انقسم المثقفون والأثريون حول أسباب خروج مصر من لجنة التراث العالمي باليونسكو فى الانتخابات التى أجراها مركز التراث العالمى بمنظمة التربية والعلوم والثقافة، ففي حين يرى البعض أن هذا الإقصاء جاء متعمداً نظراً لدعم مصر حصول فلسطين على مقعد دائم في المنظمة، ومنع إسرائيل من تسجيل آثار فلسطين وضمها إلى التراث اليهودي، أرجع البعض أسباب الخروج إلى تراجع دور مصر الثقافي في المنطقة. دكتور مختار الكسباني علّق قائلاً: الخبر كان مفاجئاً لنا، واليونسكو تخسر حين تخرج مصر من عضويتها خاصة أن مصر تتميز بخبرة ومعرفة كبيرة في مجال التراث. وخروج مصر من اللجنة الدولية للتراث جاء نتيجة تكاتف بعض القوى العربية ضدها مثل الجزائر وقطر، نظراً لتميز الدور المصري الذي دعم حصول فلسطين على عضوية دائمة باليونسكو، كذلك تصدت مصر ومنعت إسرائيل من تسجيل قبر "رحيل" ومسجد بلال على قائمة التراث العالمي باعتبارهما آثار يهودية، فالسياسة هنا تاخذ مجراها. وأشار الكسباني إلى موقف بعض الدول العربية الرافضة لثورة مصر، وخاصة وأن الحكومة المصرية تنشغل بأمور أخرى بعيدة عن الثقافة أو التربيطات اللازمة في انتخابات اليونسكو.
وحول تأثير ذلك على دعم التراث في مصر من قبل اليونسكو، أوضح الكسباني أن تمويل المشروعات المستقبلية سيتأثر بالتاكيد، لكن من حيث الخبرات فمصر لديها خبرة في حماية التراث العالمي وليس المصري فقط، مشيراً إلى أن الخسارة الحقيقية هو إقصائنا عن مواقع التأثير الدولي.
من جانبه أشار دكتور محمد الكحلاوي إلى خسارة مصر بخروجها من لجنة التراث العالمي باليونسكو، نظراً لفقدها موقعاً بارزاً، موضحاً أن مصر تدفع ثمن وقوفها بجانب فلسطين ودعم وجودها كعضو دائم في اليونسكو، مؤكداً أن الخسارة للعرب جميعاً وليس لمصر وحدها، لأن مصر منعت إسرائيل من العبث بالتراث الفلسطيني، فوجود مصر في هذا الموقع كان مفيداً لها وللعرب.
دكتور عبد المنعم تليمة اعتبر خروج مصر نتيجة طبيعية لسياساتنا الثقافية المهترئة منذ إنشاء وزارة الثقافة المصرية، فالخراب في مصر شامل ومن ثم انعكس ذلك على تراجع دور مصر الثقافي في محيطها العربي والعالمي.
وأضاف : ازدادت سرقات الآثار بمصر، وشهدنا تورط مسئولون في بيع الآثار وتهريبها وسرقتها وإهدائها للضيوف، فرغم أننا ورثة لأكبر تراث أثري في العالم، إلا أننا أهملناه وفرّطنا في حمايته، ومن ثم رأى العالم أننا غير حريصون على آثارنا فكيف نحمي آثار غيرنا.
ويتوقع الناقد الكبير أن مصر ستخسر كثيراً بفقدانها هذا الموقع لأن اليونسكو دعمت كثير من مشروعاتنا الأثرية من خلال إمدادنا بالخبراء والمنح والقروض، وهو ما سيتوقف، كذلك سيتأثر البحث العلمي في مصر والسياحة التي تعتمد في كثير منها على الآثار المصرية.
الكاتب أحمد الخميسي يرى أن خروج مصر لن يعطل العلاقة الفعلية بين مصر واليونسكو، فمصر تتمتع بثقل حضاري، نظراً لأنها تضم ثلث آثار العالم، مشيراً إلى أن خروج مصر ودخول قطر له معنى مؤسف ينبئ عن تراجع الدور المصري الثقافي في المنطقة.
يواصل: يتم مؤخراً "تلميع" قطر حيث تكون أغلب المبادرات السياسية العربية والمؤتمرات الهامة تعقد بها، ولن تتأثر مصر بالخروج لكن ما حدث يعد إشارة واضحة لتراجع ثقل مصر المستمر منذ أعوام بعيدة.
يذكر أن مصر خرجت لأول مرة فى تاريخها من عضوية لجنة التراث العالمي، وهى اللجنة المسئولة عن إدارة منظمة العلوم والتراث والثقافة بهيئة الأممالمتحدة والمعروفة باسم منظمة اليونسكو.
وجاء خروج مصر إثر الانتخابات التى أجرتها المنظمة الدولية فى السابع من نوفمبر الجاري، وتم انتخاب كل من الجزائر وقطر بإدارة اللجنة إثر نشاط ملحوظ لسفير البلدين بالمنظمة.
وتضم عضوية اللجنة العليا للتراث باليونيسكو 21 دولة فقط، بينما تضم عضوية المنظمة 189 دولة، وتشرف اللجنة العليا على جميع الأعمال الفنية التى تخص المواقع الأثرية ، ومواقع التراث الطبيعى والثقافى على مستوى العالم. كما تختص اللجنة بإقرار تمويل المشروعات فى المواقع الأثرية، وإمداد الدول بالمساعدات الفنية والخبراء، وكذلك تسجيل المواقع الأثرية الجديدة على قائمة التراث العالمى ومتابعة مدى رعاية كل دولة لتراثها الثقافى والطبيعى تبعًا لدستور المنظمة، كما تقوم اللجنة بالترشيح المبدئى لاختيار رئيس منظمة اليونيسكو.
وكانت مصر منذ تأسيس المنظمة تستثنى من الانتخابات نظرًا لحجم التراث الأثرى والطبيعي الذى تمتلكه والذي يصل إلى ثلثى آثار العالم ومسجل بها سبعة محميات تراثية.
ولا يعنى الخروج من عضوية لجنة إدارة المنظمة إسقاط عضوية مصر من المنظمة، ولكن يؤثر ذلك على تيسير مصالح حيوية وهامة مثل عرض وتسجيل مناطق تراث وآثار جديدة كمحميات تراثية عالمية، والحصول على تمويل للمشروعات التراثية والأثرية الهامة؛ وإمداد مصر بخبراء ومساعدة أقوى للدول العربية، خاصة فلسطين، التي تتعرض آثارها لعملية تهويد واسعة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وعلى رأسها المسجد الأقصى، خاصة مع التحدى الأمريكي بوقف تمويل المنظمة ردًّا على قبول العضوية الكاملة لفلسطين بالمنظمة.