سورة الكهف من السور التي لها فضل خاص ، فقد سنّ النبي صلى الله عليه وسلم تلاوتها يوم الجمعة وبشّر بثواب ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين ) كما أن من حفظ عشر آيات من أولها فقد وعد بالعصمة من فتنة المسيح الدجال ، فعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال وفي رواية من آخر سورة الكهف ) وقد تضمنت سورة الكهف اربع قصص ، تشير للفتن التي يتعرض لها الانسان في حياته وعلى مراحل عمره المختلفة ، ورسمت منهجا للعصمة من تلك الفتن ، ووضعت دروسا للمؤمنين يتلقونها كل جمعة للوقاية منها . اما الفتنة الاولى التي عرضتها السورة فهي فتنة الدين في قصة الفتية الذين هربوا بدينهم من الملك الظالم الذي توعدهم إن لم يرجعوا الى عبادة الاوثان ، فاعتزلوا قومهم فرارا بدينهم ،وآووا إلى الكهف فلبثوا فيه ثلاثمئة سنة وازدادوا تسعا ، ثم بعثهم الله بعد ذلك ليرى الناس قدرة الله وآياته فيهم بإحياءه لهم بعد أن ثبتّهم على الايمان به وتوحيده ، قال تعالى :" أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا " (الكهف 10-12 لقد أوضحت الايات سبل النجاة من الفتنة في الدين بسبيلين اثنين ، اما الاول ففي قوله تعالى "وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا " انه إعتزال ابواب الفتنة –عباد الله- وعدم ارتياد مواطنها فالمرء لايأمن على نفسه في موطن الفتن، ولهذا حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من ارتياد مواطن الفتن والشبهات ، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الحلال بيِّن، وإن الحرام بيِّن، وبينهما أمورٌ مشتبهاتٌ لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه" (رواه الشيخان( اما السبيل الاخر للعصمة من الفتنة في الدين فهو اختيار الصحبة الصالحة التي تحفظ دين المرء تعلّمه اذا جهل ،وتذكّره اذا نسي ،وتعظه اذا غفل ، قال تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (الكهف 28 ) وهذه دروس بليغة للشباب أن يحفظوا دينهم بإعتزال الفتنة وبالصحبة الصالحة، لاسيما وهم على أبواب العطلة الصيفية التي يكثر فيها الفراغ واللهو والخلطة. اما الفتنة الثانية التي تناولتها سورة الكهف ، فهي فتنة المال في قصة صاحب الجنتين الذي آتاه الله جنتين من الاعناب محاطتين بنخل ويمر خلالهما نهرا، كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا ، فافتتن الرجل بهذا المال ،وكفر بأنعم الله ، وتكبّر بماله وقبيلته على صاحبه المؤمن الذي كان يذّكّره بالله ويرشده الى ماينبغي عليه من عبادة ربه وشكره على نعمه وفضله، لكنه جحد وأنكر البعث فأهلك الله تعالى جنتيه وماله " وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحد" نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الفتن والزلل ، ويحفظنا من آفات القول والعمل ، اقول ماتسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم أما العصمة من فتنة المال فقد أرشدت اليها الايات ، بنصح صاحبه المؤمن عندما قال له :" ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا " ( الكهف 39) فعلى المرء متى مارزق مالا أن يقّر بفضل الله عليه ، وأنه هو الرازق الواهب ، الذي بحوله وقوته يرزق الخلق ، وأن يردد ماأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم لمن رزق مالا أن يقول ،فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو مال أو ولد فيقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله فيرى فيه آفة دون الموت " (رواه ابو يعلى مرفوعا) . اما السبيل الاخر للعصمة من فتنة المال والدنيا ، فهو في معرفة حقيقة الدنيا وانها متاع زائل وأن ماعند الله خير وأبقى، كما قال تعالى بعد ختام قصة صاحب الجنتين :"وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا " (الآية 45 -46) ، قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : ( أخوف ما أخاف عليكم اِتباع الهوى وطول الأمل , فأما اِتباع الهوى فإنه يصدُّ عن الحق , وأما طول الأمل فإنه ينسي الآخرة . وكان يقول : ارتحلت الدنيا مدبرة ، وارتحلت الآخرة مقبلة ، ولكل واحدة منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عملٌ ولا حساب ، وغداً حسابٌ ولا عمل.46 ) الخريطة الذهنية الخريطة الذهنية هي وسيلة تعبيرية ورسم توضحي لأفكار عامة، تعتمد على الذاكرة البصرية ويمكن استخدمها لتلخيص موضوعات سور القرآن الكريم وأجزائه. واستخدامات الخرائط الذهنية في فهم وحفظ سور القرآن الكريم يظهر أكثر ما يظهر مع سورة الكهف التي أخبر الرسول الكريم أنها تعصم من فتنة الدجال، حيث يظهر فن الخرائط الذهنية مدى العلاقة القوية بين سورة الكهف التي تدور قصصها حول فتن الدين والسلطة والمال والعلم، وبين فتن الدجال التي هي بعينها فتن في الدين والسلطة والمال والعلم! الخريطة الذهنية لموضوعات سورة الكهف وعلاقتها بالعصمة من فتنة الدحال المراجع : كتاب سورة الكهف نص وترجمة وتفسير، لعمران ن. حسين، مسجد جامعة مدينة سان فرناندو، ترينيداد وتوباغو. سورة الكهف ، خطبة منشورة ليحيى العقيلي. موقع صيد الفوائد.