عبدالحميد حواس: الحِرف شكل من أشكال المقاومة والغزاة يكرهونها محمد حافظ دياب: هناك إهمال عربي للصناعات الثقافية وسط دموعه تحدث د.أحمد مرسي رئيس ملتقى المأثورات الشعبية والتنوع الثقافي الذي استضافته دار الأوبرا المصرية اليوم، عن هموم التراث العربي وعدم تقديره بالشكل المناسب. وأضاف في الجلسة الأولى من المؤتمر: جفت حلوقنا من المطالبة بإدخال الحكايات الشعبية في مناهج التعليم، وضرورة أن يقوم المدرس بسرد الحكايات الشعبية لتلامذته لأنها ترسي عديد من القيم، قائلاً: المثل الشعبي البديع "اليد البطالة نجسة" ربط في هدوء بين العمل والطهارة دون صراخ أو ضجيج عن أهمية العمل وخطورة البطالة. وأوضح أن القرار السياسي ليس في يدهم لكنهم ناضلوا طويلاً من أجل إنشاء أرشيف يضم الأمثال الشعبية المصرية قائلاً: العقل العربي مهزوم ويحتقر نفسه، وحين نخرج من حالة الهزيمة إلى حالة احترام الهوية حينها فقط سننجح قائلاً: "خلي زكايب الهم مربوطة" ولا تجعلوني أتحدث عن هموم التراث العربي. أكدت المغربية د.نجيمة طايطاي على متانة العلاقات بين مصر والمغرب، لافتة إلى أن الدكتوراة الخاصة بها عن الحكاية الشعبية وشخصية "الغول" تحديداً. وأشارت إلى أنها أدخلت الحكاية إلى الجامعة ونالت بسبب هذا استهزاء زملائها الذين اتهموها بالسير وراء الخرافات، وحين تم تعيينها وزيرة في الحكومة المغربية عام 2002 قال زملائي في تهكم: يبدو أن السير وراء الخرافات يقودنا لأن نصبح وزراء!. وأوضحت قائلة: سعيت إلى أن أدرس كيف يمكن للموروث الثقافي أن يساهم في تنمية القدرات، فقمت بدراسة دور المسنين الذي استوردها العرب من الغرب، جعلت نزلاء دار المسنين يتواصلون مع المدرسة والتلاميذ، الذين بدورهم سيتعلمون الكثير من الكبار عبر الحكايات، لافتة إلى أنه من سحر الحكاية يتعلم الطلاب التسامح والانصات. من جانبه عرض د.محمد حافظ دياب عن مفهوم الصناعة الثقافية، وبدأ كلمته قائلاً حين صاغ الفيلسوف الفرنسي سان سيمون مفهوم الصناعية ويقصد به كل ما هو نافع ومفيد في الحياة لم يتصور أن هذه الصناعية سوف تستحيل كما هي الآن من محاولة استثمار الموارد الطبيعية إلى استثمار الموارد الثقافية. يواصل: ما كان في باله أن عالم التجارة سيلتهم عالم الصناعة لتصبح الصناعات الثقافية تمثل المورد الأهم للدخل عند الدول الغربية. واعتبر دياب أن هناك إهمال عربي للصناعات الثقافية وعدم الرغبة في تطويرها وإهمالها وعدم تشجيع المبدعين لها. وفي تصريح خاص ل"محيط" قال د.فاروق مصطفى أحد مؤسسي قسم الانثربولوجيا بجامعة الإسكندرية عن سبب اندثار بعض الأمثال الشعبية وبقاء أخرى، أن المثل له وظيفة إذا كان يحقق وظيفته يستمر في الوجود وإن لم يحققها يندثر ويختفي. وفي كلمته أوضح د.عبدالحميد حواس أن الغزاة عادة كانوا يميلون لنزع وإنضاب الصناع والحرفيين في المدينة التي يغزونها، ومثال ذلك أن سليم الأول حين دخل القاهرة في بداية القرن ال16 اانتزع كل أرباب الحرف والصنائع ونقلهم إلى الاستانة، وبدأ تأسيس عاصمته هناك، وهذا مثال يتكرر. ويرى حواس أن الحرف لا تكمن أهميتها في كونها تفيد اقتصادياً، فالأمر أعقد من ذلك وأعمق، لكن هذه الحرف تمق الطاقة المبدعة لدى الشعب، كما أنها كانت مصدراً لطاقة إبداعية تساعد على المقاومة وتجدد حيوية الشعب المهزوم. فالحرف برأيه تقوم بدورها الخلاق في بث وتقوية روح المقاومة من خلال العملية الإبداعية. قبل غزو سليم الأول لمصر بثلاثة أرباع قرن – يواصل حواس – كان في القاهرة عبدالرحمن بن خلدون الذي كتب عنها قبل الغزو قائلاً: وليس أوفر اليوم في الحضارة من مصر فهي أم العالم وإيوان الإسلام وينبوع العلم والصنائع، وذلك قبل أن يتم ترحيل الصناع والحرفيين الأمر الذي انعكس اقتصادياً واجتماعياً على مصر. وعرض حواس لما قاله سائح تركي زار مصر في ذلك الوقت وبالتحديد بعد ثلاثة أرباع قرن من ترحيل الصناع والحرفيين وأحصى فيها 189 حرفة، الأمر الذي يدل على الحيوية والقدرة على التجدد وقهر الاحتلال والسلطة العثمانية التي كانت تطمع وتقهر. واعتبر حواس أن تدخلات المثقفين ورجال الإدارة في الحرف يخربها ولا يساعد على تطويرها، مقترحاً أن نترك الحرفي لحاله فهو قادر على أن يتكيف مع الظرف الجديد وأن يتعامل مع الاحتياجات الاجتماعية، وطالب بضرورة رفع وصاية المثقفين عن الحرف وترك الأمر للصانع والحرفي. على صعيد آخر عرض أدهم نديم ابن الدكتور الراحل أسعد نديم لأهمية المحافظة على التراث المادي وغير المادي، ولفت إلى اندثار صناعة حلاوة المولد في مصر، وهي صنعة كان يعمل بها المئات، معتبراً أن هذا يشكل خطراً على الهوية. وطالب بتسجيل وحفظ حقوق الملكية الفكرية للصناعات الثقافية، وترميم التراث المادي. يذكر أن في جلسة افتتاح الملتقى الأول للمأثورات الشعبية والتنوع الثقافى "دورة أسعد نديم" أكد د.محمد عفيفي الأمين العام المجلس الأعلى للثقافة أن المأثورات الشعبية هي تاريخ الشعوب في مقابل التاريخ الرسمي، والتاريخ الشعبي هو بالأساس سر الشعوب وهو صوت الناس وهو الحياة التى تنبض. ثم أشار لدور أسعد نديم فى الحياة الثقافية وفى مجال التراث الشعبي بشكل خاص قائلا: إن أسعد نديم هو أحد حراس التراث المصري، وهو النموذج الأصيل للشخصية المصرية، وبالفعل هو من حراس الثقافة المصرية أيضا. واختتم الافتتاح بعرض موسيقى لفرقة توشكى للفنون التلقائية التي رقصت على أنغام نوبية وأغنيات الفنان محمد منير، ثم عُرض فيلم وثائقى عن النوبة لأسعد نديم.