للمرة الأولى منذ نشر بعثة حفظ السلام الدولية بإقليم دارفور المضطرب، غربي السودان، قبل 7 سنوات، تشهد العلاقة بينها والحكومة توترا ، بسبب مزاعم اغتصاب جماعي تم اتهام القوات الحكومية بالمسئولية عنها، فيما اتهمت الحكومة البعثة بأنها صعدت من القضية للتحايل على طلب الحكومة منها إعداد إستراتيجية خروج متدرج من الإقليم. ففي مؤتمر صحفي عقده وكيل وزارة الخارجية السودانية عبد الله الأزرق، ظهر الجمعة، عقب لقائه سفراء الدول المعتمدين لديها، قال إن "طلب الحكومة من البعثة (التي تعرف اختصارا باسم يوناميد) إعداد إستراتيجية خروج متدرجة يتعارض مع مصالح دوائر (لم يسمها) تريد الإبقاء على البعثة في السودان". وتم نشر قوات حفظ سلام مشتركة بين الاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة مطلع العام 2008 في إقليم دارفور الذي يشهد نزاعا بين الجيش ومتمردين منذ عام 2003 خلف 300 ألف قتيل وشرد نحو 2.5 مليون شخص، بحسب إحصائيات أممية. وحلت بعثة يوناميد بدلا من قوات حفظ سلام تابعة للاتحاد الأفريقي كانت منتشرة في الإقليم منذ 2004 وسط انتقادات دولية لأدائها وعدم قدرتها على حماية المدنيين وهي ذات الاتهامات التي طالت أيضا البعثة المشتركة رغم الإمكانيات الأممية المتوفرة لديها. وتعتبر يوناميد ثاني أكبر بعثة حفظ سلام حول العالم (بعد البعثة الأممية في الكونغو الديمقراطية)، ويتجاوز عدد أفرادها 20 ألفا من الجنود العسكريين وجنود الشرطة والموظفين من مختلف الجنسيات بميزانية بلغت 1.4 مليار دولار للعام 2013. وبالإضافة إلى ربط الحكومة بين طلبها من البعثة مغادرة الإقليم وتصعيد مزاعم الاغتصاب، يرى مراقبون أن من أسباب تصعيد القضية إعلاميا هو أنها أول اختبار للبعثة بعد كشف نتائج تحقيق أممي حول اتهامات أطلقتها مسؤولة سابقة بالبعثة بشأن "تستر" قادتها على جرائم ارتكبتها قوات حكومية وأخرى متمردة بحق المدنيين. ففي أبريل/ نيسان عام 2013 ، استقالت المتحدثة باسم البعثة، عائشة البصري، من منصبها احتجاجا على عدم فتح الأممالمتحدة لتحقيق رسمي في اتهاماتها. وبعد حملة إعلامية قادتها البصري ومقابلات مع كبريات وسائل الإعلام حول العالم، شكل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في يوليو/ تموز الماضي لجنة تحقيق للنظر في الاتهامات. وفي 29 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، أعلن مكتب مون نتائج التحقيق الذي جاء فيه أن اللجنة "لم تجد أي دليل يشير إلى صحة تلك المزاعم"، رغم إقرارها بأن "خمس حالات معينة لم تقم بعثة يوناميد بتقديم تقارير كاملة عن ملابسات هذه الحوادث إلى المسئولين في مقر المنظمة الدولية بنيويورك". لكن عبد الله آدم خاطر أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية وأحد المهتمين بالقضية الدارفورية، يرفض الربط بين مساعي البعثة للتحقيق في مزاعم الاغتصاب والتحقيق الأممي بشأن أدائها من جهة، وطلب الحكومة منها مغادرة دارفور من جهة أخرى. وقال خاطر لوكالة "الأناضول" "البعثة ليست من أطلق الاتهامات، فهي تريد القيام بواجبها للتحقيق في مزاعم اغتصاب نقلتها وسائل إعلام محلية وعالمية". وفي 4 نوفمبر/ تشرين ثان الجاري، نقلت إذاعة (دبنقا) المهتمة بشؤون دارفور، وتبث من هولندا ومعروف عنها موالاتها لحركات التمرد المسلحة في الإقليم، عن زعيم قبلي قوله إن "قوات حكومية اعتدت على قرية تابت (شمالي الإقليم)، واغتصبت أكثر من 200 امرأة وفتاة". وأضاف خاطر "البعثة تعمل بموجب تفويض من مجلس الأمن لحماية المدنيين، ولا أظن أن بمقدورها الصمت حيال مزاعم مثل هذه، والحكومة تعرف