوتا مميزا ويحمل في يده اليسرى إبريقا بلاستيكيا صغيرا مملوءا بالماء لغسل الأكواب التي استبدلت بالأكواب البلاستيكية، وقد يرتدي بائع العرقسوس طربوشا فوق رأسه للفت الأنظار إليه ودلالة على اعتنائه بنفسه.