من المعتاد أن ينقطع التيار الكهربائي في إثيوبيا بسبب نقص إمدادات الطاقة، غير أن الزيادة التي طرأت مؤخرا على معدلات انقطاع الكهرباء في العاصمة أديس أبابا جاءت متزامنة مع زيارة مهمة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإثيوبيا. وأثار هذا الإظلام ابتسامات المراقبين، حيث أكدوا على الحاجة الماسة لهذه الدولة الواقعة في منطقة شرق أفريقيا للكهرباء من سد النهضة العظيم الذي تقوم بتشييده حاليا في منطقة تتاخم حدودها مع السودان، وظل هذ السد لفترة طويلة سببا في إثارة التوتر في حوض النيل حيث أن جيران إثيوبيا مثل مصر باتوا يخشون من أن يؤدي السد إلى تقليص إمدادات المياه القادمة إليهم من إثيوبيا. وفي تصريح أدلى به مؤخرا اليمايهو تيجينو وزير المياه والطاقة والري الإثيوبي الذي جاء كتأكيد على استقلالية القرار في بلاده قال إن "إثيوبيا لن تطلب على الإطلاق موافقة أي دولة على خططها الرامية إلى تنفيذ مشروعات تنموية على أراضيها". ولكن مع انتعاش الآمال في التوصل إلى صيغة توافقية حول هذا الملف بعد إعلان المبادئ الثلاثي الذي تم توقيعه الأسبوع الماضي بين مصر والسودان وإثيوبيا، أضاف تيجينو تعهدا بأن إثيوبيا ستواصل العمل في تشييد السد "بطريقة لا تلحق أي ضرر ملموس بأي دولة". ومن المقرر أن يرتفع السد العملاق عاليا فوق المنابع العليا لرافد النيل الأزرق في المنطقة الشمالية الغربية من إثيوبيا، ومن المتوقع افتتاح السد في أواخر عام 2017 وأن بتكلفة 5ر3 مليار دولار. وعندما يتم إقامة وتوصيل محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالقوى المائية وتشغيلها، من المتوقع أن ينتج السد ستة آلاف ميجاوات من الكهرباء، أي ما يعادل إنتاج خمس محطات للطاقة النووية، وهذا يعني من الناحية الاقتصادية أن إثيوبيا التي تسعى لتحقيق النهضة تستطيع تلبية احتياجاتها الحالية من الطاقة، وأن تصبح أيضا إحدى الدول المهمة المصدرة للكهرباء في المنطقة. ومن بين الدول التي يمكن أن تستورد الكهرباء منها كينيا وأوغندا والسودان ومصر، ووقعت إثيوبيا في 23 آذار/مارس الحالي اتفاقية أساسية مع كل من مصر والسودان ،ومن المأمول أن تسفر هذه الاتفاقية عن تسوية خلاف مستمر منذ فترة طويلة حول حقوق استغلال مياه النيل. وكان التوتر قد تصاعد لدرجة أن القاهرة بدت عام 2013 على استعداد لاستخدام القوة العسكرية لتأمين إمداداتها من المياه، وذلك عندما أدى إنشاء السد إلى تحويل مجرى النيل الأزرق لمسافة بضع مئات من الأمتار. وتخشى مصر التي تقع عند نهاية النهر الذي يبلغ طوله 6850 كيلومترا من نقص مورد المياه الرئيسي لها وهذا أمر مفهوم، وكان المصريون قد أقاموا خزانا ضخما من المياه عام 1971 بعد إنشاء السد العالي في أسوان، وفي حالة إقامة إثيوبيا مشروعا مماثلا فإن القاهرة تتوقع تقليص كميات المياه التي تصل إليها. وبينما تردد أنه جال في خاطر الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي تنفيذ عملية لتخريب السد، بدأت حكومة الرئيس السيسي العام الماضي حملة لحشد التأييد الأفريقي الواسع للموقف لمصري في مواجهة إثيوبيا في هذه القضية، وتم تعليق المفاوضات التي كانت تجرى بين دول حوض النيل إلى أن زار وفد مصري موقع سد النهضة لأول مرة في خريف عام 2014، وفي 23 آذار/مارس 2015 حضر السيسي مراسم توقيع اتفاقية التعاون الجديدة مع إثيوبيا. وخلال لقائه رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ميريام ديسالين أعلن الرئيس السيسي أن فترة "الفتور" بين البلدين أصبحت في ذمة التاريخ، وقال إن اتفاقية إعلان المبادئ هي "أساس راسخ" و"علامة فارقة يمكن البناء عليها لتحقيق مستقبل أكثر إشراقا". غير أن هذه التطورات لا تعني بالضرورة نهاية النزاع، حيث أنه لا يزال يتعين تفعيل تفاصيل الاتفاق الثلاثي، ولا يمكن للوجوه الباسمة لكل من السيسي وديسالين والرئيس السوداني عمر البشير بعد مراسم التوقيع أن تخفي حقيقة أن النيل الأزرق سيظل لفترة طويلة قادمة محورا للمناقشات. وينبع النيل الأزرق من بحيرة تانا في هضبة الحبشة، ويسهم بنحو 85 % من إجمالي المياه الواردة لنهر النيل، وذلك بعكس النيل الأبيض الذي ينبع من بحيرة فيكتوريا ويحمل معه كمية أقل بكثير من المياه، ومن هنا يجيء إصرار أديس أبابا على حقها الأساسي فى استغلال مياه النيل الأزرق. وكان تيكولا هاجوس المستشار السابق للحكومة الإثيوبية قد عبر عن الواقع بأفضل ما قيل من عبارات عندما أعلن أن "مسار التاريخ المستقبلي لكل من مصر وإثيوبيا سيكتب بمداد يأتي من مياه النيل الأزرق".