"من يدفع للمزمار، يسمع اللحن الذي يريده".. عبارة أجازت وصف وسائل الإعلام في العالم أجمع، فمالك الوسيلة هو من يدفع لفرض اللحن على المتلقي، كما أن الإعلام هو من يتحكم فيما يجب أن يسمعه المشاهد – من وجهة نظر القائمين عليه- سواء فيما يتعلق بالدولة أو المواد الفنية المختلفة. ووفقا لمراقبون، يوجد ست شركات عملاقة تسيطر حاليا على 90% أو أكثر من صناعة الإعلام في سائر أنحاء العالم بالإضافة إلى مجموعة من أباطرة الإعلام الذين يمتلكون عدد من الشبكات الفضائية في العالم العربي. وقبل أعوام مضت، كانت حوالي 50 شركة تسيطر على الإعلام العالمي، ولكن بمرور الوقت اتجهت هذه الشركات للاندماج وتكوين إمبراطوريات عالمية لها نفوذ واسع ومصالح سياسية تؤثر في برامجها ومواقفها التحريرية التي تتخذها وسائلها، فهذه الشركات تمتلك أنشطة إعلامية مختلفة في صناعات السينما والألعاب والإعلام بكل أنواعه. أولا: أمبراطوريات الإعلام الغربي روبرت ميردوخ ميردوخ.. أكبر أباطرة الإعلام الملياردير اليهودي الأسترالي الأصل روبرت ميردوخ والملقب ب"إمبراطور الإعلام العالمي" وصاحب مؤسسة " News Corporation Australia"، ومقرها بنيويورك، أنشأها عام 1980؛ حيث بدأ ميردوخ قبل تأسيسها بشراء بعض الصحف الأمريكية وتوالت صفقاته حتى قام بشراء شركة فوكس الأمريكية الشهيرة كاملة والتي اضطر قبل شهور مضت إلى فصلها عن شركته الأصلية " News Corp". تمتلك شركته عدد من أكبر الصحف في أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية، منها التايمز، الصن، وول ستريت جورنال ونيويورك بوست، بالإضافة إلى عدد من المجلات والقنوات التلفزيونية منها قنوات Fox News بالإضافة إلى شركة th Century Fox 20، وعدد كبير من المواقع الإخبارية، ودارين للنشر. time Warner time Warner هي واحدة من الإمبراطوريات الإعلامية العالمية يترأس مكتبها التنفيذي جيفري بيكس ومقرها نيويورك، أسهها أربعة أخوة يهود هاجروا من بولندا إلى أمريكا، في بدايات القرن الواحد والعشرين اندمجت شركتهم مع شركة أمريكا اونلاين لخدمات الإنترنت، إلا أن مؤسسوها انفصلوا عن الأخيرة فيما بعد تحديدا عام 2009 بسبب الخسائر المادية. تمتلك "time warner " أربع شركات منها مجموعة الصندوق المنزلي التي تعد أكبر منتج للبرامج التلفزيونية في العالم ويشمل إنتاجها المسلسلات التليفزيونية الدرامية والتاريخية والوثائقية، وشركة "تيرنر" للبث وهي المدير لشبكة قنوات CNN الإخبارية وعدد كبير من القنوات الأخرى. وتصدر مجموعة تايم للنشر مجلة TIME أشهر المجلات الأسبوعية في العالم وعدد كبير من المجلات المتنوعة المتخصصة في مجالات أخرى مثل الرياضة والاجتماع والأعمال ومجلات وكتب أخرى، بالإضافة إلى مجموعة " warner bros" الترفيهية المتخصصة في إنتاج الأفلام مقرها كاليفورنيا، وأحد أكبر ستة استديوهات في العالم ومنتجة لأشهر الأفلام منها سلسلة هاري بوتر ومملكة الخواتم. وفي فبراير الماضي، أعلنت شركة "كومكاست" لخدمات البث عبر الكابل في أمريكا، أنها بصدد شراء شركة "تايم وارنر كيبل" مقابل 45.2 مليار دولار، وبذلك كانت ستمتلك الشركات أكثر خدمة البث التلفزيوني لنحو 30 مليون مشترك، بما يعادل نحو 30 في المائة من سوق التلفزيون المدفوع الأجر في البلاد. ثانيا: إمبراطوريات العالم العربي الوليد بن طلال أما في العالم العربي، لم يختلف الأمر كثيرا، فقد مثّل الأمير السعودي الوليد بن طلال، العربي الأول في قائمة أثرياء العالم، أحد أباطرة الإعلام العربي