أبناء سيناء: الإرهاب أوقف الحياة وشهدائنا مع الشرطة والجيش طهروها بدمائهم    4 أيام متواصلة.. موعد إجازة شم النسيم وعيد العمال للقطاعين العام والخاص والبنوك    بعد ارتفاعها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي 2024 وغرامات التأخير    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 3 مايو 2024 في البنوك بعد تثبيت سعر الفائدة الأمريكي    رسميًّا.. موعد صرف معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    عز يعود للارتفاع.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    إسرائيل تؤكد مقتل أحد الرهائن المحتجزين في غزة    فلسطين.. وصول إصابات إلى مستشفى الكويت جراء استهداف الاحتلال منزل بحي تل السلطان    إبراهيم سعيد يهاجم عبد الله السعيد: نسي الكورة ووجوده زي عدمه في الزمالك    أحمد شوبير منفعلا: «اللي بيحصل مع الأهلي شيء عجيب ومريب»    الأرصاد تكشف أهم الظواهر المتوقعة على جميع أنحاء الجمهورية    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    قتل.. ذبح.. تعذيب..«إبليس» يدير «الدارك ويب» وكر لأبشع الجرائم    جناح ضيف الشرف يناقش إسهام الأصوات النسائية المصرية في الرواية العربية بمعرض أبو ظبي    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    فريق علمي يعيد إحياء وجه ورأس امرأة ماتت منذ 75 ألف سنة (صور)    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    جمال علام يكشف حقيقة الخلافات مع علاء نبيل    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    إسرائيل: تغييرات في قيادات الجيش.. ورئيس جديد للاستخبارات العسكرية    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    مجلس الوزراء: الأيام القادمة ستشهد مزيد من الانخفاض في الأسعار    موعد جنازة «عروس كفر الشيخ» ضحية انقلاب سيارة زفافها في البحيرة    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    ليفركوزن يتفوق على روما ويضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    طبيب الزمالك: شلبي والزناري لن يلحقا بذهاب نهائي الكونفدرالية    رسائل تهنئة شم النسيم 2024    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    أول ظهور ل مصطفى شعبان بعد أنباء زواجه من هدى الناظر    شايفنى طيار ..محمد أحمد ماهر: أبويا كان شبه هيقاطعنى عشان الفن    جامعة فرنسية تغلق فرعها الرئيسي في باريس تضامناً مع فلسطين    اليوم.. الأوقاف تفتتح 19 مسجداً بالمحافظات    حسام موافي يكشف سبب الهجوم عليه: أنا حزين    بعد تصدره التريند.. حسام موافي يعلن اسم الشخص الذي يقبل يده دائما    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    سفير الكويت بالقاهرة: رؤانا متطابقة مع مصر تجاه الأزمات والأحداث الإقليمية والدولية    فلسطين.. قوات الاحتلال تطلق قنابل الإنارة جنوب مدينة غزة    د.حماد عبدالله يكتب: حلمنا... قانون عادل للاستشارات الهندسية    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    بسبب ماس كهربائي.. إخماد حريق في سيارة ميكروباص ب بني سويف (صور)    مباراة مثيرة|رد فعل خالد الغندور بعد خسارة الأهلى كأس مصر لكرة السلة    فوز مثير لفيورنتينا على كلوب بروج في نصف نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    تركيا تفرض حظرًا تجاريًا على إسرائيل وتعلن وقف حركة الصادرات والواردات    مدير مشروعات ب"ابدأ": الإصدار الأول لصندوق الاستثمار الصناعى 2.5 مليار جنيه    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    «يا خفي اللطف ادركني بلطفك الخفي».. دعاء يوم الجمعة لفك الكرب وتيسير الأمور    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    أستاذ بالأزهر يعلق على صورة الدكتور حسام موافي: تصرف غريب وهذه هي الحقيقة    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية بطور سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعدد القراءات في القرآن إعجاز وليس تحريفا
نشر في محيط يوم 07 - 12 - 2011

وجه سؤال إلي المجلس الأعلي للبحوث الإسلامية نص علي "تعدد القراءات ألا يدل على الاختلاف فيه، وهو نوع من التحريف ؟" فجاء بيان المجلس كالتالي:

