أرجع الناقد د. عبدالمنعم سعد نجاح فيلم "أفواة أرانب" وتحقيقه أعلى إيرادات حققها فيلم مصري لفترات طويلة، لوجود فاتن حمامة في الفيلم، وهذا لأن الجمهور أصبح يشده اسم "فاتن" الفنانة الموهوبة التي تجسد له دائما حكايات الفتاة الفقيرة المطحونة التي تتحدى كل شئ بارادتها القوية، وذكائها الفطري، وشخصيتها الجذابة، فضلا عن أدائها السلس التلقائي، وهي مميزات قلما تتوفر لأي "ممثلة"، وتبقى "فاتن حمامة" وحدها في ساحة السينما شامخة شموخ الأهرام، راسخة رسوخ أبو الهول ، أنها تعكس حضارة الفتاة المصرية بكل طموحها، في تغيير الواقع الذي تعيش فيه، فاستحقت عن جدارة حقيقية – الجائزة الأولى في مهرجان القاهرة – منحتها لجنة أجنبية محايدة. وكانت فاتن حمامة الحصان الرابح في حلبة سباق الأرانب؛ من خلال الأداء السهل المقنع وهي تغوص في شخصية الفتاة الريفية القديرة الشخصية، وإن كان التطور الدرامي لهذه الشخصية لم يكن على نفس مستوى الأداء، فقد وجدناها تنتقل من الشخصية الريفية إلى الشخصية المودرن، وتتناول طعامها بالشوكة والسكين في الملهى الليلي، دون لقطة واحدة يعبر فيها المخرج وكاتب السيناريو على هذا التطور من السلم الاجتماعي. وأضاف الناقد د. عبدالمنعم سعد في كتابه "السينما المصرية في موسم – فاتن حمامة والسينما" أن الفنانات في السينما المصرية كثيرات، لكن أقل القليل من يستمر في رحلته الفنية طوال 37 عاما – وقت اصدار الكتاب - في تطور مستمر ونضج فني يزداد مع سير الرحلة، وفاتن حمامة من هذه القلة إن لم تكن بتواضع وموضوعية في المقدمة، وتزداد لمعانا وبريقا، فهي الفنانة الموهوبة منذ الصغر، تملك من القدرة على التعبير والانفعال أمام الكاميرا وعلى الشاشة، أضعاف ما تملكه الكثيرات في السينما، وتملك من البساطة ما يثير المشاعر، ويجسد الأحاسيس بصدق. وهي تتربع على قمة السينما العربية الآن بعد تمثيل 89 فيلما سينمائيا تركت بعضها علامات في تاريخ السينما المصرية خلال نصف قرن، وهي أيضا علامة مضيئة في هذا التاريخ الطويل، وستظل بكل قدراتها الفنية المتميزة في تحويل ما تقدم به من شخصيات درامية في السينما، إلى شخصيات إنسانية ممتلئة بالحياة، فهي تملك مقدرة كبيرة في استيعاب كل ما يحيط بها. البدايات وحكى د. عبدالمنعم في كتابه عن حديث المخرج محمد كريم له عن ذكرياته مع فاتن حمامة؛ حيث أنه كان من عادته الاحتفاظ بمئات من صور الهواه في ألبومات خاصة، وحينما احتاج لدور طفلة صغيره في فيلمه "يوم سعيد" أخذ يقلب في الصور حتى وجدها، لا تتجاوز سنها ست سنوات، وهي بملابس التمريض الذي كان زي سيدات جمعية الهلال، وكانت "دار الهلال" قد أقامت مسابقة لأجمل طفلة، وفازت بجائزتها الأولى فاتن أحمد حمامة، ورآها "كريم" تصلح لدور "أمينة"، وكتب إلى والدها أحمد أفندي حمامة، وحضر مع فاتن إلى مكتب "أفلام عبدالوهاب"، وأجرى لها تجربة سينمائية سريعة، فوجد أمامه طفلة ممتازة من جميع الوجوه، أشبه بالمعجزة الأمريكية "شيرلي تمبل" التي كانت معاصرة لفاتن حمامة، وشجعه ذلك على تعديل سيناريو الفيلم مع صديقه وزميله "عبدالوارث عسر" وجعل دور "أنيسة" أطول، وحوارها أكثر، وظهرت فاتن في دور "أنيسة" مع الموسيقار محمد عبدالوهاب وإلهام حسين وفؤاد شفيق وفردوس محمد، وعرض الفيلم بدار سينما "رويال" في 15 يناير 1940.. وكانت بداية "فاتن حمامة" في رحلة السينما. ومرت ثلاث سنوات غابت فيها "فتون" كما