شخصيات درامية، تمثل روح ومعنى وحالة، تفرضها المرأة في لوحات الفنانة عقيلة رياض، التي عرضتها مؤخراً في قاعة "الباب" بمتحف الفن الحديث تحت مسمى "مصرية على مر العصور"، لم تختزل الفنانة عظمة المرأة المصرية ومكانتها عبر العصور فقط، بل اتخذت المرأة كرمز للأمة المصرية التي كادت أن تخطتف في رأيها خلال الفترة الماضية. 24 لوحة بحجم كبير، اظهرت المرأة في مصر على مر العصور، منذ المرأة الفرعونية التي حكمت مصر وحتى امرأة اليوم. عصور تتلو عصور، ومازالت المرأة تحتفظ بمكانتها الفريدة بين سيدات العالم، فلا أحد ينكر أن أول امرأة حكمت البلاد في العالم القديم كانت مصرية، واظهرت براعتها ونجاحها في الحكم، كما مثل عصر الملكة "حتشبسوت" التي شيدت فيه المعابد أزهى عصور مصر في التبادل التجاري في العالم القديم. تتوقف الفنانة عقيلة رياض عند نماذج مصرية أصيلة لتصورها في لوحاتها الأربعة والعشرون، والتي تنقسم اللوحة في كثير من الأحيان عندها إلى عدة لوحات متصلة بعضها ببعض. وبدأت الفنانة لوحاتها بتصوير العائلة الملكية "اخناتون ونفرتيتي" مستخدمة ألوان مذهبة والتي اشتهر بها المصري القديم، وعلى الرغم من أن الفنانة اشتهرت بأعمالها عن المصري القديم وبخاصة المرأة إلا أننا نجدها تنتهج أسلوباً جديداً في تناول أعمال هذا المعرض بخلاف ما كانت تنتجه من قبل، فعند حضورنا المعرض توقعنا على الأقل أن تعرض الفنانة بعض من لوحاتها عن المرأة التي انتجتها من قبل، ولتكن لوحات الموسيقى والرقص التي ابدعتها في معرضها الأخير عن المرأة الفرعونية، إلا أننا شاهدنا أعمالاً جديدة في هذا المعرض حتى تلك الأعمال الفرعونية التي اكتسبت سمات جديدة لفنها في العرض. فحتى الموتيفات الزخرفية التي زينت بها أثواب المرأة لم تكن نفسها التي استخدمتها من قبل، وكذلك خلفية اللوحات، إلا أنها مازالت محتفظة بتلك الملمس التي تحضره بنفسها في توال العمل ويستغرق منها وقتاً طويلاً حتى تتقنه بأسلوب فريد ميزها عن باقي فناني جيلها. "ملكة من البطالمة" كانت لوحة أخرى من لوحات عقيلة عبرت خلالها عن المرأة في تلك الفترة، ثم جاءت ب"ملكة من العثمانيين"، وانتلقت من بعدها للقرن السادس عشر لتعبر عن انطلاق الفنون في عصر النهضة، والتي أثرت على توثيق أعمال للمرأة في تلك الفترة فرسمت لوحتين عن "عازفة القرن السادس عشر"؛ لتجسدها وهي تعزف على آلتها في حالة حالمة توحي ببراعتها في العزف. ثم عبرت الفنانة عقيلة رياض عن المرأة في عصر "محمد علي"، فرسمت العائلة الملكية العلوية "أسرة محمد علي"، وصورت مجموعة من السيدات يرتدن ملابس فاخرة شديدة الأناقة وكل منهن تتوج بتاج وترتدي الحلي الفاخر المصنوع سواء من الماس أو من الأحجار الكريمة دلالة على الغنى الفاحش لأسرة محمد علي في تلك الفترة، وتعبيراً عن تدليل المرأة وثرائها ورخاءها. كما عبرت الفنانة عن مصر في عدد من لوحاتها وسمت إحداهما "مصر عروس"؛ حيث جسدتها في صورة امرأة ترتدي زي الزفاف، أو فساتين "السواريه"، فدوما ما عبر الفنانين التشكيليين عن مصر في صورة امرأة، وليكن تمثال "نهضة مصر" خير مثال على ذلك حينما أبدع الفنان محمود مختار رائعته وجسد خلالها امرأة تمثل مصر تدلي بيدها على رأس أبو الهول الذي يحاول أن ينهض. ولم تكتفي الفنانة عقيلة بتصوير المرأة العازفة، بل تناولتها في عدة لوحات وهي ترقص وتحمل عنوان "راقصة". وصورت أيضا المرأة في عصر السبعينيات، واسمت لوحتها التي تنقسم إلى عدة لوحات "بنات السبعينيات"، التي ارتدن الملابس الأنيقة التي تشتهر بها تلك الفترة