قال تعالي في كتابه الكريم [إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُون َوَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ[ صدق الله العظيم. حق كل أنسان فى التعبير عن رأيه وأن لا تنتهك أنسانيته وكرامته وحقوقه التى أعطاها الله سبحانه وتعالى له , وأن لا يقهر أو يقمع أو يهان , مهما أختلفت مع فكره، فالمسلم هو من سلم المسلمون من لسانه ويده.
هناك أزمة واضحة للمتأمل في واقع المصريين وخاصة بعد ثورة ۲5يناير، وهو اننا نعيش في أزمة علاقات، والتي أقصد بها أننا نعيش في أزمة علاقات صحيحة نظيفة قائمة على العدل والإنصاف واصبح من السهل جدا التخوين والتكفير والصاق التهم بالاخرين وهذه عادات مستحدثه على مجتمعنا المصرى المترابط كما قال رسول الله صل الله عليه وسلم [إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا من أهلها جندا كثيفا فإن بها خير أجناد الأرض فقيل ولما يا رسول الله قال : لانهم وأهليهم في رباط إلي يوم القيامة[.
يحتدم الجدل هذه الأيام بين تيارات الفكر السياسي المتنافسة بين دعاة الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية، ودعاة الدولة الدنية، فالأولون يرون أن الإسلام يفرض بناء نظام الدولة على أسس مدنية يكون الشعب فيها هو مصدر جميع السلطات، مع الفصل بين هذه السلطات وتحقيق التوازن فيما بينها، وأن يكون مبدأ الوحدة أعلى وأولى من جميع المنافسات السياسية، وأن يكون الحاكم وحكومته موضع المساءلة والمحاسبة وفق إجراءات واضحة وقانونية تكفل رقابة فعالة على كل من يتولى مسئولية السلطة العامة.
والاخرون منهم من ينادي بالمرجعية الدينية للدولة، ويحرم الديمقراطية وينادى بتطبيق «الحاكمية » وآخرون يطالبون بالإسراع بإقامة دولة الخلافة الإسلامية،! كان الشعب المصرى يعيش فى عصور الجاهلية الأول، وأنهم منقذون للشعب من الانحراف العقيدى والبدع، رغم أن المصريين يعيشون وفق تعاليم الشرع منذ قرون، لكنهم يكفرون الجميع حتى يقولوا إنهم حماة الإسلام والشريعة، ولا أعلم من أعطاهم حق الحديث باسم الدين؛ حتى أصبحوا مستفزين لكثير من فئات الشعب المصرى.
الإسلام لا يعرف الدولة الدينية بالمعني الغربي علي الإطلاق، فهي عندهم تعني أن الملك يحكم باسم الله ولا اعتراض عليه لأنه ناطق باسم الذات الإلهية، والإسلام لم يعرف عبر تاريخه مثل هذا الأمر، إن الحكم الإسلامي يقوم علي المدنية والشوري وأول حاكم في الإسلام أبوبكر الصديق رضي الله عنه، جاء عن طريق الاختيار، ونفس الشيء حدث مع الفاروق عمر بن الخطاب، الذي حسمت المسألة في خلافته بالشوري وكذلك سيدنا عثمان، كلهم كان أمرهم شوري وجميعهم تولوا الخلافة بالاختيار.
اذا أين الدولة الدينية التي ظهرت في تاريخ الإسلام؟
خطورة مواد الدستور تتمثل فى ان كل كلمة فيه لها اثر فى تشكيل القوانين المنفذه له، والدساتير لا توضع ليتم نقدها بعد عام او اكثر؛ بل هى قواعد او مبادئ يتم وضع القوانين المنفذه لها، هناك اشكاليه خطيرة داخل التأسيسية وهى محاولة البعض لخلط الدين بالسياسة بشكل غير مقبول على سبيل المثال :.
الجميع ابدى سعادته ببقاء المادة الثانية بدون تعديل «مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع»، اعتنقت المحكمة الدستورية رأيا بخصوص تفسير كلمة «مبادئ الشريعة» هذا الرأى هو أن «المبادئ» فى هذا الصدد تعنى «الكليات التى لا خلاف عليها لأنها قطعية الثبوت وقطعية الدلالة»، أما النصوص ظنية الثبوت أو ظنية الدلالة فرأت أنها تخرج من نطاق التطبيق، ولكن إضافة المادة ۲۲۱ أفسد الهدوء والسكينة علينا إذا بانها تقوم بتعريف عبارة «مبادئ الشريعة» تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة»!!!، بمعنى أن مبادئ الشريعة أصبحت تحتوى على اجتهادات الفقهاء فى مذاهب أهل السنة والجماعة.