كان يسميها كريم، عن السينما، واستعان بها للمرة الثانية عام 1943 حينما كان يخرج فيلم عبدالوهاب "رصاصة في القلب"، الذي عرض عام 1944. ثم توالت الأفلام مع حسين صدقي وصباح وبشارة واكيم وماري منيب في فيلم "أول شهر" إخراج عبدالفتاح حسن. ثم مرة ثالثة مع محمد كريم في فيلم "دنيا" وشاركتها في الفيلم راقية إبراهيم، أحمد سالم، سليمان نجيب، دولت أبيض. وبدأت فاتن حمامة مرحلة أخرى في حياتها الفنية عندما كان يوسف وهبي يستعد لإخراج فيلم "ملاك الرحمة" وكان في حاجة إلى فتاة صغيرة، فتذكر الطفلة الشقية "فتون" التي ظهرت في "يوم سعيد" ، وقامت بالدور، وكان هناك شبه صراع داخلي داخل البلاتوه حول تفوق فاتن أمام راقية إبراهيم بطلة الفيلم، وبعد ظهور الفيلم عام 1946 انطلقت فاتن إلى طريق الشهرة في السينما. مراحلها الفنية وقال د. عبدالمنعم في كتابه أن شخصيات فاتن على الشاشة في أغلب أفلامها الأولى وحتى مرحلة النضج الفني من "دعاء الكروان" وحتى "أفواه وأرانب"، تمثل الفتاة المصرية المغلوبة على أمرها، المهضومة الحق، التي تحاول أن تنال حقها، إنها صورة من مشاكل الفتاة المعاصرة بكل آلامها وآمالها في الحياة، وربما هذه الشخصية هي التي جعلت فاتن حمامة أقرب الممثلات إلى قلوب الجماهير حتى اليوم. واعتبر د. عبدالمنعم فيلم "حبيبتي" صورة معبرة عن مرحلة الشخصية الرومانسية في أعمال فاتن حمامة؛ حيث كانت شخصيتها في الفيلم كقصيدة شاعرية تتنفس بالحب، بالرغم من أن موضوع الفيلم مقتبس ومستهلك. كما برزت أيضا الشخصية الرومانسية في أفلامها: "وداعا يا غرامي"، "سلو قلبي"، "خلود"، "لحن الخلود"، "رحم دموعي"، "أيامنا الحلوة"، "حب ودموع"، "حتى نلتقي"، "بين الأطلال". أما مرحلة الميلودراما والبكائيات فقال د. عبدالمنعم أن هذه المرحلة بدأت عند فاتن حمامة مع أفلام المخرج حسن الإمام: "ملائكة جهنم"، "اليتيمتين"، "ظلموني الناس"، "أنا بنت ناس"، "أسرار الناس"، "زمن العجايب"، "كأس العذاب"، "الملاك الظالم". وانحسرت أفلام فاتن في هذه النوعية من الأفلام في نمط الفتاة المسكينة التي تواجه الأقدار، وهي عاجزة تماما، حتى ينتصر الخير في نهاية هذه الأفلام فتنتصر معه، وهي الشخصية السلبية في حياة فاتن الفنية؛ ففي هذه المرحلة كانت لا تدقق في اختيار أدوارها، أو قراءة السيناريو ومناقشته، فقد كانت في مرحلة الانتشار وهي مرحلة هامة وضرورية في حياة أي فنان وعلى كافة المستويات، وعلى الرغم من الميلودراما السيئة، فكانت فاتن الضوء في هذه الأفلام، وهي مرحلة تعبر عن المناخ العام في السينما المصرية. غير أنها في هذه الفترة متقدمة، وخلال هذه المرحلة خرجت من هذا الدور النمطي ومثلت أدوار أخرى متنوعة مثل دور "الشر" في فيلم "لا أنام" لصلاح أبو سيف، ومثلت الشر المقنع التي تلعنه مع الأحداث؛ لأنه جزء من الحياة الشريرة التي نلتقي بها. وفي "الطريق المسدود" لصلاح أبو سيف أدت دور الفتاة التي تناقش حرية المرأة التي تتطلع إلى المساواة بالرجل في الحقوق والواجبات. ومثلت دور كوميديا في فيلم فطين عبدالوهاب "الأستاذة فاطمة. كما أدت أدوار وطنية في أفلام: "الله معنا"، "أرض السلام"، "لا وقت للحب"، "الباب المفتوح". وتصدت فاتن لأدوار المعاناة لتأكيد الشخصية الفنية في أفلام: "ست البيت"، "كل بيت له راجل"، "امبراطورية م"، "أريد حلا". مرحلة النضج واعتبر د. عبدالمنعم أن مرحلة النضج الفني عند