" الأدباتى " بطبلته الدربكة و زيه المرقع بالقماش الملون ، و طرطوره الذى يحمل فى طرفه كرة من القماش يحركها مع رأسه يمينا و يسارا ، صابغا وجهه باللون الأبيض و خطوط من الأحمر و الأصفر ، كان السبب فى رسم الضحكة على وجوه الكثيرين . فن " الأدباتية " من الفنون الشعبية المنسية ، و يعد الأدباتي رائدا من رواد الأدب الساخر و فن المونولوج و لما يعرف الآن بالشعر الفكاهى " الحلمنتيشى " ، هذا الفن الشعبى الغائب اشتهر فى دلتا مصر ، و كان يقوم به مغنيين محترفين عادة ما ينتموا لجماعة الغجر ، و كان فنهم الارتجالى يعتمد على غناء شعر المدح و الهجاء بأسلوب ساخر مرتجل يعمد به إلى إضحاك الناس . و قد عرفت أوروبا فنا مشابها لفن الأدباتية فى تراثنا ، أطلق عليهم " طائفة الشعراء الهزليين" وكانت مؤلفاتهم عبارة عن مقطوعات شعرية ساخرة تتناول كل مناحي الحياة الانسانية . " الحمد لرب مقتدرى ..خلق الأوراقا علي الشجري " هى الافتتاحية الشهيرة للأدباتية ، و مازلوا فى الريف يرددون أبيات الأدبياتة دون أن يعرفوا أصلها المنسى ، و من تلك الأبيات " أنا الأديب الأدباتي .. غلب حماري مع مراتي .. قرعه وعاملالي زواتي .. ونفسها تلبس حبرة " و " أنا الأديب المتصيت .... اتجمع بقي ولا تعيط .. إلهي عقلك يتخيط .. وعليا كمان لضم الإبرة ". و قد سجل عبد الله النديم بمجلة " الأستاذ " العديد من مناظراته الشعرية مع الأدباتية ، و أشعارهم . كان الأدباتى قديما يسير فى الطرقات بطبلته و يلقى شعره الفكاهى الارتجالى ، كما كان يرتاد المنتديات الاجتماعية و الحفلات و المناسبات السارة ليغنى أشعاره ،و يحمل الأدباتى معه طبلا من نوع " الدربكة " يعلقه فى كتفه و يوقع عليه أثناء الغناء ، و يلجأ فى أغانيه لألحان خاصة تميز بها الأدباتية فى دلتا مصر، و كانت تلك الألحان بسيطة الوزن سريعة الحركة . والأدباتية فريق يكون عدده ثلاثة أفراد أو أكثر يتوسطهم شيخ الأدباتية وهو ضخم الجثة في الغالب الأعم وهو من يتولي الإنشاد ثم تتبعه البطانة التي تقوم بالترديد من خلفه لما يقول أو تردد مردات فقط بشكل متكرر . و كان أصحاب المقاهى يتفقون مع الأدباتية للأداء يوميا فى المقهى نظير أجر وتناول المشروبات ووجبة العشاء وذلك لجذب الزبائن ، وكان انتشار صيتهم يجعل الزبائن يغيرون المقهى من يوم لآخر ، و يتبعون هؤلاء الأدباتية و يستمتعون بفنهم الساخر. و كانت العادات المتحجرة ميدانا خصبا للأدباتية أعملوا فيه فنهم الثرى ، كمشاكسات الحماة مع زوج الابنة ، ومعارك الضرائر ، والزوج المغفل الذي يظن نفسه المستبد في بيته و كل أفراد الأسرة يتلاعبون به و يفعلون ما يريدون من وراء ظهره ، و الزوجة الغيورة ، و الزوجة التى تعشق تقليد الأخريات ، هم يقصدون من وراء ذلك طرح القصص الظريفة والمسلية التي يضحك عليها من يستمع إليها من جمهورهم . و لجأ البعض لاستئجار الأدباتية للسخرية من خصومهم ، و كانوا يلقون شعرهم بشكل ارتجالى ، مما يدل علي موهبة فطرية عميقة وأصيلة . و كانت هناك طائفة من الأدباتية تسمي طائفة "المواوية" تقف أمام أبواب أهل القرية بابا" بابا" تمدح رب البيت بإسمه حتي تري المنح والهدايا والعطايا فإذا ما كان عطاء رب البيت جزلا" زاد المديح والثناء أما إذا كان العطاء ضئيلا" انقلب المديح إلي هجاء لاذع وساخر ومحتويا "علي الألفاظ التي استخدمها أهل البيت في الرد عليهم ، ولذا فقد كان الناس خاصة علية القوم يتجنبون هجاءهم بجزل العطايا والمنح لهم . كما اشتهر الأدباتية بقلب الشعر الجاد إلي شعر ساخر مضحك فكانوا يعارضون معني القصائد الجادة ويوافقون وزنها . قد لا يعرف الكثيرون فن الأدباتية المنسى ، و لكنهم يتذكرون و يرددون أغنية الشيخ إمام " أنا الأديب الأدباتى " : أنا الأديب الأدباتي غايظني حال بلدياتي و غلبت أوحوح وأهاتي لكن بلدنا سمعها تقيل الله الله يا بدوي هات الشخاليل *** شرم برم والناس غفله و الغفلة على الأفهام قفلة والكدب لعلع في الحفله وأغلب السامر مساطيل الله الله يا بدوي دق الشخاليل *** حالتنا ما تسرش إنسان وحالنا يصعب ع الغلبان لكن يا خلق علينا لسان لو جرينا ع الصلب يسيل الله الله يا بلدي يام الشماليل *** السوس نخب سقف العشه وعضمة الغنمات هشه عايزين صابونه ومقشه وهات يا كنس وهات يا غسيل الله الله يا بلدي مشورانا طويل *** أدي العبارة يا متولي وادي الصراحة اللي تمللي توجع وتتعب وتخلي عرق الغضب زلومة فيل الله الله يا بدوي لم الشخاليل