اندلاع اشتباكات عنيفة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال في جباليا شمال قطاع غزة    محاضرة فنية في فندق إقامة الأهلي قبل التوجه لمباراة الترجي    ناقد رياضي: الترجي سيفوز على الأهلي والزمالك سيتوج بالكونفدرالية    أكثر من 142 ألف طالب يؤدون امتحانات الشهادة الإعدادية بالشرقية اليوم    جوري بكر بعد انفصالها: «صبرت كتير واستحملت اللي مفيش جبل يستحمله»    بعد حفل زفافهما.. من هو محمد المغازي زوج ريم سامي؟    الأهلي والترجي| المارد الأحمر يسعى لتقديم مهر الأميرة السمراء في رداس    ذوي الهمم| بطاقة الخدمات المتكاملة.. خدماتها «مش كاملة»!    عادل إمام.. تاريخ من التوترات في علاقته بصاحبة الجلالة    عاجل - آخر تحديث لسعر الذهب اليوم في مصر.. عيار 21 يسجل 3150 جنيها    عاجل.. حدث ليلا.. اقتراب استقالة حكومة الحرب الإسرائيلية وظاهرة تشل أمريكا وتوترات بين الدول    زيلينسكي: أوكرانيا ليس لديها سوى ربع الوسائل الدفاعية الجوية التي تحتاجها    ذروة الموجة الحارة ورياح شديدة، الأرصاد تحذر من طقس اليوم وتقدم 3 نصائح عاجلة    الأرصاد توجه رسالة عاجلة للمواطنين: احذروا التعرض للشمس    نوح ومحمد أكثر أسماء المواليد شيوعا في إنجلترا وويلز    زعيم كوريا الشمالية يشرف على اختبار صاروخ جديد: تعزيز الحرب النووية    ارتفاع سعر الفراخ.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية السبت 18 مايو 2024    لبلبة تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده: الدنيا دمها ثقيل من غيرك    كاسترو يعلق على ضياع الفوز أمام الهلال    عاجل - "تعالى شوف وصل كام".. مفاجأة بشأن سعر الريال السعودي أمام الجنيه اليوم في البنوك    خالد أبو بكر: لو طلع قرار "العدل الدولية" ضد إسرائيل مين هينفذه؟    طبيب حالات حرجة: لا مانع من التبرع بالأعضاء مثل القرنية والكلية وفصوص الكبد    رابط مفعل.. خطوات التقديم لمسابقة ال18 ألف معلم الجديدة وآخر موعد للتسجيل    حلاق الإسماعيلية: كاميرات المراقبة جابت لي حقي    إصابة 3 أشخاص في تصادم دراجة بخارية وعربة كارو بقنا    نصائح طارق يحيى للاعبي الزمالك وجوميز قبل مواجهة نهضة بركان    الأول منذ 8 أعوام.. نهائي مصري في بطولة العالم للإسكواش لمنافسات السيدات    فانتازي يلا كورة.. هل تستمر هدايا ديكلان رايس في الجولة الأخيرة؟    حماية المستهلك يشن حملات مكبرة على الأسواق والمحال التجارية والمخابز السياحية    مفتي الجمهورية: يمكن دفع أموال الزكاة لمشروع حياة كريمة.. وبند الاستحقاق متوفر    تفاصيل قصف إسرائيلي غير عادي على مخيم جنين: شهيد و8 مصابين    مصطفى الفقي يفتح النار على «تكوين»: «العناصر الموجودة ليس عليها إجماع» (فيديو)    لبنان: غارة إسرائيلية تستهدف بلدة الخيام جنوبي البلاد    مذكرة مراجعة كلمات اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي نظام جديد 2024    عمرو أديب عن الزعيم: «مجاش ولا هيجي زي عادل إمام»    بعد عرض الصلح من عصام صاصا.. أزهري يوضح رأي الدين في «الدية» وقيمتها (فيديو)    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    سعر العنب والموز والفاكهة بالأسواق في مطلع الأسبوع السبت 18 مايو 2024    هل مريضة الرفرفة الأذينية تستطيع الزواج؟ حسام موافي يجيب    مؤسس طب الحالات الحرجة: هجرة الأطباء للخارج أمر مقلق (فيديو)    تعرف على موعد اجازة عيد الاضحى المبارك 2024 وكم باقى على اول ايام العيد    نحو دوري أبطال أوروبا؟ فوت ميركاتو: موناكو وجالاتا سراي يستهدفان محمد عبد المنعم    طرق التخفيف من آلام الظهر الشديدة أثناء الحمل    إبراشية إرموبوليس بطنطا تحتفل بعيد القديس جيورجيوس    أستاذ علم الاجتماع تطالب بغلق تطبيقات الألعاب المفتوحة    حظك اليوم برج العقرب السبت 18-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    هاني شاكر يستعد لطرح أغنية "يا ويل حالي"    سعر اليورو اليوم مقابل الجنيه المصري في مختلف البنوك    أكثر من 1300 جنيه تراجعا في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 18 مايو 2024    دار الإفتاء توضح حكم الرقية بالقرأن الكريم    خبير اقتصادي: إعادة هيكلة الاقتصاد في 2016 لضمان وصول الدعم لمستحقيه    ب الأسماء.. التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي مجلس الدولة بعد إعلان نتيجة الانتخابات    البابا تواضروس يلتقي عددًا من طلبة وخريجي الجامعة الألمانية    «البوابة» تكشف قائمة العلماء الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل مؤخرًا    دراسة: استخدامك للهاتف أثناء القيادة يُشير إلى أنك قد تكون مريضًا نفسيًا (تفاصيل)    حدث بالفن| طلاق جوري بكر وحفل زفاف ريم سامي وفنانة تتعرض للتحرش    فيديو.. المفتي: حب الوطن متأصل عن النبي وأمر ثابت في النفس بالفطرة    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحاج طه حسين
نشر في محيط يوم 16 - 05 - 2015

في رد غيبته.. طه حسين.. وأبدًا ليس دفاعاً عنه، فهو صاحب «علي هامش السيرة».. أمام الحملة الشرسة التي تندلع الآن ضده ومصيبتنا أنها خارجة من مؤسسة الأزهر الشريف، المنوط به الآن تجديد الخطاب الدينى.. فى الهدية المجانية مع العدد الأخير من مجلة «الأزهر» يتقولون قولا إدًا في طه حسين.. يكتبون بحروف الطباعة بينما صنع طه مجده العالمى والأدبى والإسلامى دونما يمسك بأصابعه قلماً، أو يخط بمداده آلاف الصفحات المنقوشة علي حجر الذاكرة المستنيرة.. قالوا عن زوجته السيدة الكريمة التي أنارت طريق الأعمى، إنها عندما ذهبت تستشير عمها القس حول مسألة زواجها من طه الطالب الضرير شجعها بمفهوم خبيث، يعنى أنه السبيل لزرع عميل مستتر ينفذ أهدافهم الصليبية في مصر، قلب العالم العربي والإسلامى.. وتُظهر هدية الأزهر المجانية طه صاحب مقولة: «العلم كالماء والهواء» بمظهر الخائف المرتعش الخانع أمام زوجته، حتي إنه في إحدى زياراته للمغرب همس لمرافقه بأنه سيصلي ولكن ياريت يكون هذا الموضوع سرًا لا يخبر به زوجته.. ومن افتراءات الهدية التي تدس السم في العسل، والتي ليس لها دليل واحد حكاية تَنَصُر الابن مؤنس طه حسين في المهجر.. وهكذا تدك الصروح بغطاء دينى مجانى، والدين منه براء.
