ربما قطع الرئيس الفلسطيني الطريق على من يتأملون وينتظرون سقوط حكومة حماس بأن يكون هناك واقع لحكومة ولسلطة يمكن أن تتعامل مع أوضاع سياسية مهترئة تطرحها أمريكا ودول إقليمية ونهج فلسطيني من بعض الأطراف . فكانت تصريحات الرئيس الفلسطيني لهؤلاء جادة ومعمقة عندما قال إذا إنهارت السلطة يعني ذلك لا سلطة على الأراضي الفلسطينية ولا بدائل أمام حكومة الوحدة الوطنية . عندما إختار الرئيس الفلسطيني هذه المفاهيم فهو يريد أن يقول للجميع أن سلطة أوسلو في خطر بل إتفاقية أوسلو التي تتعهد بالإلتزام بها سلطة الحكم الذاتي وعلى رأسها الرئيس الفلسطيني لن تكون موجودة إذا إنهارت تلك الحكومة وهذا بمثابة إنذار لكل الدول ذات الصلة بالموضوع ، ففعلا ً سلطة أوسلو لا تعوض أمنيا ً وسياسيا ً وما أمام الإسرائيليين الذين لم يقدموا أي شيىء مثمر لهذا النهج أن يقدموا شيئا ً قبل إن ينهار هذا التيار وهذا النهج ، ومن هنا وأمام التصعيد الحادث على الساحة الفلسطينية الذي أتى على ثلاث مراحل المرحلة الأولى الحصار المرحلة الثانية الإقتتال بين فتح وحماس ، المرحلة الثالثة إتفاق مكة ومحاولة جذب حماس للورقة السياسية المقدمة من الرئاسة ومن ثم معالجة الثغرات في إتفاقية مكة بين كل من الرئاسة ورئاسة الوزراء في القاهرة ومحاولة تقديم التهدئة من كافة الفصائل للعدو الصهيوني على " بياض " . هذه المرة وهذه المحاولة تأتي مجددا ً بعد أن فشلت الحلول السابقة والخيارات السابقة من إحتواء ظاهرة المقاومة وإطلاق الصواريخ وهذه المرة تاتي هذه المحاولة بإشعال الضوء الأخضر لتفعيل منظمة التحرير وعقد المجلس الوطني على قاعدة ان دخول حماس وإحتوائها ضمن البرنامج السياسي المسيطر على منظمة التحرير من قبل جماعة أوسلو . لم يأتي هذا التحرك الإقليمي من فراغ فالمطلوب أولا ً إحتواء كتائب عز الدين القسام من خلال إحتواء القيادة السياسية ، هذا التحرك الإقليمي الذي فشل سابقا ً ولكن هذه المرة تأتي هذه المحاولة على قاعدتين القاعدة الأولى لا بد من إإتلاف فتح وحماس حرصا ً على الدم الفلسطيني ولتجنب الإقتتال الداخلي وللأسف الذي ذهب للحوار في القاهرة ليس مجموعة الرشداء والعقلاء في حركة فتح بل هم ممثلين الفوضى والتمرد على سلطات الداخلية ورئاسة الوزراء ومن خلال هذا التمثيل السيئ يعني ذلك أن على حماس أن تقدم تنازلات لهؤلاء حماية ورضوخ وإنحناء لمفهوم الدم الفلسطيني خط أحمر ، هذا من ناحية . أما القاعدة الثانية فهي قاعدة الضغط العسكري والأمني على حماس ، فعلى الصعيد الأمني حماس محاصرة أمنيا ً ومطاردة عناصرها أمنيا ً إقليميا ً وعلى المستوى الداخلي الفلسطيني فهي تتحرك في وسط ألغام وحقول من الأشواك وخاصة أن العدو الصهيوني جميع عملياته المتعلقة بضرب قوى حماس تستند إلى معلومات أمنية على الأرض وهذا السلوك من الضغط يعطي ثمارا ً للعمليات العسكرية الإسرائيلية لكي تكون أشد خطورة على قواعد وبنية حماس وللإنصاف ومن خلال المتابعة للعمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في منطقة العمليات وهي قطاع غزة والضفة أن حماس تدرك حجم الضغوط مما جعلها تتصرف على الأرض بمنتهى الحيطة