"القراءات" جمع قراءة، وقراءات القرآن مصطلح خاص لا يراد به المعنى اللغوي المطلق، الذي يفهم من اطلاع أي قارئ على أي مكتوب، بل لها في علوم القرآن معنى خاص من إضافة كلمة قراءة أو قراءات للقرآن الكريم، فإضافة " قراءة " أو "قراءات " إلى القرآن تخصص معنى القراءة أو القراءات من ذلك المعنى اللغوي العام، فالمعنى اللغوي العام يطلق ويراد منه قراءة أي مكتوب، سواء كان صحيفة أو كتابًا، أو حتى القرآن نفسه إذا قرأه قارئ من المصحف أو تلاه بلسانه، فقراءة القرآن هنا معنى لغوى عام ، لا ينطبق عليه ما نحن فيه الآن من مصطلح وقد وضع العلماء تعريفًا للقراءات القرآنية يحدد المراد منها تحديدًا دقيقًا. فقالوا في تعريفها:

" اختلاف ألفاظ الوحي في الحروف أو كيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما (البرهان في علوم القرآن (1/318))، وقد عرفها بعض العلماء فقال:" القراءات: هي النطق بألفاظ القرآن كما نطقها النبي صلى الله عليه وسلم .." (القراءات القرآنية تاريخ وتعريف).

ومما تجب ملاحظته أن القراءات القرآنية وحى من عند الله عزَّ وجل، فهي إذن قرآنٌ ، ولنضرب لذلك بعض الأمثلة: قوله تعالى: (لقد جاءكم رسول من أنْفُسِكُمْ )، هذه قراءة حفص عن عاصم ، أو القراءة العامة التي كُتب بها المصحف في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه عليها، والشاهد في الآية كلمة "أنفُسِكُم" بضم الفاء وكسر السين، وهى جمع: " نَفْس " بسكون الفاء ، ومعناها: لقد جاءكم رسول ليس غريبًا عليكم تعرفونه كما تعرفون أنفسكم لأنه منكم نسبًا ومولدًا ونشأة ، وبيئة ، ولغة.

وقرأ غير عاصم: " لقد جاءكم رسول من أَنْفَسِكُمْ " بفتح الفاء وكسر السين ، ومعناها: لقد جاءكم رسول من أزكاكم وأطهركم، و" أنْفَس " هنا أفعل تفضيل من النفاسة. فكلمة " أنفسكم " كما ترى قرأت على وجهين من حيث النطق. وهذا هو معنى القراءة والقراءات القرآنية.

مع ملاحظة مهمة ينبغي أن نستحضرها في أذهاننا ونحن نتصدى فيما يأتي للرد على الشبهة التي سيوردها خصوم القرآن من مدخل: تعدد قراءات القرآن أن هذه القراءات لا تشمل كل كلمات القرآن، بل لها كلمات في الآية دون كلمات الآية الأخرى، وقد رأينا في الآية السابقة أن كلمات الآية لم تشملها القراءات ، بل كانت في كلمة واحدة هي " أنفسكم "، وهذا هو شأن القراءات في جميع القرآن، كما ينبغي أن نستحضر دائمًا أن كثيرًا من الآيات خلت من تعدد القراءات خلوًّا تامًّا.

ومثال آخر ، قوله تعالى:" مالك يوم الدين " والشاهد في الآية كلمة " مالك " ، وفيها قراءتان:" مالك " اسم فاعل من " مَلِكَ " وهى قراءة حفص وآخرين. " مَلِك " صفة لاسم فاعل ، وهى قراءة: نافع وآخرين.ومعنى الأولى " مالك " القاضي المتصرف في شئون يوم الدين، وهو يوم القيامة.أما معنى " مَلِك " فهو أعم من معنى " مالك " أي من بيده الأمر والنهى ومقاليد كل شيء. ما ظهر منها وما خفي.وكلا المعنيين لائق بالله تعالى ، وهما مدح لله عز وجل.ولما كانت هذه الكلمة تحتمل القراءتين كتبت في الرسم هكذا "ملك " بحذف الألف بعد حرف الميم ، مع وضع شرطة صغيرة رأسية بين الميم واللام ، ليصلح رسمها للنطق بالقراءتين.

