اختار الشاعر العربي السوري الأصل علي أحمد سعيد "أدونيس" أن يفتح كعادته معارك جديدة وكانت هذه المرة بين الشعر والرواية، وكان له وهو الشاعر أن ينتصر للشعر بعد أن ردد البعض مرارا في السنوات الأخيرة أن الرواية حلت محل الشعر في الثقافة العربية حتى باتت "ديوان العرب". وقال أدونيس، في افتتاح مهرجان غرناطة الشعري الحالي بإسبانيا: "الشعراء أكثر تأثيرا من الروائيين في وجدان العالم"، مؤكدا أن "القصيدة أسمى مراتب الإبداع".
وأوضح أنه "لا السياسة ولا التجارة تعبران عن هوية أي شعب، وإنما الإبداع هو المعبر الحقيقي عن الهوية"، مضيفا، "هناك أناس يكتفون بالنظر للعالم وهناك أناس آخرون وهم الشعراء يذهبون إلى أبعد من ذلك ويحاولون الدخول في عقول القراء".
وكان أدونيس قد تعرض لاتهامات بأنه لم يظهر انحيازا كافيا للثورات العربية، وخاصة فيما يتعلق بالوضع في وطنه سوريا، ونوه بأن "الشعراء يعملون على تحويل العالم إلى مكان أكثر أمنا وشاعرية"، مشددا على أنه "ينبغي على الشاعر أن يكون شاهدا على ما هو حقيقي أو مخادع عبر اهتمامه بالإنسان كإنسان".
ولم يتردد أدونيس في فتح معركة جديدة في هذه الليلة الأندلسية بين الشعر والرواية التي يقول البعض عنها إنها باتت "ديوان العرب في السياق الحالي" ليقول: إن "الروائيين ليس لهم أي تأثير كبير في المجتمع المعاصر حتى وإن كان لهم قراء أكثر مما لدى الشعراء".
وذهب أدونيس إلى أن "الروائيين يمرون في عقل أي إنسان بطريقة أفقية وسطحية، وهم يؤثرون في القراء المستهلكين، أما الشعراء فيؤثرون في القراء المبدعين"، موضحا بإلحاح أن "الفن والإبداع ينبغي لهما خلق طاقة منتجة والشعر يتميز برؤيا خاصة وشاعرية للعالم".
وذهب أدونيس في دفاعه المجيد عن الشعر إلى أن "الشعر يتخطى الكلمات وهو ضرب من ضروب الوجود، وأن دور الشاعر هو الكفاح الدائم ودعم الثورات الحقيقية" على حد قوله.
وكانت الدورة التاسعة للمهرجان الدولي للشعر قد افتتحت بمدينة غرناطة يوم 8 من شهر مايو الحالي بمسرح "إيزابيل لاكتوليكا"، فيما قال خوزيه توريس عمدة المدينة في سياق كلمته الترحيبية بالضيوف في هذه الاحتفالية الثقافية الكبرى: إن "أدونيس أحد أكبر الشعراء في العالم العربي".
وأعاد أدونيس للأذهان أنه هاجر منذ سنوات طويلة من بلده سوريا إلى الخارج وهو يقيم فى فرنسا ، مؤكدا على أنه "ضد الأيديولوجيات التي تستأثر بالسلطة ولا تهتم بتغيير المجتمع".
وأردف قائلا :"إن السلطة الحقيقية هي التي تغير المجتمع ومؤسساته لتصبح أكثر عدالة وأكثر حرية ، داعيا لعدم استخدام الدين لأغراض وأهداف سياسية".
وقال أدونيس إنه "يتفهم الحركات التي عرفها العالم العربي وأن الشباب العرب قام بحركة رائعة، وعلى الرغم من العراقيل فإن هذا الشباب سيستمر في هذه الثورة". وطالب الشعراء والكتاب بأن يقفوا إلى جانب المقهورين. ودافع أدونيس عن حرية المرأة منوها بأنه "لا يمكن أن يكون هناك مجتمع حر بدون حرية المرأة "، فيما كان وجوده بهذه الاحتفالية الشعرية العالمية من أهم أسباب طغيان السياسة فيها على الشعر، ربما لمواقفه السياسية المثيرة للجدل، وخاصة بعد موجة الثورات والانتفاضات الشعبية الأخيرة في العالم العربي.
وفى مزيد من الشرح لحقيقة موقفه حيال التطورات الأخيرة فى سياق "الربيع العربى"، أكد أدونيس على أنه ضد "التدخل الأجنبي والأمريكي على وجه الخصوص لأن هذا التدخل لن يفضى سوى للعنف"، مستشهدا بحالات مثل العراق بعد الغزو الأمريكي فضلا عن ليبيا.
وأشار إلى أنه يتعين الانتظار لرؤية ما ستؤول إليه الأوضاع في العالم العربي، مؤكدا من جديد على موقفه المعلن وهو "أن الغرب يتظاهر بالدفاع عن حقوق الإنسان".
وفى هذا السياق، قال أدونيس :"إن الغرب لا يقول شيئا ولا يفعل شيئا للدفاع عن الحقوق المهضومة للشعب الفلسطيني، الذي طرد من أرضه" معتبرا أن "الغرب لا يدافع عن حقوق الإنسان، بقدر ما يدافع عن مصالحه الاستراتيجية وعن البترول والغاز والطاقة".
وكشف أدونيس الذي بات يحمل الجنسية الفرنسية انه صوت فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة لصالح المرشح الاشتراكى فرانسوا هولاند.
وبدا أدونيس حريصا على أن يوضح أن ذلك "لا يعنى وجود ثقافة متوسطية واحدة كما يعتقد البعض، وإنما المتوسط يقدم لنا ثراء وتنوعا رائعين ولهذا ينبغي إيجاد طريق للتفاهم والحوار".