الترقب والحذر يملأ الشارع السياسي والأمني بالأردن، فمع انتظار تظاهرات "إنهاء عصر المكارم الملكية" كما أطلق عليها أقطاب المعارضة غدا الجمعة، يشهد الآن أزمة كبيرة بين أقطاب المعارضة التي تضم: "الجبهة الوطنية للإصلاح" وجماعة "الإخوان المسلمين" ومجموعات شبابية تطلق على نفسها اسم "هبة تشرين"، وبين الحكومة والقرارات الأخيرة المتعلقة برفع الأسعار، وغيرها من مظاهر فساد. وبالاضافة إلى هذا المشهد المتأزم بين المعارضة والحكومة، إلا أن هناك أيضاً تأويلات حول وقوع انشقاق داخل جماعة "الاخوان المسلمون" وخاصة بعد إعلان "المبادرة الأردنية للبناء" رسمياً.
والآن نتوقف عند مطالب المعارضة والخطط الأمنية والانشقاق المنذر داخل جماعة "الاخوان".
عصر المكارم الملكية
فتأكيداً على المطالب المتعلقة بإلغاء قرار الحكومة رفع الأسعار، والمطالبة بتعديلات دستورية من شأنها المس بصلاحيات القصر، دعت "الجبهة الوطنية للإصلاح" التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق أحمد عبيدات، إضافة إلى جماعة "الإخوان المسلمين" ومجموعات شبابية تطلق على نفسها اسم "هبة تشرين"، إلى تظاهرات ضخمة غداً الجمعة، في العاصمة عمان لإنهاء ما أسمته "عصر المكارم الملكية".
قال عبيدات خلال مؤتمر صحفي الأربعاء: "إن تظاهرات الجمعة، هو شعار "إصلاح النظام"، معتبراً أن تقديم الضمانات لحمايتها "يقع ضمن مسئوليات الدولة الأخلاقية، لكنه ليس منّة"، وأن منظمي تظاهرات المعارضة ليسوا "عصابة تجهز حماية ضد عصابة أخرى".
وكشف عبيدات عن اتصاله برئيس الحكومة عبد الله النسور ومطالبته بتحمل الدولة مسئولياتها الكاملة لحماية المتظاهرين، موضحاً أن قيادات أمنية تواصلت معه خلال الساعات ال 48 الماضية، وأكدت اتخاذها الإجراءات كافة لحماية التظاهرات والحفاظ على حرية التعبير.
وفي لهجة حادة، قال عبيدات: "إن الجبهة لن تقامر باستقرار البلد وأمنه، وفي حال منع المشاركون الوصول إلى موقع التظاهرات، سيكون لكل حادث حديث".
خطة أمنية
ووسط هذا الترقب سارعت السلطات الأردنية إلى إعلان "خطة أمنية" تتضمن إغلاق الشوارع الرئيسة داخل العاصمة الأردنية اعتباراً من مساء اليوم الخميس، وعزل مناطق عدة في محيط دوار الداخلية "منطقة انطلاق التظاهرات" الأكثر حساسية في البلاد.
ودفع هذا الإعلان المعارضة الإسلامية إلى اعتباره محاولة من السلطات ل "تقليص أعداد المشاركين في التظاهرات"، لكن قيادات أمنية نفت ذلك وأكدت أن هدف الخطة "منع الاحتكاك بين تظاهرات الولاء والمعارضة" بعد أن أعلنت مجموعات شبابية مؤيدة للحكومة تنظيم تظاهرة في المكان والزمان الذي أعلنت عنهما المعارضة.
وكان شباب "هبة تشرين" ناشدوا الشعب الأردني المشاركة في تظاهرات الغد لإنهاء ما قالوا إنه "عصر المكارم"، داعين إلى إدامة الحراك الشعبي وتطويره نوعاًَ وكماً لبناء دولة أردنية حقيقية.
"متقاعدي المخابرات"
وفي خطوة أخرى بدت لافتة، فاجأ كيان جديد يطلق على نفسه "الملتقى الوطني لمتقاعدي جهاز المخابرات العامة"، الأوساط السياسية والرسمية بإصدار بيان نادر يحمّل الدولة مسئولية الأزمة التي آلت إليها البلاد.
وانتقد البيان الذي تلقت جريدة "الحياة" اللندنية نسخة منه ما أسماه "الإدارة العبثية للدولة"، وأكد أن الفساد المستفحل هو فساد سياسي بالدرجة الأولى.
وطالما وجهت العارضة، خصوصاً الإسلامية، نقداً لجهاز المخابرات الذي يتمتع بصلاحيات واسعة في الأردن، وكانت لافتة خلال الأشهر الماضية شعارات أطلقتها قوى معارضة ضد هذا الجهاز، مطالبة بتحجيم صلاحياته وأدواره.
وثيقة "زمزم"
وجاءت هذه الدعوات، فيما أطلقت قيادات "إخوانية" (محسوبة على التيار المعتدل داخل الجماعة أو ما يعرف بالحمائم) مبادرة تسعى إلى بلورة تيار إسلامي جديد تحت مسمى "المبادرة الأردنية للبناء" أو وثيقة "زمزم"، وهي المبادرة التي تسببت بجدل واسع داخل أروقة جماعة "الإخوان" التي يسيطر عليها التيار المتشدد.
وفيما اعتبرت قيادات إسلامية ومناصرون لها أن فكرة المبادرة بأنها تمثل "خطوة على طريق الانشقاق الداخلي"، أكد مؤسسو المبادرة أنها "مكملة" لدور الحركة الإسلامية وليست انشقاقاً على أحد.
