منذ مطلع السبعينات شهدت حركة التحرر الوطني الفلسطيني تحولات عن استراتيجيتها وميثاقها وادبياتها وقد لاقت قيادة منظمة التحرير مما يسمى طرح الحل المرحلي خروجا ً ومبررا ً لانجرافها تحت ما يسمى الاطروحات والمشاريع الدولية والتعامل معها ، ولم يكن اجراء الرئيس السادات مفاجئا ً لمنظمة التحرير بل رأت منه مبررا ً بتكريس نهجها الجديد في التعامل مع الصراع العربي الصهيوني الذي اصبح منذ ذاك التاريخ في التعريف السياسي " صراعا فلسطينيا ً اسرائيليا ً " ، بل ما زاد على هذا التحول انحطاطا ً انه اصبح الصراع بين الفلسطينيين والاسرائيليين في التعريف الاقليمي والدولي والاسرائيلي هو تعريفا ً امنيا ً يستثني المبادرات الدولية والامم المتحدة ومجلس الامن وغيره من الجمعيات الدولية . لم تحقق حركات التحرر الوطني الفلسطيني أي من الانجازات التي نصت عليها ادبياتها منذ مطلع السبعينات بل خاضت مفاوضات مباشرة مع العدو الصهيوني عن طريق دولة ثالثة مثل النرويج والدنمارك ، حيث توجت اللقاءات في اجتماعهم المهم في النرويج من خلال صالونات مركز دراسات واجتماعات اخرى مع يوري افنيري ، استمرت تلك الاجتماعات والمفاوضات المباشرة مباشرة بعد مؤتمر جنيف التي كانت منظمة التحرير فيه طرفا ً مع الاردن وكان محصل ذلك هو اعلان مبادئ في غزة واريحا ثم طور الى اتفاق اوسلو عام 1993 بحكما ً ذاتيا مقسما ومجزئا ً في كل من الضفة وغزة ، ولم تنسى اسرائيل ان تعبث في هذا الاتفاق من خلال التقسيم الجغرافي والامني في الضفة الغربية لمناطق a b c تلك المناطق التي منها ما تسيطر عليه السلطة سيطرة مطلقة ومنها سيطرة جزئية ومنها تحت السيطرة الامنية الاسرائيلية ، ولكن في طبيعة الحال اتفاق اوسلو لم يمنح السلطة الفلسطينية سيطرة مطلقة على تلك المناطق بل ارتباطا امنيا موثقا ً واقتصاديا ايضا ً . عمل الرئيس عرفات على تطوير اتفاق اوسلو ليأخذ شبه الدولة عندما سمحت له اسرائيل والولايات المتحدةالامريكية بانشاء برلمان يسمى المجلس التشريعي وفرضت عليه نظام حكم وزاري يلعب فيه رئيس الوزراء في كافة الصلاحيات والتي فرضت محمود عباس لفترة ما حتى اصطدمت صلاحياته مع صلاحيات عباس ، بل كان الرجل العادي يفهم ان عباس يحضر لمرحلة قادمة عندما خرج من الوزارة مطرودا ً واصفا ً له عرفات بانه كرزاي تشبيها ً بالرئيس كرزاي الذي جلبته امريكا بعد حربها في افغانستان . بشكل او بأخر لم تكف منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية على الاتصال باسرائيل في مجالات متعددة سواء معيشية او امنية او مفاوضات سياسية حول تطوير منظومة اوسلو الى شبه دولة منزوعة السلاح في الضفة وغزة والتي ماطلت اسرائيل في تنفيذ هذا التوجه او الاخذ بالمبادرة العربية بل بقيت السلطة ملتزمة اكثر من عقدين بالتنسيق الامني الذي مازال قائما ً للان وبصرف النظر عن استمرارية التفاوض المباشر او تعليق التفاوض والذي منح اسرائيل مزيدا ً من الحرية والآليات لتمديد الاستيطان الذي اصبح يغزو الضفة الغربية وخاصة في المنطقة c ، حيث لم يبقى للسلطة بعد تنازلاتها المميتة وتنازلاتها عن نظرية حل الدولة الديمقراطية وتكثيف وملاحقة رجال الكفاح المسلح والمقاومة وكل من يعترض طريقها وطريق مفاوضاتها المتعثر الفاشل مع اسرائيل . منحت المفاوضات 9 شهور للوصول للحل النهائي ثم علقت المفاوضات تحت بند الدفعة الرابعة من الاسرى حيث استطاعت اسرائيل جر الموقف الفلسطيني الى مستنقع الاليات الضيقة في المطالب الوطنية وحتى مبدأ الافراج عن الدفعة الرافعة لم تستجب له الحكومة الاسرائيلية ، اما قضايا الحل النهائي من حدود ومياه واللاجئين وغيره من القضايا وبرغم تنازل عباس في اكثر من تصريح له على انه لن يغرق اسرائيل ب5 مليون لاجئ وان التنسيق الامني مقدسا ً ومازال قائما ً . لا نريد ان ندخل هنا في ازمة التناقض بين السلطة وحركة حماس في عام 2007 ومنهجية الدمقرطة الامريكية التي اصر عليها عباس في الساحة الفلسطينية والمواكب لهذا الطرح تدمير حركة فتح من خلال اطروحات لبريمرز وغيره من قرارات كان هناك التناقض بين السلطة والاسلام السياسي ، وان حمل الاسلام السياسي برنامج المقاومة كما حملته المجموعات المتمردة على السلوك الفتحاوي لرئيس السلطة مثل