ومثال ثالث هو قوله تعالى: (يوم يُكشف عن ساق )(2).والشاهد في الآية كلمة " يُكشَف " وفيها قراءتان الأولى قراءة جمهور القراء ، وهى " يُكشف " بضم الياء وسكون الكاف ، وفتح الشين. بالبناء للمفعول ، والثانية قراءة ابن عباس " تَكْشِفُ " بفتح التاء وسكون الكاف ، وكسر الشين ، بالبناء للفاعل ، وهو الساعة ، أي يوم تكشف الساعة عن سياق. قرأها بالتاء ، والبناء للمعلوم ، وقرأها الجمهور بالياء والبناء للمجهول.
والعبارة كناية عن الشدة ، كما قال الشاعر:
كشفت لهم ساقها * * * وبدا من الشر البراح (3).

هذه نماذج سقناها من القراءات القرآنية تمهيدًا لذكر الحقائق الآتية:
- إن القراءات القرآنية وحى من عند الله عز وجل.
- إنها لا تدخل كل كلمات القرآن ، بل لها كلمات محصورة وردت فيها ، وقد أحصاها العلماء وبينوا وجوه القراءات فيها.
- إن الكلمة التي تقرأ على وجهين أو أكثر يكون لكل قراءة معنى مقبول يزيد المعنى ويثريه.
- إن القراءات القرآنية لا تؤدى إلى خلل في آيات الكتاب العزيز ، وكلام الله الذي أنزله على خاتم رسله عليهم الصلاة والسلام.

ومع هذا فإن خصوم الإسلام يتخذون من تعدد قراءات بعض كلمات القرآن وسيلة للطعن فيه ، ويرون أن هذه القراءات ما هي إلا تحريفات لحقت بالقرآن بعد العصر النبوي.وكأنهم يريدون أن يقولوا للمسلمين ، إنكم تتهمون الكتاب المقدس بعهديه (التوراة والإنجيل) بالتحريف والتغيير والتبديل ، وكتابكم المقدس (القرآن) حافل بالتحريفات والتغييرات والتبديلات ، التي تسمونها قراءات ؟

ونكتفي بما أثاره واحد منهم قبل الرد على هذه الشبهة التي يطنطنون حولها كثيرًا ، ذلكم الواحد هو المستشرق اليهودي المجرى المسمى: " جولد زيهر " الحقود على الإسلام وكل ما يتصل به من قيم ومبادئ.

أوهام جولد زيهر حول القراءات القرآنية:
المحاولة التي قام بها جولد زيهر هي إخراج القراءات القرآنية من كونها وحيًا من عند الله ، نزل به الروح الأمين إلى كونها تخيلات توهمها علماء المسلمين ، وساعدهم على تجسيد هذا التوهم طبيعة الخط العربي ؛ لأنه كان في الفترة التي ظهرت فيها القراءات غير منقوط ولا مشكول ، وهذا ساعد على نطق الياء ثاء في مثل " تقولون " أو " تفعلون " ! فمنهم من قرأ بالتاء " تقولون " ومنهم من قرأ بالياء " يقولون ".

هذا من حيث النقط وجودًا وعدمًا ، أما من حيث الشكل أي ضبط الحروف بالفتح أو الضم مثلاً ، وأرجع إلى هذا السبب قوله تعالى: (وهو الذي أرسل الرياح بُشرًا..)(4).فقد قرأ عاصم: " بُشرا " بضم الباء وقرأها الكسائى وحمزة: " نَشْرا " بالنون المفتوحة بدلاً من الباء المضمومة عند عاصم.

وقرأ الباقون: " نُشُرا " بالنون المضمومة والشين المضمومة ، بينما كانت الشين في القراءات الأخرى ساكنة (5).وفى هذا يقول جولد زيهر نقلاً عن الترجمة العربية لكتابه الذي ذكر فيه هذا الكلام (6)

" والقسم الأكبر من هذه القراءات يرجع السبب في ظهوره إلى خاصية الخط العربي ، فإن من خصائصه أن الرسم الواحد للكلمة قد يقرأ بأشكال مختلفة تبعًا للنقط فوق الحروف أو تحتها، كما أن عدم وجود الحركات النحوية ، وفقدان الشكل (أي الحركات) في الخط العربي يمكن أن يجعل للكلمة حالات مختلفة من ناحية موقعها من الإعراب. فهذه التكميلات للرسم الكتابي ثم هذه الاختلافات في الحركات والشكل ، كل ذلك كان السبب الأول لظهور حركة القراءات ، فيما أهمل نقطه أو شكله من القرآن ".

