"إبداعات سعودية" فريدة تحلي جدران قصر الفنون المصري محيط – رهام محمود قصر الفنون بالقاهرة . شهدت القاهرة مؤخرا تظاهرة كبرى للفن التشكيلي السعودي ، حيث احتضن قصر الفنون بدار الأوبرا المصرية نحو ثلاثمائة لوحة ومجسم فني ل24 فناناً سعوديًا ، في معرض حمل اسم "إبداعات سعودية معاصرة" ،بالتعاون بين قطاع الفنون التشكيلية في مصر وأتيليه جدة للفنون الجميلة في السعودية. وأوضح هشام قنديل مدير أتيلية جدة ومنظم المعرض في حديثه ل"محيط" أن الهدف الأساسي منه هو دعم التآخي العربي ، قائلا أن الفن يفعل مالا تفعله السياسة، فبالرغم من الوضع العربي المتهالك والذي يتجه للأسوأ، إلا أننا كشعوب متحدون للغاية بخلاف حكامنا ولعبة السياسة . مضيفا : في مصر شعر الفنانون السعوديون أنهم في بلدهم الثاني، ولم يشعروا بأي غربة لأن الفنانين المصريين متواجدين بشكل دائم في جدة، وقد أخذت على عاتقي طوال ربع قرن مد جسور الصداقة والتعاون وأواصل اللغة والدين بين البلدين . وغاب فن النحت والخزف عن المعرض ، أما الأعمال فقد تنوعت حسب اتجاه ورؤية كل فنان مما أعطى انطباعا عن تطور التشكيل السعودي ، ولاحظنا أن أعمال الفنانين بدت اكثر نضجا من الفنانات وإن كن شكلن حضورا قويا نسبة للاعوام الماضية . طه الصبان قدم الفنان بكر شيخون في طليعة المعرض عملا مفاهيميا حيث يعرض بيضة كبيرة الحجم، تجلس على كرسي متأرجح أحمر اللون وكأنها مدللة، كما وضع تليفزيونا صدمت شاشته بحذاء مما أسفر عن ثقبها، وكأنه يحاول التعبير عن رفضه لما يقدم في الفضائيات. كما قدم الفنان طه الصبان مجموعة من اللوحات صور فيها المجتمع السعودي بزيه الجميل ولكن برؤية تجريدية، مضيفا إلى اللوحة التي تميزت بالألوان الواضحة والصريحة والساخنة في الوقت نفسه بعض من العناصر والموتيفات من التراث السعودي. أما عبدالله حماس فقد قدم التراث السعودي برؤية أكثر بساطة؛ حيث تناول العناصر والموتيفات في أجزاء من اللوحة، ووضع كل منها على خلفية مسطحة اللون، موزعة في اللوحة بتشكيل محكم، كما قسم في لوحة أخرى الخلفية إلى مربعات، ورسم في كل منها عناصر من التراث السعودي أيضا، وكأن كل منهم يستقل بلوحة منفصلة، ثم تجمعهم لوحة كبيرة وكأنها الأم السعودية . كما قدم أيضا حماس لوحات تجريدية اهتم فيها بتشكيل الخطوط الرفيعة في مساحة معينة من اللوحة، وضعها على خلفية مسطحة اللون. عبدالله حماس عرض الفنان فهد الحجيلان مجموعة من اللوحات كبيرة الحجم، في إطار التجريد، ظهر من خلالها خبرته في امتزاج الألوان مع بعضها البعض، واستخدام عناصره المجردة والتي تبدو مشاهد من البيئة السعودية على استحياء، أما الفنانة شاليمار شربتلي فكانت أشخاصها تمتد خطوطها الخارجية مساهمة في تشكيلها، مستخدمة الألوان الصريحة. ومن أقوى الأعمال التي عرضت أعمال الفنان محمد الغامدي، الذي قدم لوحات تجريدية مستخدما فيها خامات مختلفة، بدت إحداها وكأنها رؤية للمدينة السعودية من أعلى، حيث تبدو البيوت صغيرة ومنمنمة وكأنها تخطيط معماري أو ماكيت لها، ومن حولها تأتي مساحات اللون الغنية التي امتزجت وتحققت من خبرة الفنان الكبيرة، وفي لوحات أخرى أستخدم جذوع الأشجار التي استفاد من نتوءاتها وتعريجاتها الجميلة في مساحات كبيرة من اللوحة. علا حجازي ومن الأعمال المميزة أيضا بالمعرض أعمال الفنان الشاب عبد الرحمن المغربي، التي ظهرت الأحرف على لوحاته لتحقق تشكيل معين على المسطح فزادت من جمال التقنية التي استخدمها، والتي أبرزت لوحاته وميزتها بملامسها عن باقي الأعمال. علا حجازي قدمت العلاقة بين المرأة والرجل في لوحاتها برؤية جديدة، كما اهتمت باستخدام الأحرف