والحذر وبالتالي أتت العمليات الإسرائيلية من وجهة النظر العسكرية غير مؤثرة بالشكل الذي ينبغي وما تخطط له إسرائيل سياسيا ً وعسكريا ً ولكن تلك العمليات أستغلت إعلاميا ً من جانب الضغط على حماس حينما وصفت الصواريخ للقسام بأنها ألعاب نارية أو صواريخ ورقية وهذه ورقة قوية تستفيد منها قوى التسوية لتسويق رؤيتها بأن على حماس إستحقاقات من التنازلات وبدون مقابل بس فقط لتوقف العمليات العسكرية على قطاع غزة وبدون أن يلوح في الأفق أي تحرك سياسي جاد نحو حل أصول المشكلة وفي غياب طرح فعال من أجل إنهاء الإحتلال . ومن هنا تأتي عمليات الضغط التي تمارسها إسرائيل على حماس وقواها في ساحة غزة والضفة الغربية معا ً متوافقة تماما ً مع الضغط الدبلوماسي التي تمارسه قوى إقليمية عليها من خلال قنوات متعددة ،ففي وجهو نظرهم أن تم إحتواء حماس من خلال عملية الدمقرطة الغير ناضجة والتي تقدمت في مفاهيمها عن ما هو مطلوب للمرحلة التي يعيشها شعبنا ولذلك حماس تفكر ألف مرة ومرة أن تحدث تراجعات في مواقفها من إنسحاب في حكومة أوسلو ولأن ذلك يترتب عليه مواقف وآليات متعددة يجب إتخاذها أولا ً على الصعيد الإقليمي والذاتي . وربما أساء البعض تفسيرات أحمد يوسف المستشار السياسي لرئيس الوزراء إسماعيل هنية حينما قال للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي واصفا ً صواريخ القسام بأنها ألعاب أطفال إذا صح الخبر وهنا يأتي التفسيران في سياقين هل يأتي هذا التصريح في خانة التقليل من فاعلية الصواريخ التي تطلق على إسرائيل وبالتالي وجوب تقديم أوراق سياسية أخرى وتنازلات أم يأتي تفسير هذه العبارة في سياق أن الشعب الفلسطيني يقاوم في ظل حصار كامل عليه ولو كان بالألعاب النارية والتفسير الأول يخدم وجهة نظر الرئيس الفلسطيني محمود عباس والحملة الإعلامية المرافقة لتصريحاته ، أما التفسير الثاني فهو يبين عمق المشكلة حينما يعتمد الجانب الفلسطيني الممانعة والمعاوق لثقافة التسوية وبرامجها . أعتقد أن صواريخ القسام وغير القسام تأتي في تطور طبيعي للمقاومة بالحجر وبالسلاح الأبيض في الإنتفاضة الأولى والثانية ومرحلة إبتدائية في نقل تجربة الصواريخ إلى الضفة الغربية وهذه التجربة يمكن أن تفشل نظرية الجدار العازل كوسيلة أمنية لحماية أمن الإحتلال والذين يقللون من أهمية الإبداع الفلسطيني ولو كان متواضع في مرحلة حصار شامل نقول أن جميع الدول لم تنهض بصناعاتها وإبتكاراتها الحربية وغير الحربية من مركز الذروة في التصميم والإختراع ولكن أتى التقدم في هذه المجالات ضمن سلم زمني تطويري لتلك الصناعات وهذا ليس عيبا ً ولا يؤخذ على حماس وغير حماس . مهزلة أن يقوم البعض وخاصة من الجانب الفلسطيني بالإستهزاء والسخرية من الإبداع الفلسطيني في مواجهة الإحتلال ولو كان محدودا ً وإذا قسنا هذه المفاهيم على إنطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح نقول أنهم مجانين بهذه المقاييس التعيسة في تقييم مراحل نضال الشعوب ، فعندما إستشهد أحمد موسى فهل كان رجل مجنون وعندما إستشهد عبد الفتاح عمود هل نقول أنه كان مجنونا ً وعندما وضعت عبوة في جسر عيلبون عبوة من المتفجرات