إن المتأمل في هذا الكلام ، الذي نقلناه عن جولد زيهر ، يدرك أن الرجل يريد أن يقول في دهاء وخبث. إن هذه القراءات تحريفات معترف بها لدى المسلمين خاصتهم وعامتهم ، وأن النصوص الإلهية المنزلة على رسولهم أصابها بعض الضياع إنه لم يقل صراحة بالتحريف وإنما وضع المبررات لوجود التحريف في القرآن الحكيم.

ثم أخذ بعد ذلك يورد أمثلة من القراءات وينسبها إلى السببين اللذين تقدم ذكرهما ، وهما:
- تجرد المصحف من النقط في أول عهده.
- تجرد كلماته من ضبط الحروف.

فإلى السبب الأول نسب قوله تعالى:
(ونادي أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون)(7).
والشاهد في كلمة " تستكبرون " وهى قراءة الجمهور. وقد قارنها جولد زيهر بقراءة شاذة " تستكثرون " بإبدال الباء ثاء ، يريد أن يقول: إن الكلمة كانت في الأصل " يستكبرون " غير منقوطة الحروف الأول والثالث والخامس فاختُلِف في قراءتها:

فمنهم من قرأ الخامس " باء " والأول تاء فنطق: تستكبرون ، ومنهم من قرأ الخامس " ثاء " فنطق " تستكثرون.هذا هو سبب هاتين القراءتين عنده.

وكذلك قوله تعالى:(وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه..)(8).والشاهد في كلمة " إياه " ضمير نصب منفصل للمفرد الغائب الذكر.ثم قارنها بقراءة شاذة لحماد الراوية هكذا " أباه " بإبدال الياء من " أباه " باء " أباه " أي وعدها إبراهيم عليه السلام أباه ؟ (9).

أما اختلاف القراءات للسبب الثاني ، وهو تجرد كلمات المصحف عن الضبط بالحركات ، فمن أمثلته عنده قوله تعالى:(ومَنْ عِنْدَهُ علم الكتاب )(10).وقارن بين قراءاتها الثلاث: " مَنْ عنْدَهُ " " مِنْ عِنْدِه " "مَنْ عِنْدِهِ " ؟ !

هذا هو منهجه في إخراج القراءات القرآنية من كونها وحيًا من عند الله ، إلى كونها أوهامًا كان سببها نقص الخط العربي الذي كتب به المصحف أولاً عن تحقيق الألفاظ من حيث حروفها ومن حيث كيفية النطق بها. واقتفى أثره كثير من المبشرين والمستشرقين.

الرد على الشبهة:

لقد حظي كتاب الله العزيز بعناية منقطعة النظير، في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد وفاته. ومن الحقائق الراسخة رسوخ الجبال أن طريق تَلَقِّى القرآن كان هو السماع الصوتي.
- سماع صوتي من جبريل لمحمد عليهما السلام.
- وسماع صوتي من الرسول إلى كتبة الوحي أولاً وإلى المسلمين عامة.
- وسماع صوتي من كتبة الوحي إلى الذين سمعوه منهم من عامة المسلمين.
- وسماع صوتي حتى الآن من حفظة القرآن المتقنين إلى من يتعلمونه منهم من أفراد المسلمين.

هذا هو الأصل منذ بدأ القرآن ينزل إلى هذه اللحظة وإلى يوم الدين ، فى تلقى القرآن من مرسِل إلى مستقبل.وليست كتابة القرآن في مصاحف هي الأصل ، ولن تكون. القرآن يجب أن يُسمع بوعي قبل أن يقرأ من المصحف ، ولا يزال متعلم القرآن في أشد الحاجة إلى سماع القرآن من شيوخ حافظين متقنين، وفى القرآن عبارات أو كلمات مستحيل أن يتوصل أحد إلى نطقها الصحيح عن مجرد القراءة في المصحف ، ولو ظل يتعلمها وحده أيامًا وأشهرا.