إننى عندما قرأت واستزدت وصليت عليك وعلي آلك وأصحابك أجمعين يا رسول الله توقفت طويلا عند كتابى طه حسين «علي هامش السيرة» و«الوعد الحق» لأسأل نفسى عما إذا كان صاحب الأيام قد زار قبر الرسول صلي الله عليه وسلم علي أرض الحقيقة ولم يكن فقط مسافرا إليه عبر الخيال؟ وجدت الإجابة بالإيجاب. حقا لقد ذهب عميد الأدب العربي إلي جدة عام 1955 في مهمة ثقافية تتعلق بالجامعة العربية، لكنه لم يكتف بالإقامة في جدة، بل قصد إلي مكة والمدينة، حج، وزار وقبَّل الحجر الأسود.. ووقف في المسجد الحرام يناجى ربه.. وذهب كامل الشناوي إليه غداة وصوله إلي القاهرة ليسأله:
كيف كان شعورك وأنت في هذه الأماكن المقدسة؟
- فقال: لقد سألونى هناك مثل هذا السؤال.. وقلت لهم: ما بالكم تقتحمون أنفسكم بين المرء وربه؟
ويعتذر الشناوى بقوله: إننى بهذا السؤال لا أقحم نفسي بينك وبين ربك، ولا بينك وبين قلبك، ولكن أحاول أن أفحم معلوماتى عن المفكر، الحر، الثائر، طه حسين.. لقد عرفتك لا تبالى بما يقول الناس عنك، وما أكثر ما قالوا، بل ما أكثر ما صنعوا، لقد اتهموك بالكفر، ووصل الأمر إلي النيابة العامة وخرجت من الاتهام بريئا نقيا، وذلك عندما ألفت كتابا عن «الشعر الجاهلى».. لقد عرفتُ الشائعات.. فمن حقي إذن أن أعرف الحقائق!
وأطرق الدكتور طه حسين، ومسح جبينه بيده، كأنه يحاول أن ينفض عن رأسه غبار بعض الذكريات.. وقال:
- لقد سبق أن عشت بفكرى وقلبي في هذه الأماكن المقدسة، زهاء عشرين عاما.. منذ بدأت أكتب «علي هامش السيرة» حتى الآن.. ولما زرت مكة والمدينة، أحسست أننى أعيش بفكرى وقلبي، وجسدي جميعا، عشت بعقلي الباطن، وعقلي الواعى، استعدت كل ذكرياتى القديمة، ومنها ما هو من صميم التاريخ، ومنها ما هو من صميم العقيدة، وكانت الذكريات تختلط بواقعى، فتبدو حقائق حينا، ورموزًا حينا، وكان الشعور بها يغمرنى، ويملأ جوانب نفسي.
ويسأل كامل الشناوى: هل أخرجك هذا الشعور عن المألوف؟
- يبتسم طه حسين ويقول: علي أية حال لم أصل إلى درجة الانجذاب، كنت دائما في كامل وعيى، أخذتنى الرهبة والخشية والخشوع كل مأخذ عندما كنت وحدي.
إذن فقد زرت الأماكن المقدسة مرتين؟
- لا.. بل زرتها مرة واحدة، وكنت في هذه المرة الواحدة مع الناس ومع نفسي في وقت واحد!
كلام يحتاج إلي إيضاح!
- لقد جرت العادة عندما يصل المرء إلى الكعبة، أو المسجد الحرام، أن تتسلمه طائفة من الناس يُسمون في مكة ب«المطوفين» أى الذين يرشدون الحجاج أو المعتمرين إلي كيفية الطواف بالكعبة، ومثلهم في المدينة الذين يشرحون السبيل الصحيحة لزيارة المسجد النبوي وقبر الرسول، وقد حاولت جهدى أن أتخلص منهم ولكن محاولاتى ذهبت هباء، ووجدتنى في الوقت نفسه وحدى، وإن كنت في صحبتهم، كنت شخصين: شخصية واعية بلا كلام.. وشخصية بها وعى ومتكلمة.. كانت الشخصية المتكلمة بلا وعي تردد ما تسمعه، وكانت الشخصية الواعية بلا كلام تناجي ربها في صدق وصمت وخشوع.. وجاء سؤال الشناوى: وبماذا ناجيت ربك في صمت وخشوع؟! قال طه حسين: قلت له سبحانه «اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض، ولك الحمد، أنت رب السماوات والأرض، ومن فيهن.. أنت الحق، ووعدك الحق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، والساعة حق.. اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت.. فاغفر ليّ ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت.. أنت إلهى، لا إله إلا أنت».