المتواضعة هل كان هذا ضرب في الخيال واللا واقع ،يعني ذلك أن من يستهزؤون بالوسائل المتاحة للشعب الفلسطيني في نضاله يسخرون من ذاتهم التي وافقت على حرب العصابات عند إنطلاقة حركة فتح أو بمعنى أخر أنهم كانوا مدسوسين على واقع هذه الحركة وفهمها وأفكارها وألياتها . فمرحلة الصواريخ أثمرت مع حزب الله في إيجاد توازن والجانب الفلسطيني يجب أن يعتمد على هذه الطريقة المتطورة دائما ً لتفشل نظرية العدو الصهيوني القائمة على نظرية الأمن ولو كانت تلك الصواريخ تثير الغبار والأتربة في تلك المستوطنات كما وصف ذلك بعض المستهزئين ، أما وسائل الإعلام الفلسطينية التي تبرز مدى خسارة الجانب الفلسطيني من العمليات الإسرائيلية يتناسوا التاريخ ويتناسوا التضحيات التي تقدمها الشعوب من أجل تحررها سواء في فيتنام أو الجزائر أو في الثورة الفرنسية أو الصينية أو الروسية وفي نفس الوقت يتناول هذا الإعلام النهج الإنهزامي في قمته وهو التشكيك في قدرات المقاومة الفلسطينية على أن تطور نفسها وآلياتها . كل ما تقدم هو آليات ووسائل من أجل أن تقع حماس ومعها باقي الممانعة الفلسطينية تحت نوعين من الضغط أو ثلاث أنواع أو أكثر : 1/ الضغط بالحصار الإقتصادي . 2/ الضغط بالتلويح بالإنفلات الأمني والإقتتال الداخلي . 3/ الحفاظ على إتفاق مكة المشرفة كوسيلة لإحتواء حماس . 4/ تصاعد الضغط الإقليمي على حماس والممانعة الفلسطينية من خلال إجتماعات إقليمية تنقذ نهج أوسلو ، هذا النهج الذي لم تقدم له أمريكا وإسرائيل أي دعم منذ تواجدها على الأرض الفلسطينية على الصعيد السياسي والإقتصادي وإكتفى هذا الدعم مؤخرا ً من خلال لباس رجال الأمن الرئاسي ملابس المارنز وأسلحتهم المتطورة فهل هذا يعني أن تلك القوات تعد لمواجهة إسرائيل أم تمهيد لسلطة دكتاتورية تنفذ برنامج سياسي ضاغط على الشعب الفلسطيني . 5/ تصعيد عسكري إسرائيلي متوازي مع كل الوسائل السابقة سعيا ً لأن تقوم حماس بعملية دراسة لواقعها بين قبول السلطة على إعوجاجها الأمني والسياسي أو الخروج منها ولكن أي خروج ؟؟؟، فهناك منظور للتاريخ لتتخلص حماس من الصغط الإقليمي والدولي ويمكن أن تنحاز للشعوب ورؤيتها بأن الصراع مفتوح مع إسرائيل حتى لو كان هناك تقدما ً وهو مفقود في حل الدولتين أو تقبل حماس بعدة تنازلات للحفاظ على وجودها في السلطة وإذا أرادت حماس أن تتخذ أي موقف عندما تتعرض للضغط الدبلوماسي والسياسي فسيثار أمامها ألف مشكلة ومشكلة ، مشكلة على المستوى الداخلي لبنية حماس ومشكلة على صعيد علاقة حماس مع حركة الإخوان المسلمين وسيثار أمامها مشاكل الفلتان الأمني والتلويح بالإقتتال الداخلي والتلويح بالإضرابات ومن ثم الرجوع للمربع الأول . ولذلك فإن حماس أمامها خيار أن تستند للتاريخ وللدين في مواقفها وأن مشكلة الوطن والمشكلة الوطنية ليست مشكلة أنية بل هي مشكلة إستراتيجية تخص شعب وأمة بكاملها وعليها أن تتصرف بناءاً على ذلك . ويبقى السؤال الأخير هل ستقوم حماس بتقديم تنازلات على قاعدة فتح أبواب منظمة التحرير لها في تقاسم على غرار إتفاق مكة وهل حماس ستقدم تنازلات مقابل الضغوط السابقة الأيام القادمة ستجيب عن ذلك .