في آخر تصريحات رئيس حكومة ليبيا الشرعية، أثناء زيارته إلى القاهرة، أشار صراحة، إلى كل من تركياوقطر باعتبارهما دولتين تدعمان التطرف والإرهاب في بلاده، وتمدان الجماعات التي تحتل مناطق من ليبيا، وتتخذها قواعد للقيام بهجماتها الإرهابية، وممارسة التوحش والقتل ضد الأبرياء، في ليبيا وخارجها، وهو ما سبق أن ورد في أحاديثه، ولكن بدرجة أقل من الوضوح والصراحة، تاركا مثل هذا الوضوح لأعوان عسكريين وسياسيين يطلقون صرخات النجدة ويطلبون معونة المجتمع الدولي، ويسألونه أن يتدخل لإيقاف هذا المدد الدائم، سلاحا ورجالا ومالا، القادم إلى "دواعش" ليبيا من هاتين الدولتين، واستخدام عدد من الموانئ والمطارات، ومنافذ الحدود الأرضية، لتسهيل تنقل الجماعات الإرهابية التي تزداد اتساعا وتمددا وانتشارا في ليبيا. المشكلة حقا أن هذه التصريحات التي تأتي الآن من رأس السلطة التنفيذية الشرعية في ليبيا، لا تلقى انتباها، ولا تجد من ينصت إليها من الفاعلين في المجتمع الدولي وقواه الكبرى المعنية بمكافحة الإرهاب، فهي صرخات يطلقها في البرية، حيث يرفعها الريح، وتردد أصداءها الشعاب، دون أن تصل إلى آذان البشر الموجهة إليهم، وهم من يقول إعلامهم، كما تقول تصريحاتهم، إنهم يحاربون الإرهاب ويطاردونه ولهم ثأر معه. إلا أن الكيل بمكيالين يبدو هنا في صورة جلية واضحة، فهناك مكيال يتعاملون به مع "الدواعش" في شرق العالم العربي، حيث يخوضون حربهم ضده بالأساطيل التي تحمل الطائرات، والقاذفات التي تنتمي لأحدث طراز، تقصف مواقع المتطرفين وتدك حصونهم، ويؤدون واجبا إنسانيا، ومطلبا دوليا، تشترك المجتمعات البشرية كلها في مباركته، وهو محاربة هذا الإجرام وهذا التوحش، الذي أطل برأسه يعبث بقيم الحضارة الحديثة ويدمر مكتسباتها، ويعيد عجلة التاريخ إلى أكثر مراحله ظلاما وتخلفا. وتعرف الدول الغربية التي تشكل هذا التحالف، كما تعرف الولاياتالمتحدة الأميركية التي تقوده، أن التصدي لهذه الجماعات الإرهابية المتوحشة، إنما هو حماية لشعوبها، لأنها جماعات تمارس إرهابا يكتسح الحدود ويعبر القارات، وسبق له أن وصل إلى دول الغرب، وأوقع الضربات الموجعة بأهلها وبمؤسساتها، فكانت هذه الحرب على الإرهاب، وإن تمت خارج الحدود، دفاعا عن النفس، ودرءا لخطر داهم يهدد كل مواطن في بلدانها. ويبقى السؤال معلقا فوق رؤوسنا جميعا، شرقا وغربا، عربا وعجما، لماذا هذا التقاعس وهذا الإحجام، عن مواجهة التنظيمات الإرهابية في ليبيا، وقد فاض هذا التوحش الذي يمارسه "دواعش" ليبيا على المحيط الإقليمي؟ فالتنظيم قام بعملياته الإجرامية والإرهابية في مصر متسللا من ليبيا، وكذلك قام بها في تونس والجزائر، وأكثر من ذلك فقد صارت ليبيا الملجأ الآمن الذي يهرب إليه "دواعش" هذه البلدان بعد تنفيذ عملياتهم في دول الجوار، بل وصل الأمر إلى أبعد من الدول المتاخمة لليبيا، مثل مالي ونيجيريا، كما يتخذونها قاعدة للانطلاق نحو هذه البلدان ويهددون علنا، بأن هدفهم القادم سيكون الشاطئ الشمالي للبحر الأبيض المتوسط، كما جاء على لسان الناطق باسمهم، أثناء عملية ذبح العمال الأقباط المصريين، في عملية استعراضية يندى لها الجبين، تباهيا بالإجرام وافتخارا بارتكابه. هل نكون مخطئين، إذا قلنا أن هذا التقاعس وهذا الإحجام، هو تواطؤ مع هذا الإرهاب، وهذا الصمت إزاء صرخات النجدة وطلب العون التي يطلقها أهل الحراك السياسي الشرعي في ليبيا هو نوع من التضامن الصامت مع "الدواعش" في ليبيا وصورة من صور الرضا عما يقومون به في ليبيا دون غيرها؟ أم نذهب أكثر من ذلك لنعتبر أن هذا التوحش في هذه المنطقة بالذات، المسماة ليبيا، يلقى الدعم والتشجيع، ويلقى المباركة والاحتضان، وأن ما يقوله الليبيون من أن المدد، الذي يصل إلى هذه الجماعات من كل من قطروتركيا، إنما هو مدد يتم بأوامر الغرب وبالتوافق معهم، وأن الجماعات المتطرفة في ليبيا، التي كانت محصورة في منطقة صغيرة اسمها درنة، واحتلت الآن عاصمة المنطقة الوسطى سرت، وصارت لها موانئ ومطارات ومنطقة نفوذ بمئات الكيلومترات من الشاطئ المطل على أوروبا، لم تحقق هذا التوسع وهذا النمو، إلا بفضل الدعم المادي الذي كان يتدفق عليهم عبر موانئ جوية وبحرية وبواسطة طائرات وسفن مرصودة ومعروفة من قبل أقمار الغرب الصناعية ومراصده المدنية والعسكرية، العائمة والثابتة، إن لم تكن طائرات وسفن، هم أصحابها وهم من وضعها تحت تصرف هؤلاء المتطرفين؟ يبدو غريبا أيضا، أن حظرا على السلاح كان أساسه قرارا ضد جيش النظام السابق الذي يحارب شعبا خرج يطالب بالتغيير، ويدك المدن الليبية على رؤوس سكانها، يستمر اليوم ضد الجيش الذي ينتمي إلى حكومة الثورة، وحراكها الشرعي، ويحارب إرهاب الدواعش والمتطرفين في ليبيا، أفلا يدل الإصرار على استمرار هذا الحظر ومعارضة رفعه، من دول مثل أميركا وبريطانيا، على وجود موقف معارض بالتالي لمحاربة الإرهاب الداعشي في ليبيا، وأنهم يحاربونه في شرق الوطن العربي، ويعملون على دعمه والتمكين له ولأصحابه في هذا الجزء من العالم، وفق أجندة سرية شيطانية لا يستطيع أن يفهم أسرارها ويفك شفرتها إلا عبقري بارع في إبطال التعاويذ السحرية الشريرة التي يجيد حبكها خبراء الظلام من جهابذة المخابرات الغربية. نقلا عن "العرب " اللندنية