ومتى حفظت هذا الدعاء؟
- أحفظه من زمن بعيد، وهو أصح ما روى من الحديث، وفي مجال الأحاديث الصحيحة عن الرسول الكريم، فإننى أحتاط قبل الأخذ بأى منها وذاك بأن أعرض الحديث علي القرآن، فإن كان لا يناقض القرآن في قليل ولا كثير ولا يناقض المألوف من سيرة النبي وعمله أخذت به، وذاك ما كان يفعله الصالحون من أصحاب الرسول، فقد قيل لعائشة رضي الله عنها إن بعض أصحاب النبي يروى عنه أنه قال: إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، فأنكرت هذا الحديث وقالت: اقرأوا قول الله عز وجل: «ولا تزر وازرة وزر أخرى».. وقيل لها: إن بعض أصحاب النبي يزعمون أن النبي رأى ربه، فأنكرت هذا أشد الإنكار، وقالت لمحدثها: اقرأ قول الله عز وجل «لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير».
نعود إلي دعائك أمام الكعبة.. هل سبق أن ناجيت ربك بهذا الدعاء قبل اليوم؟
- دائماً أناجى ربي بهذا الدعاء، وبغير هذا الدعاء.
هل خاطبت به ربك علنا؟
- أنا إذا ما خاطبت ربى ناجيته، وقد سبق أن أذعت هذا الدعاء.
متى؟
- عام 1951.
أين؟
- فى فلورنسا.
باللغة العربية؟
- أذعت الدعاء باللغة الفرنسية، في مؤتمر الحضارة المسيحية، ولم أكد أنتهى من إلقاء هذا الدعاء حتى دوّت قاعة المؤتمر بتصفيق شديد.. وجاءتنى سيدة مسيحية وطلبت نسخة من الدعاء فأعطيتها نسخة.. وقالت لي وهى تبكي: خذ دموعى وإعجابي وبلغهما للإسلام الذى أحبه كثيرا، فقلت لها: لا داعى للدموع.. إعجابك يكفى.
ولأن سوزان طه حسين كانت إلي جانبه دوما عدت إلي ما كتبته عن ذكرياتها إلي جواره في مؤتمر فلورنسا فأجدها تقول فى كتابها «معك»: «لقد استمر المؤتمر علي مدى أربع سنوات متتالية بدءآ من عام 1952 وقد نظمه جيورجيو لابيرا عمدة فلورنسا تحت شعار «الحضارة المسيحية والسلام» كانت اللقاءات جميلة، وكان الناس يأتون إليها من أطراف العالم أجمع، وكان يشارك فيها مسيحيون ومسلمون ويهود، ولم يكن لذلك أية علاقة بالسياسة.. وعلي مدي أربع سنوات تألق في المؤتمر طه حسين في رسالته مبشرا بالوحدة والرضا والعدالة والسلام من أجل جميع شعوب البحر المتوسط، ومن أجل الأسرة الإنسانية كلها.. لقد أثار إعجاب الأجانب أن يتحدث مسلم بهذا الأسلوب الذى قال فيه: «إن واجبنا يتجلي في عقد روابط الأخوة بين العالم الإسلامي الذي أمثله وبين كل الناس، ذلك أنه لا وجود في نظر الله لشرق أو لغرب، ولا لجنوب أو شمال وإنما للناس جميعا وعندما يمنح الله العدالة للناس، فإنه لا يمنحها للمسلمين فقط أو المسيحيين فقط، وإنما لجميع الناس، إننى أطالبكم بمحاسبة أنفسكم»)..
