كانت معجزة الإسراء والمعراج خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم تسلية له بعد فقده لزوجه خديجة وعمه أبي طالب وهما أهم أركان دعوته المنافحين عنه والمقوين لأزره والكافين أذى الناس عنه فلما انقطعت تلك الأسباب المتينة والتي قد يتوهم الكفار أن النبي صلى الله عليه وسلم بفقدها قد أصبح وحيدًا في مواجهتهم ولن يذب عنه أحد فاستضافه المولى تعالى في هذه الرحلة المباركة ليسري عنه وليعلمه أنه في معية الله وتحت عينه ومحل عنايته وليُعلم الكفار والمشركين أن الله لا يسلم نبيه لشانئيه ومعاديه وأنه مهما انقطعت الأسباب فإن الله تعالى حافظه وراعيه وعاصمه وحاميه، وليُعلم نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ليس بدعًا من الرسل وأنه على درب إخوانه من الأنبياء يسير فيشد ذلك من أزره ويقوي من عزيمته. كما أنها كانت بعد رحلة الطائف الأليمة؛ فكانت مواساة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومكافأة ربانية، بعد الحصار الظالم الذي استمر ثلاث سنوات في شعب أبي طالب، ليُذهب عن صدره الآلام والأحزان، وقد أرخ الزهري ذلك قبل خروجه إلى المدينة بسنة، فقال قال الله سبحانه وتعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في رحلته؛ ما أذهب عن صدره الآلام والأحزان والروع والخوف، وليربط على قلبه وليثبت فؤاده، وليكون من المؤمنين بأن الله معه ولن يتخلى عنه، وأن الله ناصره. فالهدف الأساس من تلك الرحلة هو النبي صلى الله عليه وسلم ولذا لم يكن هناك ثمة فائدة لوجود شهود من أهل الأرض لتلك الرحلة لأنه لو صحبه أحد من الناس ليشهدها لانتفى كونها معجزة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم ولشاركه غيره فيها، فلما امتنع أن يصل غيره صلى الله عليه وسلم إلى تلك المقامات العلية استحال أن يكون هناك شهود عيان لتلك المعجزة. ومن أهم حكم تلك المعجزة امتحان صدق المؤمنين وتمحيصهم، فيعلم راسخ الإيمان ممن في إيمانه وهن، واختبار الكافرين حتى يزدادوا في عنادهم بعد جلاء الحق أمامهم بوصف النبي لهم جوانب المسجد وما حوله بل وإخباره لهم بقافلة ستقدم عليهم بها كذا وكذا فلم يبق لهم عذر في تصديقه صلى الله عله وسلم بما أخبر به؛ فالإسراء والمعراج معجزة كبرى لنبينا صلى الله عليه وسلم ولها جملة من الفوائد والحكم العظيمة وهي ليست محالة على القدرة الإلهية فلا يترتب على التصديق بها محال عقلي فيجب الإيمان بصدق وقوعها. ولقد كانت صلاة الأنبياء خلف النبي صلى الله عليه وسلم إيذانًا بعموم رسالته وخلود إمامته وإنسانية تعاليمه وصلاحيتها على المكان والزمان، وأفادت هذه الصورة تعيين شخصية النبي صلى الله عليه وسلم ووصف إقامته وقيادته وتحديد مكانة الأمة التي بعث فيها وآمنت به وبيان رسالتها ودورها الذي ستمثله في العالم من بين شعوب الأمم. ومن حكمها أنه أصبح الإيمان بها جزءًا من عقيدة المسلم، لأنها إحدى المعجزات التي أيد الله بها نبيه، والإيمان بالمعجزة جزء من العقيدة الإسلامية، وهو امتحان لإيمان المؤمنين وارتياب المنافقين، حيث ارتد وقتها من ارتد لضعف خالج إيمانه، وصدق من صدق مثل أبي بكر الصديق ففاز ونجا. كما أن من دلائل وحكم رحلة الإسراء والمعراج أنه كان بداية لتغيير القيادة من الرسل عليهم السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لذا فقد قال فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق- رحمه الله-: لعل ما توحي به مسيرة الإسراء والمعراج أن الله- سبحانه وتعالى- قد أذن بتغيير القيادة المتمثلة في الرسل بعد أن ظلت الرسالات من الله تعالى تتتابع في بني إسرائيل الذين عبثوا بالمبادئ وباعوها بثمنٍ بخس وحرفوا الدين وشوهوا معالمه. فقال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)، وحكم الله- عز وجل- عليهم بالذلة وباءوا بغضبٍ من الله لما ارتكبوا من آثام، (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)، ومن ثم فقد انتهكت المبادئ السامية التي جاء بها أولئك الرسل وشوهت معالمها فلم تعد صالحة لقيادة العالم، كما أن حاملي هذه المبادئ فقدوا الصلاحية بعد إذ عاثوا في الأرض فساداً وقتلوا الأنبياء، وكان لا بد من انتزاع القيادة منهم وإسنادها إلى قومٍ آخرين أقوم وأقدر على حمل هذه الأمانة، فإمامة الرسول صلى الله عليه وسلم للأنبياء والمرسلين في بيت المقدس ليلة الإسراء إعلام للناس كافة بالتحول وانتقال الرسالة من فرع إسحاق إلى فرع إسماعيل أبي العرب وجد النبي صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ). والمسلم يحتفل بالإسراء والمعراج فيتدبر فيها معجزة تثبت حول الله وقوته وتثبت علو مقام نبينا الشريف عند ربه وانفراده في ظاهرة لن تتكرر، وإثبات أن هذه الأكوان إنما تسير بأمر الله. نقلا عن " الاهرام" المصرية