وبهذا تهوى الأفكار التي أرجع إليها جولد زيهر نشأة القراءات إلى الحضيض ، ولا يكون لها أي وزن في البحث العلمي المقبول ؛ لأن المسلمين من جيل الصحابة ومن تبعهم بإحسان لم يتعلموا القرآن عن طريق الخط العربي من القراءة في المصاحف ، وإنما تعلموه سماعًا واعيًا ملفوظًا كما خرج من فم محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم قيض الله لكتابه شيوخًا أجلاء حفظوه وتلوه غضّا طريّا كما كان صاحب الرسالة يحفظه ويتلوه كما سمعه من جبريل أمين الوحي.

ثانيًا: إن القراءات الصحيحة مسموعة من جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومسموعة من محمد صلى الله عليه وسلم لكتبة الوحي ، ومسموعة من محمد ومن كتبة الوحي لعموم المسلمين في صدر الإسلام الأول ، ثم شيوخ القرآن في تعاقب الأجيال حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

فما أروع هذه القراءات، ورب السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما ، إن قراءات القرآن لهى وجه شديد الإشراق من وجوه إعجاز القرآن ، وإن كره الحاقدون.

وكما سمع المسلمون من فم محمد ، الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم في الآية السابقة: " فتبينوا " و " فتثبتوا " سمعوا منه كذلك ، " يُفَصِّل " و " نُفصِّلُ " في قوله تعالى:(ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون )(12).و " نفصل الآيات "وفاعل الفصل في القراءتين واحد هو الله عز وجل:وقد اختلف التعبير عن الفاعل في القراءتين ، فهو في القراءة الأولى " يفَصِّل " ضمير مستتر عائد على الله عز وجل في قوله:(ما خلق الله ذلك إلا بالحق) أي يفصل هو الآيات. فالفاعل هنا مفرد لعوده على مفرد " الله ".وفى القراءة الثانية عُبِّر عن الفاعل بضمير الجمع للمتكلم "نُفَصِّل" أي نفصل نحن.والله واحد أحد ، ولكن النون في " نفصل " لها معنى في اللغة العربية هو التعظيم إذا كان المراد منها فردًا لا جماعة. ووجه التعظيم بلاغةً تنزيل الفرد منزلة " الجماعة " تعظيمًا لشأنه ، وإجلالاً لقدره.

وفى هاتين القراءتين تكثير للمعنى ، وهو وصف ملازم لكل القراءات.وللبلاغيين إضافة حسنة في قراءة " نفصل " بعد قوله: " ما خلق الله.. " هي الانتقال من الغيبة في " ما خلق الله " إلى المتكلم في " نفصل " للإشعار بعظمة التفصيل وروعته.

وبعد: إن إرجاع القراءات القرآنية لطبيعة الخط العربي الذي كان في أول أمره خاليًا من النقط والشكل ، كما توهم " جولد زيهر " ومن بعده " آثر جيفري " في المقدمة التي كتبها لكتاب المصاحف ، لأبى داود السجستانى ، وتابعهما المستشرق " جان بيرك " ، إن هذه النظرية مجرد وَهْم سانده جهل هؤلاء الأدعياء على الفكر الإسلامي، مبدؤه ومنتهاه الحقد على الإسلام والتطاول على القرآن ، لحاجات في نفوسهم .

وقد قدمنا في إيجاز ما أبطل هذه الأوهام ، وبقى علينا في الرد على هذه الشبهة أن نذكر في إيجاز كذلك جهود علمائنا في تمحيص القراءات ، وكيف وضعوا الضوابط الدقيقة لمعرفة القراءات الصحيحة ، من غيرها مما كان شائعًا وقت جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان " رضي الله عنه ".

تمحيص القراءات:

وضع العلماء الأقدمون ضوابط محكمة للقراءات الصحيحة التي هي وحى من عند الله. وتلك الضوابط هي:

1- صحة السند ، الذي يؤكد سماع القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2- موافقة القراءة لرسم المصحف الشريف ، الذي أجمعت عليه الأمة في خلافة عثمان رضي الله عنه مع ملاحظة أن الصحابة الذين نسخوا القرآن في المصحف من الوثائق النبوية في خلافة عثمان ، نقلوه كما هو مكتوب في الوثائق النبوية بلا تغيير أو تبديل. ورسم المصحف الذي بين أيدينا الآن سنة نبوية ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر تلك الوثيقة ، واحتفظ بها في بيته حتى آخر يوم في حياته الطيبة.