وتحكى سوزان عن ذهاب الزوج إلي جدة بالسعودية فتقول: «كانت فرحة عميقة بالنسبة له أن يزور الجزيرة العربية، يزور أماكن عرفها فكره وقلبه وأحبها حبا قويا، وقد وصف لي الاستقبال الحماسى الذي استقبل به، فما أن نزل من المركب، حتى استقبلته الهتافات، تمتزج بها هتافات العمال المصريين الذين كانوا علي ظهر المركب، جاءت وفود كثيرة لحضور ذلك المؤتمر الذى نظمته الجامعة العربية.. كما قِدم شعراء من مكة بقصد إلقاء قصائد نظموها من أجله.. وانهالت عليه تحيات الطلاب والمارة والأساتذة الذين جاءوا يريدون رؤيته والإصغاء إليه.. وتوصل برغم كل شيء للذهاب إلي مكة، وإلي المدينة المنورة، وما كان يعوّضه شىء لو لم يتمكن من رؤية المدينة المنورة وزيارة قبر الرسول وأعرف كم كان منفعلا عندما كان يقول لى: حقا إن الإسلام دين الصفاء والتسامح».
وإذا ما كان كامل الشناوى يستطيع أن يجعل طه حسين يردد جهرا علي ما قاله سرا في زيارته لقبر الرسول فذاك لأنه كان من المقربين إليه. عن تلك العلاقة تقول سوزان: «كان كامل يختار لمجيئه دوما ساعات الصباح، معه يبدأ بطرح المشكلات المعاصرة وقضايا الفكر والأدب، وكانا يتحدثان غالبا عن أشياء وعن أناس لا أعرفهم، كان يجاملني دائما بعبارات فيها الكثير من اللطف، لكن طه كان يوبخه مازحا ويستشهد له أمامه في صرامة بأية من سورة المنافقون «إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله، والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون».. كان كامل الشكاك الساخر يحب طه حبا مطلقا.. وكما كتبت سوزان عن كامل الشناوي صديقا لطه، لم تنس زهورا حمراء كان يرسلها له يوسف السباعى الذى لم يقصر مرة واحدة في إرسالها في كل مناسبة، وكانت الباقة التي أرسلها إليه بمناسبة عودته من الحج بيضاء وليست حمراء.. وتذكر سوزان آن آخر زهور تلقاها طه كانت من يوسف السباعي مع خطاب بدأ فيه كلماته بعبارة «أبى» وقالت سوزان «هذه الكلمة وهذا النداء سأبقى ارتعش كلما ذكرته»..
وأعود من ذكريات طه حسين وزيارته لقبر النبى لأغرق بين صفحات كتابه «علي هامش السيرة» الذى يتبتل فيه تعبدا ويحب فيه محمدا ليس كأحد من البشر، وكيف وقد اصطفته السماء من بين المخلوقين جميعا، ليبشر علي الأرض بدين الإسلام.. لقد كان طه حسين بصيرا ببصيرته، وحق قول الشاعر نزار قبانى فيه عندما قال له: «اخلع نظارتيك.. فما أنت بأعمى»..