على اللوحة ككل حتى ملابس الأشخاص، أما تغريد البقشي فقدمت أشخاصها ذات ملامح خاصة، حيث يتميزون بالرقبة الطويلة والمبالغة في استطالة الوجه والجسم، فهم يجلسون في هدوء وسكينة. كما احتلت المرأة عددا كبيرا من أعمال الفنانة، وصورت أيضا العلاقة الحميمة بين الرجل والمرأة في لوحات أخرى معبرة في إحداها عن السلام بمسكهما حمامة في يديهما. هشام قنديل وقال هشام قنديل" ل"محيط" : المعرض جاء بفكرة طرحها الفنان المصري د. أحمد نوار ، وقد أقيم منذ حوالي عشر سنوات وكان يحمل الاسم نفسه ، واستمر التعاون بين مصر والسعودية فنيا منذ ذلك الحين ، وظهر ذلك في سلسلة من المعارض التشكيلية لفنانين مصريين تميزوا بالبلاد ومنهم د. أحمد نوار، د. فرغلي عبد الحفيظ، د. عمر النجدي، د. أحمد عبد الكريم، د. عادل ثروت، د عبد الوهاب عبد المحسن، د. عادل السيوي، د. محمد عبلة. وعن مدينة جدة قال الفنان : جمهور جدة عاشق للفن؛ فهي مدينة تشكيلية عربية من الدرجة الأولى، وهي عبارة عن متحف مفتوح لكبار النحاتين العرب والعالميين، فهناك مجسمات لسيزار وهنري مور ومن الجانب المصري صلاح عبد الكريم، عبد السلام عيد، أحمد سطوحي، مما منح أهل جدة ثقافة بصرية، فعيونهم تدربت على رؤية المجسمات والأعمال الفنية. كما أن جمهور الفن في جدة يعرف جميع الفنانين المصريين، وهناك قائمة من مقتنيي الأعمال الفنية ويبحثون عن الأعمال المصرية ، كما يعشقون أعمال بيكار، حامد ندا، عبد الهادي الجزار وكل الأسماء المصرية والعلامات البارزة في تاريخ الفن التشكيلي المصري معروفة لدى الجمهور السعودي. تغريد البقشي وعن غياب أعمال النحت في المعرض قال قنديل: المعرض ظهرت فيه تنويعات فنية ، أما النحت فظهر من اعمال البوب آرت وبعض الأعمال المفاهيمية وأعمال استخدمت فيها خامات الأخشاب بين النحت والتصوير ، ولكن هناك نحاتين لم تسمح ظروفهم بالحضور ومنهم علي التخيت، محمد الصقفي، وصديق واصف. كما روى قنديل عن نشاة الفن التشكيلي السعودي بقوله أنه لا يتجاوز عمره الأربعين عاما ، بدأ مع التعليم وابتعاث الفنانين الموهوبين إلى الخارج وقد درسوا الفن في أوروبا مثل الراحل د. عبد الحليم رضوي رائد الحركة التشكيلية السعودية، والراحل الفنان محمد السليط ، والفنانات الرائدات صفية مصداق ومنيرة مصلي . ثم جاء الرعيل الثاني ومنهم بكر شيخون الذي قدم عمل مفاهيميا في هذا المعرض على الرغم من أنه مصور بارع، ويأتي بعده فنانين كطه الصبان، عبدالله حماس، عبد الرحمن السليمان المشاركين في المعرض وعلي الرزيدق وسمير الدهان وهم غير مشاركين. عبدالرحمن المغربي وهناك جيل الشباب الواعد وهو الذي انفلت وتمرد على القواعد الأكاديمية والنمطية ودخل في مناطق الحلم والدهشة والاستغراب وغيره، كما في أعمال عبد الرحمن مغربي، باسم الشرقي، محمد الغامدي الذي حصل على الجائزة الأولى في بينالي الشارقة الدولي سابقا. وأكد قنديل أنه يعتز بمصريته ولذا لا يمكنه المشاركة بمعرض للفنانين السعوديين رغم أنه يحمل الجنسية ، وأشار إلى أنه سيصدر كتابا يقرأ في أعمال التشكيليين العرب . واختتم حديثه بأن السعودية أصبحت تشهد مساحة من حرية الفن والتعبير ، وتتباعد فكرة التزمت شيئا فشيئا في التعامل مع الفنون عموما ، كما يتاح لفنانيها فرص أكبر للاطلاع على التجارب العالمية ،فيزورون المتاحف العالمية والجاليريهات، واكد أن التشكيل السعودي في تقدم مقارنة بكثير من دول الخليج ، من ناحية الكم والكيف أيضا ، ومشيرا لوجود معهد للتربية الفنية بالبلاد ، ولكن ما ينقصهم هو وجود أكاديمية أو كلية للفنون الجميلة والتي وعد وزير الثقافة السعودي بتأسيسها بالفعل .