»الأدباتية« كانوا مشهورين في شتي أقاليم مصر، يعرفهم جميع الناس في القري، وفي المدن، وفي كل المجالس والمحافل العامة، وليس هناك من لا يحفظ شيئاً من مقطوعاتهم السائرة، وقفشاتهم الساخرة، ولكن لم يُعْن أحد - مع الأسف - بتدوين مقطوعاتهم، ومضاحكهم ، وهم - فيما يبدو - كانوا ثمرة من ثمرات تلك الطبيعة الضاحكة الساخرة، التي فُطر عليها شعب مصر ، والبراعة الذهنية التي اشتهر بها أبناء هذا الشعب في تلقف النادرة، والتفنن في إيرادها علي مختلف الوجوه (هكذا يقول محمد فهمي عبداللطيف في كتابه »ألوان من الفن الشعبي«)، وهم طائفة من الفنانين الشحاذين يستجدون الناس في الطرقات وفي المحافل العامة ،بأنواع من الشعر الفكاهي، والزجل الساخر، وأغلب ما ينشدونه مرتجل في المعاني التي يوحي بها مقتضي الحال، مثل قول أحدهم : أنا ا لأ د يب المتصيّت ها تد مّع بقي ولاّ تعيّط إ لهي عقْلك يتْخَيّط وعلي كما ن لَضْم الإ برة وأول من أطلق عليهم هذا الاسم هو أحمد تيمور باشا ، ولكن عبد الله النديم كان يسميهم »الأدبية«.. وكان فنهم من الفنون التي اشتهر بها المصريون في مجال النكتة والإضحاك، ذلك الفن الذي يعمدون فيه إلي قلب الأشياء، وصرف اللفظ عن معناه الأصلي.. ومن هذا اللون »المقلوب« ذلك الشعر الساخر الضاحك الذي شاع في البيئة المصرية ، وكانوا يعمدون به إلي معارضة القصائد المشهورة في الأدب العربي ، كقول الشيخ عامر الأبنوطي: أناجرُ الضأنِ تْرياقٌ من العِلَلِ وأصْحُنُ الرّ ز فيها منتهي أملي وهو بذلك يعارض لامية »الطغرائي« المشهورة التي مطلعها : أصالة الرأي صا نتْني عن الخطلِ وحِلية الفضل زانتْني لدَي العَطلِ وكقول المرحوم حسين شفيق المصري يعارض أبا نواس في قصيدته المشهورة التي مطلعها : دعْ عنك لوْ مي فإ نّ اللومَ إغراءُ ود ا وني بالتي كا نت هي الداءُ فأخذ هذا المطلع، ومضي به إلي وجهة أخري ساخرة ضاحكة قائلا : من كف صرّاف بنْكٍ لا يجودُ بها إلا لمن باسْمه في البنك إمْضاءُ من اللواتي عليها رسمُ مئذنةٍ بها تعودُ إلي ا لعيّا ن عفْياءُ وعلي هذا الغرار نشأ فن »الأدباتية«، ونشأت في مصر تلك الطائفة التي احترفت إضحاك الناس والترفيه عنهم بهذا اللون من الكلام الموزون المنظوم، وهم في هذا المجال يتناولون بعض العادات والتقاليد بالنقد الساخر.. فالأدباتي يؤدي الدور الذي يؤديه رسام »الكاريكاتير« يتركه فن الأدباتية في نفوس الجماعات الشعبية، فنظم في هذا النهج كل من عبدالله النديم ، ويعقوب صنوع، وبيرم التونسي، وحسين شفيق المصري، وزاد الاهتمام بهذا الفن الذي أحبه الناس فكان في مجلة »المطرقة« باب ثابت لفن الأدباتية ..