اسكتى يا بِتْ
ساعات الله لا يعيدها ولا يكررها رغم عشقى وولهى وتدلهى وتقديسى لمهنة الصحافة التي هجرتُ مطبخي وبيتى وزوجى وابنى وأصحابى وفسحتي وواجباتى العائلية من أجل عينيها، مستسلمة لسحرها غارقة فى غيّها واقعة في دباديبها آكلة حروفها شاربة حبرها متدثرة بورقها فاردة قلوع سطورها مبحرة في صفحاتها متصيّدة أخبارها سابحة في خضم عناوينها ومقالاتها ونكاتها وأركانها وصورها.. وأنا من ضيَّع على سلالم بلاطها عمره.. وأنا من ضيّع في مفرمتها صحته.. وأنا من ضيّع بين عسلها وعلقهما أعصابه.. لكنى ساعات أتمنى طريقا آخر ومهنة مخالفة ومصيرا مغايرا لا فيه قلم ولا ورق ولا حبر ولا مطبعة ولا بروفة أولي ولا أخيرة ولا مصدر ولامرجع ولا حوار ولا اختصار ولا تفريغ للشريط، وذلك عندما تصدمنى صحافة تتطاول علي من لا ذنب له.. تصعقنى إذا ما وضعت بريئا في قفص الاتهام.. تهزمنى حين تلوث مغرضة أو مهملة شرف إنسان.. تكدرنى عندما يدعى صاحب قلم أنه يعرف وهو لا يعرف فيتسبب في ذبح صاحب قضية نقيّة على مقصلة الادعاء المزيف.. ويفاجأ مسئول بخبر كاذب يقول إنه اجتمع بمجلسه لبحث كم المخالفات التي لديه في وزارته أو ناديه أو إدارته، وأن المجتمعين قد خرجوا وعلى سيماهم الغضب، أو أن هناك بوادر استقالات بالجملة علي الطريق إلخ.. وإذا ما كانت الموضة الآن تعريض الوزراء لقذائف السطور المفخخة فإن أهل الفن الغلابة كانوا ومازالوا المرتع الخصب للاختلاق والادعاء والتشهير إلي حد الملطشة ونشر أحاديث ال«س» و«ج» معهم الذى يتذاكى فيها كاذب لم يقابلهم أصلا لحد أن يضم الحوار جملا من عينة «وسددنا إليه سؤالا مفاجئا قام بزلزلته فانبرى نحونا متحفزا وقد تداعت في المواجهة الكاشفة جميع أسلحة دفاعه».. ويا عينى على من يقع في يد من لا يرحم - وإن رحم فبأساليب ملتوية لا داعى لذكرها وإن كانت رائحتها مش حلوة وابقي قابلني يا من تريد إثبات العكس رغم وجود نص قانونى يقول بوجوب الرد علي الهجوم والكذب والتأويل والتهويل والسب والقذف في نفس المكان بالصحيفة وبنفس المساحة.. لكن.. ابقي لاقينى أيضا يا من قيل في حقه البهتان رغم كسبك للقضية وحيثيات حكمك المادية والمعنوية فقد تمت يا ولدى إصابتك بالرصاصة الطائشة التي كانت في جيب المعتدي والعيار اللى ما يصيبش يدوش، ومنين تعرف أن من قرأ خبر إدانتك في الأسبوع أو الشهر أو العام السابق قد وقعت عينه علي خبر براءتك في ذيل صفحة لا تُقرأ من أصله وإن كان من بروتوكولات الصحافة الواجب تنفيذها الآن نشر خبر البراءة في الصفحات الأولى و..موت.. يا.. «لا مؤاخذة» أو تتنقط وتطب ساكت أو تقع تتشل ويعوز قلبك خياطة أو تتعمى عِياط وما تلقى حد يسحبك.
