ذات النطاقين قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة». هي أسماء بنت أبي بكر التي شقت نطاقها لسفرة رسول الله، الصادقة ابنة الصديق، وأم الصحابي عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، وأخت أم المؤمنين عائشة زوجة الرسول رضي الله عنها. أسلمت أسماء بعد إسلام سبعة عشرة شخصا، وذات يوم أقبلت أمها قتيلة بنت عبد العزى التي طلقها والدها الصديق في الجاهلية، وكانت أمها راغبة عن الإسلام، أقبلت لزيارتها ومعها هدية فأبت أسماء أن تقبلها قبل أن تسأل الرسول صلى الله عليه وسلم فسألته وانزل الله عز وجل "لا ينهاكم الله عن الذين يقاتلوكم في الدين ولا يخرجكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين"، فأدخلتها وقبلت هديتها وقال الله الرسول "نعم صلي أمك". كان لأسماء دورا كبيرا في مساعدة والدها الصديق في الدعوة للإسلام وشاركته عبء نشره، واكتسبا ثقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفضى إليهم بسر الهجرة التي أذن الله تعالى بها للنبي، ففي تلك الليلة زار النبي بيت أبي بكر وأخبره أن الله أذن له في الهجرة فسأله الصديق "والصحبة يا رسول الله؟ " قال النبي "الصحبة". تقول السيدة عائشة رضي الله عنها "فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ"، وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم بصحبة أبو بكر الصديق وكان لأسماء وأخيها عبد الله الدور الكبير في توصيل المعلومات والمؤن عندما وصلا الرفيقين إلى الغار، فكانت أسماء وأخيها يذهبان كل ليلة. تعرضت أسماء لإيذاء شديد واضطهاد من المشركين لتفصح عن مكان أبيها، فتقول عن ذلك "لما خرج رسول الله أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟.. فقالت أسماء: لا أدري والله أين أبي.. فقالت: رفع أبو جهل يده وكان فاحشا خبيثا فلطم خدي لطمة خر منها قرطي". تزوجت من الزبير بن العوام وأقامت معه على كفاف العيش وما أن هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حتى لحقت به وهناك وضعت ابنها عبد الله بن الزبير، وبعد طلاقها من الزبير عاشت لدى ابنها معززة مكرمة تحت أنظار النبي صلى الله عليه وسلم يرعاها ويعلمها ويدعو لها. عاشت وشهدت وفاة النبي صلى الله عليها وسلم ومن بعده أبي بكر صابرة محتسبة، وذات مرة جاءها ولدها يقول لها "يا أمه إنني أخاف إن قتلني أهل الشام أن يمثلوا بي ويصلبوني".. فأجابته قائلة "يا بني إن الشاة لا تتألم بالسلخ بعد الذبح فامض على بصيرتك واستعن بالله"، حتى قتل ولدها وصلب على باب المدينة، وبعدما أمر بإنزاله تسلمت جثته وراحت تكفنه بيدها بعد أن ذهب بصرها وصلت عليه وشيعته إلى مثواه الأخير، وأسلمت روحها للباري بعد دفن ولدها بعدة أيام.