أن عليها القيام بهذا الواجب". ورأى أستاذ العلوم السياسية أن "الحكومة أخطأت عندما منعت يوناميد من الوصول للقرية رغم أنها سمحت لها بذلك لاحقا، وأخطأت مرة ثانية عندما رفضت مجددا زيارتها للقرية للمرة الثانية". وبعد يوم من بث إذاعة دبنقا لخبر مزاعم الاغتصاب، قالت بعثة يوناميد إن قوات حكومية منعتها من الوصول للقرية للتحقيق في هذه المزاعم، لكن متحدثا باسم الجيش برر منع البعثة من دخول القرية بعدم حصولها على إذن "وفقا للقانون المعمول به" قبل أن يعلن عن السماح لها بعد حصولها عليه. وفي 10 نوفمبر/ تشرين ثان الحالي، أعلنت البعثة أن فريق محققين تابع لها زار القرية "لم يجد دليلا " على وقوع مزاعم الاغتصاب. لكن وسائل إعلام غربية نقلت عن مسؤولين أمميين أن البعثة قالت، في تقرير سري بعثته إلى رئاستها في نيويورك، أن وجود قوات حكومية أثناء عملية التحقيق خلق حالة ترهيب لدى الشهود. وبالمقابل، بررت الخارجية السودانية تواجد الجيش أثناء عملية التحقيق بأنه "كان ضروريا تحسبا لأي ردود أفعال غاضبة من المواطنين ضد فريق البعثة نظرا لحالة الامتعاض الواسعة وسطهم من هذه المزاعم التي يرون أنها تسيء لهم". وفي 14 نوفمبر/ تشرين ثان الحالي، استدعت الخارجية السودانية أبيودون باشوا الرئيس بالإنابة للبعثة، ونقل له وكيل الوزارة عبد الله الأزرق احتجاج الحكومة على تعاطي البعثة مع مزاعم الاغتصاب. وبعدها بيومين، أعلنت الخارجية رفضها السماح للبعثة بزيارة المنطقة للمرة الثانية، وبررت قرارها بأنها أبدت "شكوكها حول الدوافع وراء الإصرار على قيام البعثة بزيارة ثانية لمنطقة تابت"، فضلا عن مخاوفها من حدوث صدام بين أهالي القرية والبعثة لأن "نظرة الأهالى ليوناميد يشوبها الكثير من العداء نظرا لما لحق بسيدات المنطقة من وصمةٍ لطخت سمعتهن". وحول طلب الحكومة من البعثة مغادرة الإقليم، قال أستاذ العلوم السياسية عبد الله آدم خاطر إن "البعثة لم تنشر بطلب من الحكومة بل بقرار من مجلس الأمن الدولي، وهو من يحدد إن كان على البعثة مغادرة البلاد أم لا". وأوضح أنه "لا يمكن الحديث عن مغادرة البعثة بمعزل عن أسباب نشرها، فالأوضاع الأمنية في الإقليم لا تزال مضطربة مع تعثر محادثات السلام مع الحركات المسلحة". وتبرر الحكومة طلبها من يوناميد مغادرة البلاد بأنها أصبحت "عبئا على الجيش السوداني، وطلبت منه أكثر من مرة حمايتها عقب تعرض جنودها لعمليات اختطاف من قبل مسلحين". ومنذ انتشارها فقدت البعثة 61 من جنودها في هجمات نسب أغلبها لمجهولين حيث تنشط كثير من العصابات التي تستغل انعدام الأمن في عمليات نهب وقتل واختطاف للأجانب العاملين في الإقليم وإطلاق سراحهم مقابل فدية. ويأتي إعلان الحكومة من البعثة مغادرة البلاد وسط ضغوط دولية على الخرطوم للسماح ليوناميد بدخول القرية للمرة الثانية حيث كان آخرها من مجلس الأمن بعد اجتماعه الأربعاء الماضي. وقال المجلس، في بيان صدر بإجماع أعضائه الخمسة عشر، إن أفراد البعثة المكلفين بالتحقيق يجب أن يدخلوا القرية "فورا ودون عوائق لإجراء تحقيق شفاف وكامل"، وذلك بعد يوم من طلب مماثل من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. وفيما لم تستجب الخرطوم لهذه المطالب، قال وكيل وزارة الخارجية عبد الله الأزرق، يوم الجمعة، إن هناك "مؤامرة تحاك ضدنا في مجلس الأمن الدولي". وفي خطوة يمكن أن تزيد من حدة التوتر، أعلن متحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، مساء الجمعة، أن يوناميد تجري تحقيقا حول مزاعم بقصف سلاح الجو السوداني لقرى بدارفور، وهو ما لم تعلق عليه الخرطوم حتى الآن.