بمجموعة شركة روتانا الإعلامية أحد أكبر القنوات العربية وله حصة في شبكة قنوات LBC اللبنانية وفوكس العربية، كما انه يمتلك أسهم في تايم وورنر و"نيوز كوربوريشن" التابعة لميردوخ والأخير له أيضا حصة في قنوات روتانا. وفي عدد نشرته مجلة فوربس الاقتصادية، قدرت ثروة الوليد بن طلال بقيمة 20 مليار دولار، واحتل على إثرها المركز 26 في قائمة أثرياء العالم، بالإضافة لدخوله شراكات مع عديد من أباطرة الإعلام في أوروبا وعلى رأسهم رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني بنسبة 10% في إمبراطوريته الإعلامية، وعدد من القنوات الألمانية المتخصصة. وليد البراهيم وليد البراهيم وإمبراطورية mbc "Mbc".. أول شبكة قنوات فضائية مفتوحة تم تأسيسها عام 1991 لمالكها وليد آل إبراهيم، والذي يمتلك أيضا قناة العربية الإخبارية، والتي بدأت بثها في البداية من لندن ثم عام 2002 وانتقلت للبث من مدينة دبي للإعلام بعد ذلك. تضم الشبكة حوالي 10 قنوات متخصصة في الأفلام الأجنبية والكارتون والمسلسلات والفارسية والمنوعات والأفلام الهندية وقناة خاصة بمصر، بالإضافة إلى عدة مواقع ترفيهية وقناة العربية الإخبارية. شبكة قنوات الجزيرة تعد شبكة الجزيرة من أكبر الشبكات الإخبارية العربية والتي بدأت عام 1996، بمنحة مقدمة من أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني، والتي اكتسبت اهتماما عالميا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 فكانت القناة الوحيدة التي تغطي الحرب على أفغانستان مباشرة وتبث مقاطع فيديو لزعيم القاعدة السابق "أسامة بن لادن" من خلال مكتبها هناك. تضم الشبكة حاليا حوالي 10 قنوات منها الجزيرة الأم والجزيرة مباشر والوثائقية والإنجليزية بالإضافة إلى قناة للأطفال وقنوات متخصصة للرياضة. قنوات cbc في غضون شهور قليلة، صارت مجموعة قنوات cbc أحد أكبر -إن لم تكن أكبر بالفعل- مجموعة قنوات فضائية في سوق الإعلام المصري والتي انطلقت بعد ثورة 25 يناير، فلم يكن محمد الأمين رجل الأعمال مالك تلك المجموعة معروفا، وبدأت شبكته تتوسع من مجرد قناة فضائية عامة إلى عدد من القنوات المتخصصة في الدراما والأخبار وقناة خاصة بالمطبخ ثم مؤخرا قناة للمنوعات وهي cbc two. يمتلك الأمين أيضا قنوات بانوراما ومودرن والتي اتخذ الأمين قرارا بإغلاق الأخيرة، بالإضافة إلى أن أصدر بعدها جريدة الوطن والتي يترأس تحريرها مجدي الجلاد، وتعبر وسائله الإعلامية في الوقت الحالي عن مواقف مؤيدة لسلطة ما بعد 30 يونيو وكانت أحد أبرز مهاجمي حكم الرئيس السابق محمد مرسي. ساعد على انتعاشها إعلاميا، ظهور الإعلامي الساخر باسم يوسف وبرنامجه "البرنامج" على إحدى شاشاتها، والذي شن منه هجوما لاذعا على حكم الإخوان المسلمين إلا انه بعد عزله تم إنهاء عقد "البرنامج" وتوقف بعدها ليعود على قناة mbc مصر حتى انتهت مسيرة البرنامج قبل أسبوع مضى بإعلان باسم يوسف النهاية. السيد البدوي السيد البدوي وشبكة قنوات الحياة يعد السيد البدوي رئيس حزب الوفد أحد أكبر أباطرة الإعلام المصري، حيث تحتل شبكة قنوات "الحياة" المملوكة له قمة قائمة القنوات ذات المشاهدة العالية منذ أكثر من 5 سنوات، وبها عدد من القنوات المتنوعة للمسلسلات والأفلام والرياضة بالإضافة إلى جريدة الدستور التي يرأس مجلس إدارتها حاليا "رضا إدارود" وجميعهم من الأصوات المؤيدة للنظام. تأتي في مراتب تالية للحياة، شبكة قنوات النهار وon tv لمالكها رجل الأعمال نجيب ساويرس والذي يمتلك حصة في جريدة