نزار قباني .. اثنا عشر عاماً وماتزال أشعاره تنبض حياة محيط – مي كمال الدين مرت بنا مؤخرا الذكرى الثانية عشر لرحيل الشاعر السوري الكبير نزار قباني ، والذي قدم على مدار حياته أعذب القصائد الشعرية ولعبت المرأة فيها دوراً جوهرياً، إلى جانب العديد من الأشعار التي تعود لمعانى العروبة والشوق للوطن وخاصة مدينة دمشق . ولد نزار قباني في " مئذنة الشحم" بالعاصمة السورية دمشق في21 مارس عام 1923م، وتوفى 30 أبريل عام 1998م، وما بين الميلاد والوفاة حياة حافلة، مارس منذ صغره العديد من الهوايات مثل الرسم ثم الموسيقى ثم جاءت هوايته لكتابة الشعر والنثر لتترعرع بداخله وتكبر وتطرح العديد من الثمار الشعرية ، على أن أولى تجاربه الشعرية كانت وهو مازال في السادسة عشر من عمره. التحق نزار بكلية الحقوق في الجامعة السورية وتخرج منها عام 1945م، والتحق بالعمل بالسلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية، ونظراً لطبيعة عمله تنقل بين العديد من الدول العربية والأجنبية، وبعد فترة تقرر التفرغ من أجل الشعر فترك العمل الدبلوماسي وقدم استقالته عام 1966م ، ثم استقر في لبنان وأسس في عاصمتها دار للنشر سميت باسمه. في صباه صدرت أولى دواوينه الشعرية عام 1944 بعنوان "قالت لي السمراء" وهو الديوان الذي عبر فيه عن أهوائه ومشاعر جيل في فترة الحرب العالمية الثانية، ثم توالى بعد ذلك إنتاجه الشعري المميز، فنذكر من أعماله "حبيبتي، قصائد، الرسم بالكلمات، أنتي لي، سامبا، قصائد متوحشة، الشعر قنديل أخضر، كتاب الحب، منشورات فدائية على جدران إسرائيل، إفادة في محكمة الشعر، قصائد حب عربية". ومن القصائد التي أثارت جدل وضجة واسعة قصيدتي " خبز وحشيش وقمر"، "هوامش على دفتر النكسة" وهي القصيدة التي نشرها بعد هزيمة العرب من إسرائيل في عام 1967م. وكما كتب نزار بألم عن الهزيمة تغنى بفرحة الانتصار وبحب دمشق ففي قصيدة " ترصيع بالذهب على سيف دمشقي" 1974 قال: جاء تشرين يا حبيبة عمري أحسن وقت للهوى تشرين ولنا موعد على جبل الشيخ كم الثلج دافئ.. وحنونُ سنوات سبع من الحزن مرت مات فيها الصفصاف والزيتون شام.. يا شام.. يا أميرة حبي كيف ينسى غرامه المجنون؟ شمس غرناطةَ أطلت علينا بعد يأس وزغردت ميسلون احتلت المرأة في شعر نزار قباني مكاناً جوهرياً فكانت همه الأول الذي يدافع عنه ويدعو لحريتها، ويستفيض في وصفها، ولا مانع أن يهاجمها أحياناً ولكن بدافع الحب أيضاً. وفي قصيدة "إني خيرتُكِ" يناديها : قولي. إنفعلي. إنفجري لا تقفي مثل المسمارِ.. لا يمكنُ أن أبقى أبدًا كالقشّةِ تحتَ الأمطارِ إختاري قدرًا بين اثنينِ وما أعنَفها أقداري.. اتجه نزار في الكثير من قصائده لتبني المواقف العروبية والسياسية ، حتى أن البعض استنكر عليه هذا الاتجاه بعد أن كان يتغنى بالمرأة وحبها وهو يقول في