وتعد هذه المبادرة بمثابة مفاجأة قيادات جماعة "الاخوان" التنظيمية والأوساط السياسية، حيث تم إعلانها رسمياً يوم الثلاثاء، بعد عقد اجتماعات سرية دون علم قيادة الإخوان في العاصمة عمان، وقالوا إنها "تهدف إلى إخراج البلاد من أزمتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، عبر إيجاد تيار إسلامي "أوسع من الحركة الإسلامية والجماعة".
ووضع مؤسسو المبادرة سياسات عامة تمهيدا لإقرار نظام داخلي خلال أربعة أشهر، حيث تبنت المبادرة المشاركة في الحكومات والمجالات المختلفة وفق استراتيجيات إصلاحية، والحفاظ على ما أسموه هيبة الدولة الأردنية.
بوادر انشقاق
وجاءت تصريحات أحد أبرز مؤسسي المبادرة الأربعاء، لتحمل مضامين جديدة يتوقع أن تزيد حدة الجدل داخل صفوف الجماعة، حسبما يرى مراقبون لشئون الحركات الإسلامية في عمان، خصوصاً أن هذه التصريحات التي قدمها "الإخواني" البارز محمد المجالي لجريدة "الحياة"، اعتبرت أن إطلاق المبادرة جاء "بسبب إهمال الحركة الإسلامية" للقضايا الداخلية وتوجهها نحو القضايا العربية والإسلامية والقضية الفلسطينية.
وتتضمن المبادرة بنوداً عدة أبرزها "حفظ هيبة الدولة الأردنية، واعتماد مبدأ التدرج للانتقال نحو الديموقراطية، والسعي إلى تقريب الأمناء إلى مراكز صنع القرار، والمشاركة في الحكومات".
واعتبرت أوساط سياسية ومراقبة، بأن إطلاق المبادرة من خارج الإطار التنظيمي للجماعة، من شأنه أن يفجر خلافات داخلية كبيرة، فيما أكدت قيادة الجماعة عدم اطلاعها المسبق على المبادرة وطلب مراقب عام الإخوان بحسب تأكيدات لشبكة ال "CNN" بالعربية، النظر في المبادرة لاتخاذ موقف بشأنها.
وعزا محللون إطلاق المبادرة إلى وجود خلافات تاريخية بين الاتجاهين الرئيسيين، منها ما هو تنظيمي متعلق بتيار "شرق أردني" و"آخر غرب أردني،" ومنها ما هو سياسي.
ويطلق تعبير "غرب أردني" على المواطنين الأردنيين من أصول فلسطينية، والذي قدموا إلى البلاد بعد حربي 1948، و1967 بين الجيوش العربية وإسرائيل.
ورفض عراب المبادرة، القيادي الإخواني الدكتور رحيل الغرايبة، أن يكون إطلاق المبادرة "تحديا للحركة الإسلامية" أو جماعة الإخوان، مؤكدا في بيان رسمي أنها مبادرة تهدف إلى "خلق تيار إسلامي عريض من الإسلاميين وغير الإسلاميين ومن مختلف الانتماءات الفكرية".
أما عن بوادر انشقاق داخل التنظيم الإخواني على إثر إطلاق المبادرة وتقاطعها مع عمل الجماعة ومبادئها، فرفضت قيادات المبادرة ذلك، مشددة في الوقت ذاته على أنها لا تهدف "إلى أردنة التنظيم الإخواني".
وأكد عضو المبادرة، الدكتور محمد المجالي، أن المبادرة "جاءت مكملة لما عجزت عنه جماعة الإخوان من اهتمام بالمستوى المطلوب للشأن الأردني الداخلي،" فيما اعتبر أن "بعض الإهمال لوحظ في ذلك".
وقال: "المبادرة ليس انشقاقا عن أحد ولا أريد أن يفهم من الحديث عن بعض الإهمال بأنه انتقاص من دور الجماعة لكن نريد التركيز على الشأن الأردني وستبقى القضايا العربية والإسلامية في الصميم وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وأرجو أن لا تفهم المبادرة على أنها أردنة للتيار الإخواني".
أزمات سابقة
وشهدت جماعة الإخوان الأردن عدة أزمات داخلية أبرزها عام 1997، عندما قدمت قيادات بارزة استقالاتها من الجماعة في المحطة الأولى احتجاجا على قرار مقاطعة الانتخابات النيابية.
وفي عام 2007 أعلنت قيادة الجماعة حل نفسها إثر خسارة فادحة منيت بها في الانتخابات التشريعية، بينما شهدت أيضا خلافات حادة في الأعوام 2009 و2010 على خلفية قضايا تنظيمية من بنيها مطالبات بفصل ما عرف بالمكاتب الإدارية الخارجية للجماعة المرتبطة بعلاقة تنظيمية بين إخوان الأردن وحركة حماس.
وحسمت الجماعة قرارها بفصل المكاتب بطلب من حماس عام 2010.
وإلى هنا فالاردنيون جميعاً يترقبون تظاهرات الغد وسط حذر أمني كبير. مواد متعلقة: 1. قوى أردنية تدعو لمسيرة "الغضب 2" الجمعة 2. مظاهرات معارضة ومؤيّدة للنظام بالأردن الجمعة القادمة 3. النسور: الأردن على وشك الحصول على مساعدات مالية من الخليج