ربما لم يعد فندق «قصر تاج محل» الهندي من أكثر فنادق العالم فخامة أو تكلفة كما كان يوماً، لكنه بالتأكيد من أشهرها وأكثرها عراقة وتجذراً في الوعي الوطني للبلد. عمره يزيد على مئة عام، وشهدت جدرانه طوال القرن الماضي على مئات الأحداث الكبرى والشخصيات التي صنعت الحياة السياسية والفنيّة في الهند والعالم. وأخيراً، حظي الفندق الذي يستقر على ضفة البحر في مدينة بومباي الهندية، ببرنامج تلفزيوني بريطاني هو الأول على القنوات التلفزيونية، إذ وجدت «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) في الفندق العناصر التاريخية والتشويقية الكافية لتملأ ساعات من زمن برنامجها الذي حمل عنوان: «فندق الهند»، والمتألف من أربع حلقات تعرضها شاشة القناة الثانية للمؤسسة البريطانية. ليس «قصر تاج محل» فندقاً عادياً، هو أيقونة ورمز وطني، ومقصد للهنود والسياح، يلتقطون الصور ويشترون التذكارات من على أبوابه. يواجه الفندق الضفة البحرية للمدينة، معطياً ظهره للمدينة بفقرها وازدحامها. يبدو كواحة للسكينة والرفاهية وسط مدينة هي من الأكثر كثافة في العالم ويعيش نصف سكانها الفقر في بيوت الصفيح غير الشرعية. زاره رؤساء كل العالم، ونجوم من عالم السينما والتلفزيون، من فرقة «البيتلز» البريطانية إلى توم كروز وأوبرا وينفري، ومن الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، إلى الحالي باراك أوباما. يضم الفندق أكثر من 500 غرفة وجناح، ويضم جيشاً صغيراً من العمال والموظفين يقدر عددهم بنحو 1500 شخص، سيحضر بعضهم في حلقات البرنامج البريطاني، الذي يسجل الحياة اليومية للفندق العريق، وكيف يجتهد أصحابه للإبقاء على المستوى ذاته الذي عرفه طوال تاريخه. كما يُصور البرنامج الجديّة والالتزام اللذين يطبعان كل تفصيلة صغيرة في الفندق، الأمر الذي جعل أحد زبائنه الدائمين، وهو طبيب من أصول هندية يعيش في بريطانيا، يتمنى بأن تكون الهند كلها تُشبه الفندق. لكن الهند لا تشبه الفندق الفخم، يكفي أن تخرج إلى الشارع المقابل ليهاجمك الفقر من كل اتجاه. يحاول البرنامج البريطاني أن يترك رفاهية البناية العريقة ويخرج للشوارع القريبة، فيقابل سيدة تبيع الورد قريباً جداً من الفندق منذ أكثر من عشرين عاماً، والتي ستذكر إن بعض نزلاء «قصر تاج محل» منحها قطع صابون خاصة بالفندق. البرنامج يحاول أيضاً أن يقدم خلفيات للشخصيات التي قدمها عبر حلقاته، فيذهب مع بعض العاملين إلى حيث يعيشون، ويقدم بيوتهم البسيطة، وكيف يتكدس بعضهم في شقق صغيرة، وهم سعيدون جداً على رغم ذلك بعملهم في الفندق الذي يدفع لهم ثلاثة أضعاف الرواتب لمِهن مشابهة في الهند. في المقابل سيمنح البرنامج أوقاتاً لبعض نزلاء الفندق من الأثرياء، والذين سيشرحون لماذا يتردد بعضهم على الفندق ذاته منذ سنوات، وبعضهم فتح قلبه فكشف تفاصيل حميمة وعاطفية من حياته ومطباتها وسعاداتها. يبدو البرنامج البريطاني متردداً في ما يرغب عرضه أو قوله، فمن جهة يحاول أن يجعل تقديمه للفندق العريق رحلة عبر التاريخ الهندي الحديث والهند اليوم، فيمرّ سريعاً على الدور الذي لعبه الفندق في تأسيس حركات فنيّة وتشكيلية وموسيقية، والتي بدأت من هناك من أروقة الفندق، لكنه سيصرف مُعظم وقته في عرض الفخامة الكبيرة للفندق، حتى تحول، أي البرنامج، إلى دعاية مثيرة مجانية له. هذا التردد يعكس أزمة تبدو جليّة أحياناً في عدد من برامج «هيئة الإذاعة البريطانية التلفزيونية» خلال السنوات الأخيرة، أي رغبتها في التوجه إلى جمهور كبير دائماً وبمقاربات وتركيبات برامج الترفيه التقليدية الشعبية، فعلى رغم أن البرنامج عُرض على شاشة القناة الثانية، وهي القناة المعروفة عادة بعرضها برامج تقطع خطوات تجريبية ولا تخشى تقديم الموضوعات الجريئة والواقعية، إلا أنه لا يختلف عن كثير من برامج القناة الأولى الشعبية، بترفيهه وتقليديته وحتى احتفاله قليلاً بالغنى والثراء، مانحاً المتفرج أحياناً فرص التلصص على عالم الأغنياء وحياتهم، مقدماً بين الفينة والأخرى، صوراً سريعة للحياة القاسيّة خارج الفندق، ولكن كمن يقدم شراباً مراً مصحوباً بقطعة كبيرة من السكر.