وإذا ما كان أهل الفن علي أرض مصر معرَّضين من صحافة مصر لطنطنة أخبار متضخمة ربما بإيحاء منهم أى الفنانين لزوم الترويج لفيلم أو مسلسل فمن حقهم علينا حمايتهم بلوائح وقوانين ومعاهدات وبروتوكولات من الإصابات المفخخة القاتلة في صحف تصدر في بلاد شقيقة تلطخ سمعتهم وتهين أقدارهم وتلوث ماضيهم وتخلخل بيوتهم وتصيب بالكمد أبناءهم وتعرى أسرارهم وأسرهم رغم كونهم أبطال الفن والترفيه والغناء في الوطن العربى كله، ولولاهم لغدت الحياة قاحلة، والدنيا بلا أُنس والأيام بلا موسيقى والباب لا يقف عليه القمر.. وأين منهم الآن بعد الانتهاك المباح على جميع الساحات بالمقارنة بسطوة أم كلثوم وعبدالوهاب وحليم زمان علي الصحافة المصرية والعربية حين لم يكن يخرج خبر عنهم إلا بمرسوم ولا حديث إلا بعد تفحيص وغربلة واستشارات مكثفة من لجنة المستشارين المنعقدة بلا استراحة في غداء عمل وعشاء دسم فقد ذاق كل منهم في مطلع حياته من دسائس الأخبار وكوابيس الأحاديث وأكاذيب التصريحات التى تبددت غيومها مع الصعود الآسر والتربع الكاسر فوق القمة بعد أن تغيرت الألقاب من الآنسة إلى الست، ومن البلبل الحيران إلى الأستاذ والدكتور، ومن عبدالحليم شبانة بن قرية الحلوات إلي حليم، لتغدو الكتابة عنهم باستئذان من خلال قنوات شرعية شرّعوها باختياراتهم من موقع المتمكن.
وكمثال لما كان في مطلع حياة الآنسة ثومة من التطاول صحفيا وقضائيا قصة زواجها الوهمى من المدعو عبدالستار محمد الهلالى الدشناوى التى عثرت على تفاصيل جديدة حولها منها أن الإعلان الذى وصل أم كلثوم فى 14 مارس 1936 فى الساعة التاسعة والدقيقة خمسة وثلاثين أفرنكى صباحا يقول: «بناء علي طلب الشيخ عبدالستار محمد الهلالي من ذوى الأملاك بمديرية قنا ومقيم بدشنا. انتقلت أنا أحمد إسماعيل محضر محكمة عابدين الأهلية في تاريخه إلي الزمالك محل إقامة أم كلثوم مخاطبا خادمها حسين محمد شحاتة بأن المعلن إليها زوجة الطالب المذكور بصحيح العقد الشرعى وخارجة عن طاعته.. وقد هيأ لها مسكنا شرعيا كائنا ببندر دشنا مهيئا بالشبابيك والأبواب والأدوات الصحية وبه خادم وخادمة وكائن بين جيران صالحين مسلمين تأمن فيه علي نفسها ومالها وهو أمين عليها وقد وافاها عاجل صداقها ودعاها للدخول فيه فامتنعت بغير حق شرعى.. لذلك يدعى عليها بما ذكر ويطلب الحكم عليها بدخولها المنزل المذكور الجديد وأمرها بالانقياد له في أمر الزوجية.. وسبق أن رُفعت هذه الدعوى من الطالب بالطاعة وشُطبت ولهذا يجوز له تجديدها وأن هذا المستجد الآن هو بالبندر وأحسن من السابق وأوفق لها شرعيا».
