سراييفو : فيما اعتبر تطورا إيجابيا من شأنه أن يبعد القوميين المتشددين عن المشهد السياسي في تلك الدولة ، كشفت نتائج أولية للانتخابات العامة التي أجريت الاحد في جمهورية البوسنة والهرسك المكونة من اتحاد كونفيدرالي من المسلمين والكروات إضافة إلى كيان صرب البوسنة عن تقدم المسلم حارس سيلادجيتش والصربي نيبويسا رادمانوفيتش المعتدلين والقومي الكرواتي إيفو ميرو يوفيتش في الانتخابات لاختيار أعضاء مجلس الرئاسة الجماعية للبوسنة. وحصل سيلادجيتش على 38.13% من الأصوات ورادمانوفيتش على 56.25% ، بينما تقدم يوفيتش الذي حصل على 11.83 % من الأصوات على المرشح الكرواتي المعتدل زيليكو كومسيتش بفارق ضئيل. وأعلنت اللجنة الانتخابية المركزية تلك النتائج بعد فرز حوالي 50% من الأصوات. وينتخب أعضاء الرئاسة الجماعية لولاية رئاسية تستمر أربع سنوات ، وتنتقل رئاسة هذه الهيئة بالتناوب بين أعضائها الثلاثة كل ثمانية أشهر . وكان 2.7 مليون بوسني أدلوا صباح الاحد بأصواتهم في خامس اقتراع تجريه جمهورية البوسنة منذ تكوينها على أساس عرقي ومذهبي بموجب اتفاق دايتون الذي أنهى الحرب الأهلية في البلاد قبل 11 عاما. وبجانب اختيار مجلس الرئاسة الجماعية ، فإن الناخبين اختاروا أيضا أعضاء مجلس برلمان الدولة الذي يضم مجلسين وذلك عبر الاقتراع النسبي ، كما تم إجراء اقتراع منفصل في مجلسين إقليميين هما جمهورية سربسكا التي يديرها الصرب واتحاد المسلمين الكروات. وهذه هي ثاني انتخابات عامة تنظمها السلطات المحلية دون تدخل من المجتمع الدولي وحتى عام 2002 كانت منظمة الأمن والتعاون الأوروبي تنظم الانتخابات في البوسنة والهرسك بعد الحرب التي شهدتها البلاد في الفترة عامي 1992 و1995. وتقدم للانتخابات 36 حزبا سياسيا وثماني كتل ائتلافية و12 مرشحا مستقلا ، ويعد حزب الحركة الديمقراطية أبرز الأحزاب المشاركة في الانتخابات لكونه الممثل الأكبر لمسلمي البوسنة وقد أسسه الرئيس الراحل عزت بيجوفيتش وتخلص الحزب من بعض صقوره مؤخرا. ويأمل المجتمع الدولي أن تجلب تلك الانتخابات قيادة جديدة لهذه البلاد التي انهكتها الحرب تعمل على التغلب على الانقسامات العرقية المهيمنة فيه وتكون قادرة على الدفع قدما بعمليات الاصلاح السياسي وتقوية مؤسسات الدولة المركزية التي تمثل شروطا أساسية لدخول البوسنة الى الاتحاد الاوروبي. وتتفق الأحزاب المتنافسة رغم اختلافاتها العرقية على أهمية الانضمام للاتحاد الاوروبي ، بينما تهدد الأحزاب الصربية بصفة مستمرة بالدعوة لاستفتاء للانفصال عن البوسنة التي تخضع إدارتها لإشراف دولي منذ استقلالها عن الاتحاد اليوغسلافي عام 1992. وعشية الانتخابات لاختيار أعضاء مجلس الرئاسة وأعضاء البرلمان الفيدرالي وأعضاء البرلمانات المحلية ، شهدت الساحة السياسية في البوسنة انقساما حادا بين المسلمين والصرب والكروات. وعلى الرغم من مرور حوالي 15 عاما على الحرب التي اندلعت بين مكونات البلاد العرقية، الا أن الأحزاب السياسية البوسنية الرئيسية مازالت تحث الناخبين على التصويت لمرشحيها على اسس عرقية. وقال رئيس وزراء الصرب ميلوراد دوديك الذي نافس على منصب الرئاسة إنه ملتزم بالقتال من أجل جمهورية الصرب ضد النزعة المركزية. فيا بني الزعيم الوطني الكرواتي درجان تشوفيك أيضا حملته الانتخابية على الدعوة لكيان كرواتي منفصل في البوسنة. ومن جانبها ، ذكرت هيئة الاذاعة البريطانية "بي بي سي" أن الحرب التي تواصلت من 1992-1995 تركت البوسنة مقسمة بين كيانين هما الاتحاد الكرواتي المسلم وجمهورية الصرب اللذين أقرتهما معاهدة سلام دايتون عام 1995 وتجمعهما مؤسسات مركزية ضعيفة. وأضاف أن الانتخابات تتم على أكثر من مستوى هي مجلس الرئاسة الثلاثية والبرلمان المركزي والجمعيتان الوطنيتان للكيانيين شبه المستقلين اللذان يشكلان البلاد ، وعلى الناخبين في مثل هذا الوضع الدستوري المعقد انتخاب خمس رئاسات و700 نائب ، حيث أنه على المستوى المركزي ينتخب الاعضاء الثلاثة للرئاسة الجماعية وهم صربي وكرواتي ومسلم بالاقتراع العام ويتناوبون على رئاسة البلاد كل ثمانية اشهر. ويختار الناخبون أيضا بالاقتراع النسبي 42 عضوا في البرلمان المركزي بينهم 14 سيتم انتخابهم في جمهورية صرب البوسنة و28 في الاتحاد الكرواتي المسلم ويختار الناخبون ممثليهم من بين 8149 مرشحا. أما على صعيد تجديد المؤسسات التشريعية في الكيانين المكونين للبلاد يختار 1.9 مليون ناخب 98 نائبا في الاتحاد الكرواتي المسلم الذي يشكل مساحة 51 بالمائة من أراضي البوسنة ، وينتخب نحو 1.2 مليون ناخب رئيس جمهورية صرب البوسنة واعضاء برلمان الكيان البالغ عددهم 83 نائبا في جمهورية صرب البوسنة التي تحتل 49 بالمائة من مساحة البلاد ، وسيصوت هؤلاء ايضا لاختيار مجالس الكانتونات العشرة التي يتألف منها الاتحاد. وأبدى بعض الناخبين قلقهم من امكانية استمرار الشخصيات السياسية ذاتها في السلطة بسبب تركيز الحملات الانتخابية على القضايا الوطنية العامة بدلا من الاصلاح السياسي والاصلاح الاقتصادي. وفي وقت تأثر فيه الاقتصاد البوسني الهش والمعاق أصلا بآثار الفساد والتشاحن السياسي بنتائج الأزمة المالية العالمية ، تشير الاحصاءات الرسمية إلى أن نسبة البطالة كانت في شهر يوليو /تموز 43 % . ويقول المحللون إن قدرة القادة البوسنيين على تحقيق وحدة البلاد والاصلاح السياسي ستحدد مدى اقتراب البلاد من الحصول على عضوية الاتحاد الاوروبي التي تطمح البوسنة بالحصول عليها.