كتائب شهداء الاقصى وكذلك ابو علي مصطفى . غزة اصبحت تحت سيطرة الاسلام السياسي بما يرفع من شعارات المقاومة واعدادات قد غيرت في برنامج وحيثيات المقاومة مع اسرائيل في ثلاث حروب متتالية ، حيث طورت ادائها الى برنامج حرب الصواريخ والانفاق الذي قد زعزع امن اسرائيل وافشل نظريتها في الوجود على الارض الفلسطينية ، حيث باتت اسرائيل بحاجة الى ان تقنع سكانها بأن ما اتو اليه من امن مازال قائما ً ، في حين ان تطور الصراع يفقد تلك الخاصة لسكان اسرائيل نتيجة تطور الانفاق التي لم تستطيع أي قوة في العالم ان توقفها الا من خلال طرح سياسي ناضج يحل مشكلة الصراع اما بحل الدولة الواحدة او الدولتين بشرط ان تنسحب اسرائيل من كل اراضي الضفة الغربية وحق العودة للاجئين وهذا يرجعنا مرة اخرى ولو بعد حين الى حل الدولة الواحدة التي تتملص منه اسرائيل وتغديه منهجية السلطة وسلوكها وممارساتها . اداء منظمة التحرير وفيما بعد السلطة تناولت الحد الادنى من المطالب الوطنية الذي سمح للاسرائيليين بالتنادي في تنفيذ استراتيجيتهم في الضفة وحصار غزة . ليس مفهوما ً لدى الكثير من المحللين السياسيين كيف تقوم السلطة بدورين متناقضين ولكن يصبان في مسار واحد ، فهي تمثل مسار التفاوض المباشر مع العدو الصهيوني منذ اواخر السبعينات والذي مازال قائما وهي اليوم تفاوض من خلال تمثيل وفد المقاومة برئاسة عزام الاحمد بشكل غير مباشر ، من يقنع من على هذا الدور ومن يقنع من والتنسيق الامني قائم ، ومازالت وظيفة قوى الامن في الضفة احباط أي انتفاضة تكون في مستوى صمود غزة والشعب الفلسطيني في غزة امام العدوان القائم الآن ، كيف نقتنع بدور مباشر وغير مباشر للسلطة وهي تجلس مع الاسرائيليين مئات بل الاف الجلسات عبر تاريخ الصراع واليوم تفاوض عن المقاومة وترأس وفد المقاومة تحت مبرر الشرعية الدولية والاقليمية لتلك السلطة وتحت نفس سقف مطالبها في اوسلو ، رغيف خبز ورواتب ومطار ومنافذ وميناء تحت مغلف فك الحصار ، لم تجرؤ السلطة برفع مساراتها السياسية بصمود قطاع غزة وبفرض حالة الحصار على المستوطنين الاسرائيليين في كل ما يسمى اسرائيل لكي تطالب مثلا ً بانهاء الاحتلال في الضفة وغزة كمحاور رئيسية للمفاوضات ، بل مازالت السلطة تجر مربع المقاومة لتحقيق ما نصت عليه مطالبه في اوسلو ، ونتيجة هذه المطالب المتدنية التي يسموها الحد الادنى فشلت وتعثرت المفاوضات في القاهره واستمر العدوان على قطاع غزة وعاد الوفد المفاوض الاسرائيلي والفلسطيني كل الى وجهته ومرجعياته . بلا شك ان اسرائيل تعاني ازمة داخلية كبرى واسرائيل قد تعرضت الى هزة كبرى في مشروعها الصهيوني على ارض فلسطين والمقاومة بكل فصائلها بل نقول مقاومة الشعب الفلسطيني وليس فصيل قد ادهشت العالم بابتكاراتها وتحديها حيث احرجت بل حطمت اسطورة الجيش الذي لا يقهر جيش جولاني وجلعاد . في هذه المرحلة يحاول الرئيس عباس ومن خلال اجتماعه مع رئيس الشاباك كما نشرته بعض الصحف قبل يومين بان لا يثمر الاتفاق عن أي انجازات للمقاومة فيعني ذلك ان مشروع السلطة مشروع اوسلو قد تهاوى ، فاذاً مازالت السلطة متمسكة بمشروعها وبمتطلباتها السياسية التي عبر عنها الوفد المفاوض والتي رأى منها قطاع المقاومة حلا ً مرحليا ً يمكن ان يولد نوعا ً من التناقض المستقبلي بين مشروع السلطة والاسلام السياسي والمطلب الوطني في حد ذاته ايضا ً . اذا ً السلطة تقوم بدورين الان أي تمسك العصا من اليمين واليسار ، فهي تقوم بالتفاوض المباشر مع العدو الصهيوني للآن ومازال التنسيق الامني قائما ً وفي نفس الوقت تقوم باداء التمثيل لوفد المقاومة في القاهرة تحت نفس المطالب التي عجزت عن تحقيقها من خلال مفاوضات استمرت اكثر من عقد ونصف وفي ظل حكومة توافق وطني ضعيفة لم تلبي ادنى الاحتياجات لقطاع غزة منذ بدأ الحرب منذ شهر ونصف ، هذا السلوك الذي كان متبع ما قبل الحرب ايضا ً بل تنتظر حكومة السلطة في رام الله وحكومة التوافق رخاء قادم ومن خلال الاعمار لكي تفرض نفسها مرة اخرى على غزة وعلى مسارات الامن والسياسة والاقتصاد في الساحة الفلسطينية . اذا ً الى اين نحن سائرون الآن في ظل التمثيل المزدوج للسلطة بين التفاوض المباشر والغير مباشر وماهو دور المقاومة في المستقبل؟ !