وتم تأجيل القضية مما جعل الدشناوى يصرح بأن سبب التأجيل هو أن جميع حضرات المحامين في دشنا قد أضربوا عن الحضور معه فى القضية، وفي الموعد الثانى للجلسة الثانية لم يحضر عنه أحد من المحامين أيضا كما أنه هو شخصيا «العريس» لم يحضر، هذا غير ما حدث في الجلسة الأولي عندما وقف الدشناوى وكان ضخم الجسم طويلا عريضا يؤكد زواجه المزعوم لترد عليه أم كلثوم مذعورة في القاعة قائلة: أنا يا عم؟ فيصيح فيها: اسكتى يا بت.. وكان من بين مرافعة الأستاذ فكرى أباظة عن ثومة قوله متسائلا في سخرية عن أسباب سكوت المدعى علي حقه عن الزوجية التي يدعيها من عام 1927 إلى 1935 إلي أن شيّدت المدعية فيللا بالزمالك وكانت بجوارها ساقية لأحد الأهالي تحدث ضجيجا فشكت ذلك إلي مصلحة الأملاك، وظهر بعد ذلك أن صاحب الساقية هو عمدة بلدة قنا التي منها المتهم.. وكان العريس قبل نظر الدعوى قد سُئل عن وثائق الزواج والأسباب التى يستند عليها في ادعاء الزوجية من الآنسة أم كلثوم وأسباب معرفته بها فقال إنها زوجة بصحيح العقد الشرعي، وأنه صرف عليها حوالي 500 جنيه، وأن له أربع عزب من الأطيان مقدارها 800 فدان، ويمتلك سراى بحلمية الزيتون ثمنها 5 آلاف جنيه، إلي جانب منازل وأملاك أخرى تدل علي الوجاهة والعز الهائل، ولكن المحكمة عندما عرض عليها أمر هذا الزواج ظهر لها أن حضرته من أرباب السوابق.. وبعد صدور الحكم بشطب القضية ذهبت الصحافة تسأل الآنسة رأيها فقالت: «بس إياك ما يكونشي مستخبي لي زوج ثانى في أسوان أو دمنهور أو باب الشعرية، وإلا سأضطر إلي نشر إعلان كإعلانات فقد الأختام بأنه إذا ظهر زوج ثان في أى تاريخ أو أى بلد يكون مزيفا (ولا يعمل به)!!».
وماذا كان تأثير هذه القضية عليك؟
- ضايقنى اهتمام بعض الصحف والأقلام بالتشنيع والاختلاق والأكاذيب واهتمام الناس بمثل تلك السخافات وتصديق بعضهم لها وإقلاقى بشتي الاستفهامات كما ضايقنى إغفال القوانين وأصحاب الصحف عقاب أمثال هؤلاء المتهجمين علي شرف الناس وكرامتهم مثل الدشناوى وأصحاب الأقلام الكاذبة فمما يغيظ حقا أن يعمد أى سافل إلي رفع عشرين دعوى شرعية في عشرين محكمة مختصة أو غير مختصة وعليها أن توكل عشرين محاميا فإذا ما شطبت دعواه في كل محكمة لم يكن هناك سبيل لمجازاته وكأنه لم يأت أمرا مضرا بسمعة سيدة ومركزها بل يجد هناك أقلاما تكمل مسيرة كذبه المهين.
وتماشيًا مع حق المواطن في الرد في المكان نفسه والمساحة نفسها أرسل الدشناوى احتجاجه علي مجلة «الصباح» التي كتبت أنه مشهور برفع القضايا الكيدية وغيرها فقامت المجلة بتلخيص احتجاجه بقولها في مساحة متواضعة: «جاءنا من مدعي الزوجية نفي جميع الإشاعات والأقوال التي نشرت عنه وقال إنه ما كان يتصور أن الرغبة في إرضاء الآنسة أم كلثوم تجعله يذهب إلي المحكمة فيجد المحامين الذين اتفق معهم علي الدفاع دافعوا لمصلحة أم كلثوم لا لمصلحته هو!! وأرسل إلينا كشفاً يتضمن بيانا بأملاكه وأطيانه، ومما تقدم يتضح للزوج المفضال حضرة الوجيه (عبدالستار الهلالى من كبار الأعيان بمديرية قنا) أننا أشرنا إلي كل ما يتضمنه خطابه ولعله لا يتهمنا بعد ذلك بالامتناع عن النشر إرضاءً لصداقة (جهة معينة) كما يدعى».
وهكذا كان دفاع الصحافة المغرضة عن الزوج الوهمى رغم عدم تقديمه دليلا واحدا علي افترائه، مما فتح الباب لعشرات المدعين بأن يحذو حذوه، فلا مادة في القانون أدانته، ولا الصحافة وقفت إلي جوار المجنى عليها.. وثبت من أيامها للآن أن المتغطى بالصحافة عريان!!
نقلا عن " الاهرام" المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.