من فساتين ذات ألوان زاهية ومبهجة تبرز مفاتن المرأة. ولو عدنا لمراحل الفنانة عقيلة رياض وبداياتها سنجد أنها كانت تعشق الرسم منذ كانت في سن الطفولة، وعلى الرغم من صغر سنها إلا انها أدركت وقتها أنها ستلتحق بكلية الفنون الجميلة؛ ولذلك دخلت الكلية بالإسكندرية وتميزت بها حتى تخرجت منها بتقدير جيد جداً. تأثرت بعد ذلك بمدينة "الأقصر" حينما كانت تقوم بزيارتها في رحلات الكلية مع زملائها؛ حيث كانت تزورها كل عام، ومازالت لا تفقد هذا التأثر حتى الآن، فهي تهوى هذا المكان بآثاره وحضارته العريقة؛ ولذلك فضلت أن تقدم في مشروعها بمرحلة البكالوريوس موضوعاً تجريدياً مستوحى من موتيفات المصري القديم، فمن هنا بدأت حياتها الفنية وممارستها للإبداع. وكانت الفنانة لم تهتم في البداية برسم الأشخاص، بل كانت تعتمد في لوحاتها على رسم تلك الموتيفات الفرعونية القديمة، كما كانت تضيف على اللوحة بعض الخامات الطبيعية كاستخدامها للقماش، ثم توقفت فترة عن الرسم، ولكنها قررت بعد ذلك أن تستكمل دراستها في الفنون فالتحقت مرة أخرى بالكلية، وحصلت على الماجستير في الفنون الجميلة عام 1990 وكان موضوعها "التحول الديني وأثره على فن التصوير في عهد أخناتون"، ثم أتت إلى القاهرة وحصلت على دكتوراه الفلسفة في الفنون الجميلة من جامعة حلوان، وكان موضوعها "القيم الفنية للرسوم على القطع الحجرية والفخارية في الفن المصري القديم"، ومنذ تلك الفترة وهي تعيش في القاهرة. أثناء تلك المرحلة بدأت رسم الأشخاص، التي أخذت أيضا شكلاً فرعونياً ولكن برؤية جديدة ومجردة أحيانا، فهي متأثرة تماما بتاريخها ليس على مستوى الفن التشكيلي فقط، بل على صعيد الفنون الأخرى كالسينما وقراءة القصص التاريخية في طفولتها التي أثرت خيالها؛ حيث تتخيل حين ترسم أشياء من هذا العصر تقوم بتناولها، أو تدمج بين القديم والجديد على سطح اللوحة. اللوحة عندها تمر بالعديد من المراحل، أولها التحضير الذي يعد أهم مراحل اللوحة؛ حيث تقوم الفنانة بذلك بأسلوب خاص جداً مستخدمة الخامات الطبيعية كالغراء والسبيداج اللذان يعطيا اللوحة ملمساً مميزاً بشكل عفوي، كما لم يكن سطح اللوحة أبيض اللون كأغلب اللوحات المجهزة للرسم. بعد مرحلة التحضير الأولى تقوم الفنان بالرسم مستخدمة أصابع الفحم، حتى تستقر على الرسم التخطيطي للتكوين، ثم تثبته، وبعد ذلك تقوم بتلوين اللوحة بالألوان الزيتية أو الأكريليك، وتبدأ في تحضير اللوحة للمرة الثانية لتحدد خطوطها من جديد، فتمحو ما رسم عليها عدا خطوطاً وألواناً قليلة تريد تأكيدها وإظهارها، وإذا لم تستقر على الشكل الذي يرضي قناعتها تقوم بتحضير اللوحة مرة أخرى من جديد، كما أنها لم ترسم اسكتشات قبل أن تبدأ في رسم اللوحة، بل ترسم عليها مباشرا بعد تحضيرها. اللون بالنسبة لها حالة، فأحيانا يظهر شحيحاً لو كانت اللوحة تستدعي ذلك، وأحيانا أخرى يكون واضحاً حسب الموضوع والتكوين حيث يأخذ حس المصري القديم. أما في هذا المعرض فقد اختلف اللون وأصبح أكثر نضجاً، كما اتخذت الوجوه ملامح أخرى ليس كما تعودنا عليها بتصوير وجوه المصري القديم. بعد ذلك دخلت الفنانة في مرحلة جديدة، هي إضافة الموتيفات الفرعونية القديمة لشخوصها كي تستخدمها في زخرفة اللوحة. ويعد هذا المعرض الذي انتجته الفنانة عقيلة رياض توثيق لدور المرأة المصرية البارز على مر العصور، والتي استطاعت من خلال فرشاتها وألوانها أن تتحدى كل من تسول له نفسه أن يتجاهل دور المرأة أو يقلل من شأنها، والتي كانت فعالة ومؤثرة على مر العصور وستظل إلى الأبد.