في مجموعته القصصية الجديدة "شق الثعبان" الصادرة عن دار صفصافة للنشر والتوزيع يواصل شريف صالح مشروعه القصصي معتمدًا على لعبة التجريب. وعن ذلك قال ل "محيط": مسألة التجريب مهمة جدًا لي ككاتب.. أومن أن القصة القصيرة ليست مجرد حكاية.. هي أيضًا شكل وتقنية معينة.. في مجموعات مثل "مثلث العشق" و"بيضة على الشاطئ" كنتُ مشغولًا بثيمة أساسية أعيد البحث في احتمالاتها.. وفي "شخص صالح للقتل" وهي أيضًا تضم أكثر من ستين نصًا مثل "شق الثعبان" انشغلت بالقوالب التي يمكن الاستفادة منها في رواية قصة.. مثل الخبر الصحفي أو جدار مدرسة.. أو أسطورة.. أي كنت أعيد استنباط القصة من قوالب كثيرة مألوفة لنا.. وهو ما أعدت الاشتغال عليه أيضًا في المجموعة الجديدة لكنني التزمت بألا تزيد القصة عن صفحة واحدة. وتابع صالح: أن تتأرجح النصوص ما بين سطر واحد إلى صفحة، يفرض قيودًا كثيرة عليّ ككاتب.. ويصبح من الصعب تحقق الشروط الجمالية للقصة القصيرة التقليدية.. وبالتالي أصبحت محكوما بجماليات أخرى مستمدة من القصة القصيرة جدا، والومضة الشعرية والسردية، والموتيفات الحلمية، والذكريات، والتصوف، والتقاط تفاصيل غاية في البساطة من الواقع، مع الحرص رغم الكثافة الشديدة على العصب السردي مهما بدا شفيفًا. وردًا على سؤال لماذا اخترت عنوان "شق الثعبان" وهو بالمناسبة اسم أحد الأحياء المهمشة في القاهرة قال: ليس للعنوان علاقة بالحي المعروف في القاهرة.. وعادة عندما اشتغل على ثيمة رئيسية في النصوص اختار عنوانا معبرا عنها من خارج عناوين القصص.. لكن عندما اشتغل على تنوع القوالب والتقنيات.. يصبح من العسير علي اختيار عنوان محدد لأنه لا توجد ثيمة رئيسية.. فأكتفي بعنوان المجموعة لها بعنوان أي نص منها.. يلقي بظلال ما عليها... ف "شق الثعبان" هو عنوان نص لا يزيد عن ثلاثة أسطر. ومن ضمن العناوين الأخرى: معارك قديمة، زوجتي والحية، نزهة على البسكلتة، الزعيم في محطة المترو، ألم الزجاج، الأمالي لأبي علي القالي، طريقي إلى الله، الفعل المخفي، شق الثعبان، هواية تصوير الجثث، مليون نسخة، بذرة أمريكية، ملاكمة الظل، والكرسي الذي لا ينسى. حول الأثر المحفوظي في النصوص قال: أكثر من صديق قرأ المجموعة وألمح إلى تأثر ما بمحفوظ في أعماله القصيرة مثل "أصداء السيرة الذاتية" و"أحلام فترة النقاهة". وهو أمر لا أنفيه ولا أتعمده.. قرأت هذه الأعمال لمحفوظ في وقتها وأعجبت بها بالطبع.. لكنني لا أسعى إلى تقليده.. وربما السبب في ذلك ملمح التصوف والأجواء الحلمية أحيانا.. لكن الحقيقة أن الحلم منبع مهم جدا بالنسبة في كل كتاباتي. وبوجه عام لغتي ليست برصانة لغة محفوظ. ومن أصغر قصص المجموعة "ملح البحر"، نقرأ: "خرجت البنت تلهو مع أمها، ولمست البحر لأول مرة بكفها، ولم تعرف كم هو مالح إلا عندما طفا جسدها على الماء". فنحن هنا أمام شخصيتين: الأم وطفلتها، في لحظة لهو تنقلب إلى مأساة تؤسس للمفارقة السردية ما بين اللهو والموت. وبعض النصوص مثل "معارك قديمة" و"نزهة على البسكلتة" لا تخلو من الطابع الفتنازي السياسي، وتداخل الأزمنة، بينما بعضها الآخر يميل إلى التأمل الذاتي والروحي بلغة ترميزية. وعن الطابع السياسي للنصوص سألنا الكاتب فأجاب: بعض النصوص بالفعل بها بعض الشغب السياسي.. ويحدث هذا في كل مجموعاتي.. فأنا كاتب ملتزم بقناعاتي ولا أخفيها.. لكن في الوقت نفسه لا أزايد بها ولا أتعمدها.. وأومن أن الجمالي والفني أهم وأبقى من الخطابي ومن تسجيل مواقف سياسية.. ومعظم انفعالاتي السياسية هي إنسانية بالدرجة الأولى.. أتعاطف مثلًا مع عشرات الشباب يقضون غرقا في رحلة الهجرة عبر البحر.. إلى درجة أن يُلح علي هذا المشهد ويتجلى في حلم فأسجله في "معارك قديمة".. وهذا ما يحدث معي غالبا. وأخيرًا تبقى الإشارة إلى أن "شق الثعبان" هي خامس مجموعة قصصية لصالح، الذي صدر له من قبل "إصبع يمشي وحده" و"مثلث العشق الحائزة على جائزة ساويرس، و"بيضة على الشاطئ" الحائزة على جائزة دبي الثقافية، وكذلك "شخص صالح للقتل". كما صدر له كتاب "نجيب محفوظ وتحولات الحكاية" عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، ومسرحية "رقصة الديك" الفائز بجائزة الشارقة للإبداع، وكتاب "يوم مثالي لمشاهدة الكانجارو" وهو مختارات من القصة العالمية صدرت عن كتاب العربي في الكويت، وقام صالح بجمعها وتقديمها.