فاتن حمامة كانت ابتداء من فيلم "دعاء الكروان" وحتى "أفواه وأرانب"؛ حيث تحولت إلى أدوار "الكاركتير" التي تحتاج إلى أنماط معينة ومعايشة حقيقية ودراسة عميقة للشخصية وانفعالاتها. وحققت هذا النضج الفني من خلال الدقة في اختيار الموضوعات، ومناقشة السيناريو مناقشة عميقة ودقيقة، بعدها تأتي الموافقة على تمثيل الشخصية وكلها مراحل ليست بسهولة اجتيازها، واصبحت فاتن حمامة حالة خاصة بين فنانينا. التمثيل قبل وبعد فاتن حمامة أما الناقد سمير فريد فكتب عنها في كتابه "فاتن حمامة" الذي صدر عن مطابع المجلس الأعلى للثقافة، أن التمثيل قبل فاتن حمامة هو التمثيل المسرحي، وكان التمثيل في الأفلام المصرية يجمع بين وسائل المسرح ووسائل الأفلام الصامتة، وكانت الأفلام الناطقة في انتظار الممثلة التي خلقت لها، وكانت فاتن حمامة، فقبلها كانت الأفلام المصرية الروائية الصامتة والناطقة حوالي مائة فيلم، وكان لهذه الأفلام نجومها من الرجال، مثل يوسف وهبي، ونجيب الريحاني، ومحمد عبدالوهاب، وعلي الكسار، وظهرت في هذه الأفلام العديد من الممثلات مثل أمينة رزق، عزيزة أمير، آسيا، ماري كوين، بهيجة حافظ، وفاطمة رشدي، وجمعت أم كلثوم بين التمثيل والغناء، ولكن أيا منهن لم تكن نجمة سينمائية أي يذهب الجمهور إلى دور العرض ويدفع ثمن التذكرة، ويدخل لكي يشاهدها تمثل. واكتسبت فاتن منذ دورها السينمائي الأول عدم الخوف من الكاميرا، وادركت أنها لابد ان تحتفظ بشجاعتها أمام الكاميرا حتى لو اصطنعت هذه الشجاعة؛ حيث ادركت أن التمثيل مهنة مثل كل المهن، وأن التفوق في هذه المهنة هو القدرة على الايهام بصدق ما هو غير حقيقي، وأن ذلك يتم عن طريق الوقوف على الخيط الرفيع بين الواقع والايهام بالواقع، وهنا تكمن الحرفة أو الصنعة أي المهنية. كما ادى نجاح فاتن حمامة في الأربعينيات إلى تحولها إلى مدرسة للتمثيل السينمائي، والمؤكد أن كل ممثلة مصرية منذ ذلك الحين وحتى الآن ودائما تدين لفاتن حمامة، بل جمهور السينما والنقاد والعاملون في السينما مدينون لها وهي ليست مدينة لأحد؛ لقد امتعتنا بفنها أكثر من نصف قرن، والموضوعية الحقيقية أن ننحني ونقبل يديها جزاء ما قدمت لنا من متعة فنية. وذكر سمير في كتابه أن فاتن كانت لا تحب الحديث عن حياتها الشخصية، وترفض الخوض في الشئون الشخصية، وأن تصبح حياتها في البيت معروضة أمام الناس، فنجوم العالم يروا أن حياتهم من شأنهم وحدهم. وذكر الكتاب أن فاتن حمامة تعلمت في المدارس الثانوية وفي معهد التمثيل، ولكنها تمكنت بعد ذلك من تثقيف نفسها ثقافة واسعة وعميقة وباللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، وتزوجت ثلاث مرات، الأولى من المخرج عزالدين ذو الفقار، والثانية الثانية من الممثل عمر الشريف وانجبا طارق، أما المرة الثالثة فتزوجت من د. محمد عبدالوهاب أحد كبار الأطباء المصريين. وقد هاجرت فاتن من مصر في الفترة من عام 1965 إلى عام 1971 حيث عاشت في بيروت ثم في لندن، وفي هذه السنوات مثلت فيلمين في لبنان وهما: "رمال من ذهب" إخراج يوسف شاهين عام 1966، و"الحب الكبير" إخراج هنري بركات عام 1969. يذكر أن الفنانة فاتن حمامة توفيت يوم السبت الماضي الموافق 17 يناير بعد تعرضها لأزمة صحية قبل عدة أسابيع، ونقلها إلى مستشفى "دار الفؤاد" لتخرج منه بعد أن تماثلت للشفاء، ثم تعرضها إلى وعكة صحية مفاجئة توفيت على إثرها عن عمر ناهز 84 عاما.