"مريمة عبدي" شابة صومالية لم تكتف فقط بالتخلي عن فكرة الهجرة السرية، بل وانضمت كذلك للحملة التي أطلقتها جمعية جيل الأمل (محلية)، تحت عنوان "لا للهجرة غير الشرعية"، بمشاركة عدد من الشباب الصوماليين، بهدف توعية أقرانهم بمخاطر هذا النوع من الهجرة، وتبعاتها المالية والنفسية. وتروي مريمة لمراسل وكالة "الأناضول" :"خضت تجربة الهجرة غير الشرعية مرتين، لكن لسوء الحظ، أخفقت في كليهما، وخسرت مبالغ هائلة أنفقتها في المحاولتين للوصول إلى السعودية، ولكني اليوم أصبحت واحدة من أعضاء فريق التوعية ضد الهجرة غير الشرعية، حيث أسرد للشباب الصومالي في اللقاءات التي تنظمها الحملة، قصصا ووقائع أليمة، شاهدتها خلال الهجرة، لعلها تنقذ مئات الشباب الراغبين في هذه المخاطرة". وتستمر الحملة، التي انطلقت الشهر الماضي، ولا تزال مستمرة حتى اليوم، بدون سقف زمني محدد، في نقل التجارب، ورفع وعي المجتمع الصومالي بمخاطر الهجرة غير الشرعية، مستعينة بعلماء الدين ومهاجرين سابقين إلى جانب الشعراء. وعن مخاطر الهجرة غير الشرعية تحكي الشابة العشرينية "يصبح المرء عرضة للموت عندما تخطر فكرة الهجرة في باله، لأنها تتم بين خيارين أحلاهما مر؛ إما أن تموت غرقا، أو أن تصل إلى ما تظنه بر الأمان، ثم تكتشف أن هذا البر ليس بالضرورة أن تجد عليه حلمك، فتبقى غريبا ومهاجرا، في بلد لم تعرف عنه سوى اسمه". وبحسب تقديرات غير رسمية فإن الشباب يشكلون 95% من الصوماليين الذين يقضون غرقاً خلال رحلة الهجرة غير الشرعية. عبدالقادر محمد عبدالقادر (17 عاما)، طالب صومالي، كان ينوي خوض تجربة الهجرة بعد إتمام المرحلة الثانوية لإعالة والده المسن، لكن بعد أن أدرك خلال الحملة التوعوية، خطورة هذه الرحلة الشاقة، قرر أن يواصل تعليمه الجامعي. يقول عبد القادر لمراسل الأناضول "قبل عامين كانت فكرة الهجرة تراودني أنا وزميلي، فشاءت الأقدار أن يخوص زميلي التجربة ويصل أوروبا، وهو الأن المعيل الوحيد لأسرته، عندها تحمست أكثر لخوض التجربة بنفسي، لكن بسبب ضيق الحال وقلة المال لم أتمكن من اتخاذ هذه الخطوة". "قررت أن أجتهد في ادخار ما يلزم من مال، حتى أبدأ رحلتي لأرض الأحلام (في إشارة للهجرة إلى أوروبا)"، يستطرد الفتى الصومالي، مضيفاً "كانت أمنيتي أن أبلغ أرض الأحلام، لأحظى بالعيش الكريم، لكن الأن أعرف مدى خطورة الطريق الذي يربطنا بتلك الأحلام، وعن الضحايا الذين تقدفهم أمواج المحيط يوميا، ورسائلهم الحزينة المكتوبة بمداد البؤس". ويختتم عبدالقادر "ينتابني اليوم الخوف والألم لمستقبل هؤلاء الذين يغادرون بلادهم ويدفعون حياتهم بحثا عن المجهول". وتتعدد وسائل التوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية، حيث تنظم جمعية "جيل الأمل"، ندوات وورش عمل، بحضور خبراء ومسؤولين، بحسب محمد معلم آدم(37 عاما) رئيس مكتب التوعية بالجمعية، ومسؤول حملة "لا للهجرة غير الشرعية". يوضح آدم "إن مشكلة الهجرة تفاقمت في بلادنا بشكل خطير، وأسفرت عن هجرة الكثير من العقول والمؤهلين إلى الخارج، ما يؤدي لانهيار البلد اقتصاديا واجتماعيا". ويلفت في تصريحات للأناضول "ثلث الشباب الذين خاضو تجربة الهجرة السرية من أجل حياة أفضل، لقوا حتفهم في عرض البحر، خلال سعيهم لمستقبل مجهول، ضحوا لأجله بحياتهم، فضلاً عن أموال باهظة جمعوها بعناء من أجل رحلة الموت"، مردفاً "لذا أطلقنا هذه الحملة، ليس للتوعية وفقط، وإنما أيضاً حتى لا يفقد شبابنا الأمل في بلدهم وأنها تهتم لشأنهم". وتستعرض د.فاطمة أبوبكر أستاذ علم الاجتماع في جامعة سيمد الصومالية ما تعتبره أسبابا لانتشار ظاهرة الهجرة السرية قائلة "المشاكل الأمنية والبطالة من أهم الدوافع التي تجبر الشباب على الهجرة غير الشرعية فرارا إلى حياة يظنونها أفضل". وترى أن "القضاء على البطالة أفضل الحلول، وأصعب التحديات في الوقت ذاته"، في إشارة إلى الظروف الاقتصادية المتدهورة في الصومال الذي يعاني منذ سنوات حروبا وصراعات داخلية، وضعت نصف سكانه تحت خط الفقر، بحسب إحصاءات رسمية.