ولذلك أجمع أئمة المذاهب الفقهية على تحريم كتابة المصحف في أي زمن من الأزمان ، على غير الرسم المعروف بالرسم العثماني للمصحف الشريف. ونقل هذا الإجماع عنهم كثير من علماء تاريخ القرآن (13).

3- أن تكون القراءة موافقة لوجه من وجوه تراكيب اللغة العربية ؛ لأن الله أنزل كتابه باللسان العربي المبين.
4- أن يكون معنى القراءة غير خارج عن قيم الإسلام ومقاصده، الأصول والفروع.فإذا تخلف شرط من هذه الشروط فلا تكون القراءة مقبولة ولا يعتد بها.وعملاً بهذه الضوابط تميزت القراءات الصحيحة من القراءات غير الصحيحة، أو ما يسمى بالقراءات الشاذة، أو الباطلة.

ولم يكتف علماؤنا بهذا، بل وضعوا مصنفات عديدة حصروا فيها القراءات الصحيحة، ووجهوها كلها من حيث اللغة، ومن حيث المعنى.كما جمع العلامة ابن جني القراءات الشاذة، حاصرًا لها ، واجتهد أن يقومها تقويمًا أفرغ ما ملك من طاقاته فيها ، وأخرجها في جزأين كبيرين.

أما ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه ، حين أمر بنسخ الوثائق النبوية في المصاحف ، فقد أراد منه هدفين ، ننقل للقارئ الكريم كلامًا طيبًا للمرحوم الدكتور/ محمد عبد الله دراز في بيانهما" وفى رأينا أن نشر المصحف بعناية عثمان كان يستهدف أمرين:أولهما: إضفاء صفة الشرعية على القراءات المختلفة ، التي كانت تدخل في إطار النص المدون يعنى المصحف ولها أصل نبوي مجمع عليه ، وحمايتها فيه منعًا لوقوع أي شجار بين المسلمين بشأنها ، لأن عثمان كان يعتبر التماري (أي الجدال) في القرآن نوعًا من الكفر.

ثانيهما: استبعاد ما لا يتطابق تطابقًا مطلقًا مع النص الأصلي (الوثائق النبوية) وقاية للمسلمين من الوقوع في انشقاق خطير فيما بينهم ، وحماية للنص ذاته من أي تحريف ، نتيجة إدخال بعض العبارات المختلف عليها نوعًا ما ، أو أي شروح يكون الأفراد قد أضافوها إلى مصاحفهم " (14).

هذه هي عناية المسلمين من الرعيل الأول بالقرآن الكريم وتعدد قراءاته ، وحماية كتاب الله من كل دخيل على نصوص الوحي الإلهي.

هذا ، وإذا كان جولد زيهر ، وآثر جيفري المبشر الإنجليزي ، وجان بيرك قد أجهدوا أنفسهم في أن يتخذوا من قراءات القرآن منفذًا للانقضاض عليه ، والتشكيك فيه ، فإن غيرهم من المستشرقين شهدوا للقرآن بالحق ، ونختم ردنا على هذه الشبهة بمستشرق نزيه ، أثنى على القرآن وقال إنه النص الإلهي الوحيد ، الذي سلم من كل تحريف وتبديل ، لا في جمعه ، و في تعدد مصاحفه ، ولا في تعدد قراءاته.

قال المستشرق لوبلوا: [ إن القرآن هو اليوم الكتاب الرباني الوحيد ، الذي ليس فيه أي تغيير يذكر ]. ومن قبله قال مستشرق آخر (د. موير) كلاما طيباً في الثناء على القرآن ، وهو: [ إن المصحف الذي جمعه عثمان ، قد تواتر انتقاله من يد ليد ، حتى وصل إلينا بدون أي تحريف ، ولقد حفظ بعناية شديدة ، بحيث لم يطرأ عليه أي تغيير يذكر ، بل نستطيع أن نقول إنه لم يطرأ عليه أي تغيير على الإطلاق في النسخ التي لا حصر لها ، المتداولة في البلاد الإسلامية الواسعة ، فلم يوجد إلا قرآن واحد لجميع الفرق الإسلامية المتنازعة وهذا الاستعمال الإجماعي لنفس النص المقبول من الجميع حتى اليوم حجة ودليل على صحة النص المُنزل، الموجود معنا والذي يرجع إلى عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي مات مقتولا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.