قصيدة "أطفال الحجارة" : بهروا الدنيا.. وما في يدهم إلا الحجاره.. وأضاؤوا كالقناديلِ، وجاؤوا كالبشاره قاوموا.. وانفجروا.. واستشهدوا.. وبقينا دبباً قطبيةً صُفِّحت أجسادُها ضدَّ الحراره.. قاتَلوا عنّا إلى أن قُتلوا.. وجلسنا في مقاهينا.. كبصَّاق المحارة وفي قصيدته "هجم النفط مثل ذئب علينا" يقول: يا بلادًا بلا شعوبٍ.. أفيقي واسحبي المستبدَّ من رجليهِ يا بلادًا تستعذبُ القمعَ.. حتّى صارَ عقل الإنسانِ في قدميهِ كيفَ يا سادتي، يغنّي المغنّي بعدما خيّطوا لهُ شفتيهِ؟ هل إذا ماتَ شاعرٌ عربيٌّ يجدُ اليومَ من يصّلي عليهِ؟... من شظايا بيروتَ.. جاءَ إليكم والسكاكينُ مزّقت رئتيهِ رافعًا رايَة العدالةِ والحبّ.. وسيفُ الجلادِ يومي إليهِ قد تساوت كلُّ المشانقِ طولاً وتساوى شكل السجونِ لديهِ لا يبوسُ اليدين شعري.. وأحرى بالسلاطينِ، أن يبوسوا يديهِ مر نزار في حياته بعدد من الأحداث المأساوية منها انتحار شقيقته، ثم وفاة أبنه وهو مازال في ريعان الشباب ورثاه في قصيدة " إلي الأمير الدمشقي توفيق قباني"، وكان المزيد من الحزن في حياة نزار عندما فقد زوجته بلقيس هذه الزوجة التي أحبها حباً جماً في حادث انفجار السفارة العراقية ببيروت عام 1981م. بلقيس... كانت أجمل الملكات في تاريخ بابل بلقيس .. كانت أطول النخلات في أرض العراق كانت إذا تمشي.. ترافقها طواويسٌ.. وتتبعها أيائل.. بلقيس.. يا وجعي.. ويا وجع القصيدة حين تلمسها الأنامل هل يا ترى.. من بعد شعرك سوف ترتفع السنابل ؟ مع أسرته وإلى أمه كتب نزار "خمس رسائل إلى أمي" عرفتُ نساءَ أوروبا.. عرفتُ عواطفَ الإسمنتِ والخشبِ عرفتُ حضارَة التعبِ.. وطفتُ الهندَ، طفتُ السندَ، طفتُ العالم الأصفر ولم أعثر.. على امرأةٍ تمشّط شعريَ الأشقر وتحمل في حقيبتها.. إليَّ عرائسَ السكر وتكسوني إذا أعرى وتنشُلني إذا أعَثر أيا أمي.. أيا أمي.. أنا الولدُ الذي أبحر ولا زالت بخاطرِه تعيشُ عروسُة السكر فكيفَ.. فكيفَ يا أمي غدوتُ أبًا.. ولم أكبر؟ ويقول نزار في أخر قصائده والمنشورة في مجموعته "أبجدية الياسمين" التي كتبها قبل وفاته وجمعها أبناؤه بعد رحيله ونشرت في "أبريل" 2008. أنا في الشعر قاتل أو قتيل وماهو الشعر عندما لايغامر؟ مهنتي أن أغير الكون بالشعر وفي ليلة أضيء المنائر مهنتي أن أعمر الأرض عشقاً وأغني لكل ظبي نافر مهنتي أن أقول مالم تقولوا وضميري يقول كله الضمائر ونختتم بكلمات نزار التي كتبها من على فراش المرض بغرفته في مستشفى سان توماس بلندن حيث قال: "إنني أعترف لكم أنني نزفت طويلاً على أوراقي ودفعت ضريبة الشعر من جسدي ومن صمتي، إلا أنني بالمقابل أعترف لكم أنني أخذت من حب الناس مالم يأخذه أي شاعر آخر، لقد كنت أول شاعر عربي يمسك مجده بأصابعه وهو على قيد الحياة ويرى حفلة عرسه بواسطة البث المباشر لا بواسطة شريط فيديو".