المصري اليوم، وشبكة قنوات دريم لمالكها أحمد بهجت رجل الأعمال، وحسن راتب الذي يرأس شبكة قنوات المحور. الحياد الإعلامي أمر محال وعن قضية التزام الشبكات الإعلامية جميعها بالحياد، علق عدد من أساتذة الإعلام في تصريحات لشبكة الإعلام العربية "محيط"، بأن تحقيق الحياد الإعلامي بنسبة مئة بالمئة "أمر محال" بسبب تبعية هذه الوسائل، لأسباب عدة أبرزها نفوذ وسياسات سواء من الدولة للإعلام القومي أو من سيطرة رأس المال في الإعلام الخاص "غير المستقل" بسبب تبعيته لرجال الأعمال وبالتالي فهو يخدم مصالحهم. فمن جانبها، أكدت الدكتورة عواطف عبد الرحمن أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن الاحتكارات العابرة للقارات تحدث سيطرة لدول الشمال بسبب عدم وجود شركات أفريقيا عملاقة، منوهة إلى أن هذه الشركات هي أحد أدوات الهيمنة والاختراق الغربي لدول العالم الثالث؛ حيث تروج لقيم استهلاكية وثقافية تهدد الثقافة الوطنية القومية للدول الإفريقية، وكذلك تخلق أنماط سلوكية استهلاكية وليست إنتاجية، وحولت وسائل الإعلام إلى أدوات للطبقات المسيطرة على الشركات العملاقة لنشر أهدافها ومضامينها الرأسمالية المعادية للديمقراطية والعدالة الاجتماعية، بحسب قولها. وقالت الدكتورة عزة عزت أستاذ الإعلام بجامعة المنوفية، إن "صناعة الإعلام في الوقت الحالي صناعة عملاقة ومكلفة ولا أحد يقدم إعلام محايد وموضوعي أو مستقل فهذه الشركات يملكها رجال أعمال لهم مصالحهم وقناعاتهم والتي لن يسمحوا لأحد أن يقدم ما يتناقض معها". وأوضحت أستاذ الإعلام أن مواجهة ذلك يكون من خلال طريقتين؛ إما تقوية الإعلام الحكومي الرسمي الذي هو ملك للشعب ليعبر بصدق عن الوضع دون محاباة أو تضليل أو إيجاد شكل آخر للملكية من خلال شركات مساهمة يمتلكها مجموعة أفراد أو شباب وطني وليس مستثمرين لتكون عنصر منافس في مواجهة رجال الأعمال. وأضافت عزت أنه لفترة طويلة انبهر الكثير بالإعلام الغربي باعتباره قلعة من قلاع الحرية ومتنوع في وسائله وإصداراته من الكتب والمجلات والصحف، وأن المواطن في الغرب لديه حرية في الاختيار، لكن كل ذلك مخالف للحقيقة فهي كلها وجهات متعددة لمضمون واحد وشركات عابرة للقارات تقدم أكاذيب لخدمة مصالح رأس مال المالك، والتي تتعارض في الغالب مع صورة الإسلام والقيم العربية العريقة. الحياد غير مطلوب "أي وسيلة لديها معايير وقرارات لانتقاء ونشر أو عدم نشر مادة معينة وهنا الحياد المطلق غير موجود وبل غير مطلوب".. هكذا أعرب الدكتور محمود علم الدين أستاذ الصحافة بجامعة القاهرة، عن وجهة نظره، مؤكدا أن الاقتصاد السياسي موجود وله تأثير على الوسائل التي قد تكون ذراع سياسي لمالكها تدعم أنشطته السياسية والاقتصادية وصورته الذهنية. وأشار علم الدين إلى أن سيطرة الشركات العملاقة والإمبراطوريات الإعلامية الأمريكية على الإعلام والإعلانات وبحوث التسويق والإنتاج التلفزيوني له آثار اجتماعية وثقافية على الناس أثبتتها البحوث والدراسات، مضيفا أن هناك ضرورة لتنظيم الإعلام تحت هيئة تنظيم الإعلام أو المجلس الوطني للإعلام للإشراف على إصدار الصحف والقنوات ووضع آليات لتنظيم المنظومة برمتها. وطالب علم الدين بضرورة منع الاحتكار الإعلامي بسن قوانين تحدد نسبة معينة للشركات في ملكيتها للوسائل ولا تتجاوزها، وتطبيق مواثيق الشرف الإعلامية وكذلك وضع آليات لتنظيم العمل الذاتي والمسائلة والشفافية وأن تكون كل الوسائل قابلة للمسائلة، وتفعيل مواد الدستور الخاصة بتنظيم العمل الإعلامي.