ينبغى حذف المادة (۲۲۱) التي تحدد معنى مبادئ الشريعة الإسلامية بعبارات فضفاضة ستثير كثير من اللبس لدى القاضى والمتقاضي، ولاسيما أن إختلاف مشارب القضاة وثقافاتهم ستؤدي إلى تضارب أحكامهم المتعلقة بتطبيق هذه المبادئ؛ الأمر الذي يخل بمبدأ أصولي عام تعارفت عليه الأمم المتمدينة والمجتمعات الحديثة، ومواثيق حقوق الإنسان.. ألا وهو مبدأ: المساواة أمام القانون والقضاء .
كما نرى حذف المادة (۲۲۲) المتعلقة بأن القاهرة عاصمة الدولة مع جواز نقلها إلى مكان آخر.. لأنها تحصيل حاصل.. إلا إذا كانت هناك نية لتطبيق بعض الأفكار المتطرفة.. التى تنادي بإنشاء دولة خلافة إسلامية تكون عاصمتها القدس.
جميع الشرائع السماوية والعادات والتقاليد والمواثيق الدولية تؤكد على المساواة، لذا فما يثار الآن من هجوم على المساواة يخالف الشرع، ولن يستقيم مجتمع دون رجاله ونسائه معا.
مكانة المرأة عند الرسول عليه الصلاة والسلام نجدها فيما قاله فى آخر جملتين فى خطبة الوداع حينما قال: «الصلاة الصلاة النساء النساء»، وذلك لأن الصلاة عماد الدين، والنساء عماد تنمية الحياة، وذلك تقديراً للمرأة ومكانتها، كما توجد سورة فى القرآن اسمها «النساء»، وسورتا «التحريم» و«الطلاق» معنيتان بشئون المرأة.
أن المرأة المصرية كانت شريكاً فاعلاً في ثوره ۲5 يناير، وكان لها دور كبير ضحت فيه بأولادها وبنفسها وعانت الكثير من أجل تحقيق أهداف الثورة، ولكن تيار الإسلام السياسي يحاول بشكل غير مباشر إقصاءها وتهميشها والعمل على انتقاص حقوقها .
الدستور فى أصل نشأته، هو إذن المحكوم للحاكم، أن يحكمه لا أن يتحكم به، ولذلك الدستور ينظم السلطات ويطلق الحريات وياتى القانون لينظم هذا الامر حتى لا يستبد الحاكم بالمحكوم .. ورغم ذلك هناك اتجاه شديد، لتقييد الحريات فمثلا :
المادة ( 68 ): هذة المادة دليل على تمييز واضح وجلى على أساس الجنس، حيث تقيد المساواة بين الذكور والإناث فى المجالات السياسية والثقافية والإقتصادية والإجتماعية وسائر المجالات الأخرى دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية.
«دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية» يثير مشكلة أن المادة الثانية تنص على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع» بينما هذه المادة تعيد المرجعية إلى أحكام الشريعة، والفارق بين «المبادئ» و«الأحكام» شاسع جدا، حيث من الممكن تشريع قوانين تقوم على تمييز واضح ضد المرأة على أساس فهم معين للشريعة الإسلامية، فمن الممكن إهدار كافة الحقوق للمرأة على هذا الاساس، مما قد يبيح زواج الطفلة في سن ۱۲ عاماً أو أقل أو أكثر، والختان وغيره من الممارسات الضارة، وكان من الأولى حذف عبارة دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية من المادة .
هناك فكر سائد داخل الجمعية التأسيسية بأن المساواة الكاملة تعنى تعدد الأزواج والمساواة في الإرث، وهذا بعيد تماما عن الصحة بل إن تعدد الأزواج يعد جريمة في كل الشرائع والبلدان.
المادة ( 71 ): والتى تنص على حظر إنتهاك حقوق النساء وتجارة الجنس، فتلك العبارة غير كافية لعدم الإتجار بالنساء وحظر زواج القاصرات الذى يؤثر بالضرورة على المرأة، فكان من الأولى النص على حظر الإتجار بالنساء لمواجهة زواج القاصرات لحماية المرأة .
واخيرآ نتذكر معا قول الله عز و جل [أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [ التوبة ۱۰۹ صدق الله العظيم