عبد الجابر رئيسًا.. تعرف على نتيجة انتخابات نادي القضاة بالمنيا    سفراء التميز.. برنامج تدريبى لمعاوني أعضاء هيئة التدريس المبعوثين للخارج بمعهد إعداد القادة    رئيس الطائفة الإنجيلية يهنئ قداسة البابا تواضروس بعيد القيامة المجيد    «أبو الغيط»: جريمة الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا لا يمكن تحمله على أوضاع العمال في فلسطين    انطلاق دورة مهارات استلام بنود الأعمال طبقا للكود المصري بمركز سقارة.. غدا    تراجع سعر الذهب مع بداية تعاملات السبت    صندوق النقد الدولي يتوقع ارتفاع نمو الاقتصاد المصري إلى 5.5% على المدى المتوسط    إزالة فورية للتعديات ورفع للإشغالات والمخلفات بمدن إدفو وأسوان والرديسية وأبوسمبل    توريد 27717 طن قمح لشون وصوامع البحيرة    زلزال بقوة 4.1 ريختر يضرب تركيا    شؤون الأسرى: ألف أسير فلسطيني أصيبوا في سجون الاحتلال جراء الانتهاكات    "الفرصة الأخيرة".. إسرائيل وحماس يبحثان عن صفقة جديدة قبل هجوم رفح    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    السفير البريطاني في العراق يدين هجوم حقل كورمور الغازي    "الأول في الدوري الإنجليزي".. محمد صلاح ينتظر رقما قياسيا خلال لقاء وست هام    يوفنتوس يستضيف ميلان في الدوري الإيطالي.. الموعد والتشكيل والقناة الناقلة    طارق يحيى: المقارنة مع الأهلي ظالمة للزمالك    حريق العاصفة.. خروج المصابين في انفجار أسطوانة بوتاجاز بالأقصر    منع رحلات البالون الطائر من التحليق في سماء الأقصر بسبب الطقس    وزارة الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق    "كل راجل ليلتين".. ميار الببلاوي تنهار من البكاء وتتعرض للإغماء بسبب داعية ديني    دعما لمهرجان أسوان ل المرأة 2024.. 3 صانعات أفلام مصريات تزرن هوليوود (تفاصيل)    «حاربت السرطان 7 سنوات».. من هي داليا زوجة الفنان أحمد عبدالوهاب؟ ( فيديو)    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    استاذ الصحة: مصر خالية من أي حالة شلل أطفال منذ 2004    «اللتعبئة والإحصاء»: 192 ألفا و675 "توك توك" مرخص في مصر بنهاية عام 2023    اليوم.. استئناف محاكمة المتهمين بقضية تنظيم القاعدة بكفر الشيخ    تفاصيل جريمة الأعضاء في شبرا الخيمة.. والد الطفل يكشف تفاصيل الواقعة الصادم    نظام امتحانات الثانوية العامة في المدارس الثانوية غير المتصلة بالإنترنت    الإمارات تستقبل 25 من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان    قبل 3 جولات من النهاية.. ماهي فرص "نانت مصطفى محمد" في البقاء بالدوري الفرنسي؟    بعد بقاء تشافي.. نجم برشلونة يطلب الرحيل    أول تعليق من الإعلامية مها الصغير بشأن طلاقها من الفنان أحمد السقا    برج الثور.. نصيحة الفلك لمواليد 27 أبريل 2024    زلزال بقوة 4.1 درجة يضرب شرق تركيا    هيئة كبار العلماء: الالتزام بتصريح الحج شرعي وواجب    متى يحق للزوجة الامتناع عن زوجها؟.. أمين الفتوى يوضح    السبت 27 أبريل 2024.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت اليوم    وزارة الصحة: 3 تطعيمات مهمة للوقاية من الأمراض الصدرية    إطلاق قافلة طبية بالمجان لقرية الخطارة بالشرقية ضمن مبادرة حياة كريمة    علي جمعة: الشكر يوجب على المسلم حسن السلوك مع الله    سياسيون عن ورقة الدكتور محمد غنيم.. قلاش: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد.. النقاش: تحتاج حياة سياسية حقيقية.. وحزب العدل: نتمنى من الحكومة الجديدة تنفيذها في أقرب وقت    كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية    المتهم خان العهد وغدر، تفاصيل مجزرة جلسة الصلح في القوصية بأسيوط والتي راح ضحيتها 4 من أسرة واحدة    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    استقرار أسعار الذهب في بداية التعاملات يوم السبت 27 أبريل 2024    بعد ارتفاعها.. أسعار الدواجن اليوم 27 أبريل| كرتونة البيض في مأزق    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    حكم الشرع في الإسراع أثناء أداء الصلاة.. دار الإفتاء تجيب    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    الأهلي ضد الترجي.. نهائي عربي بالرقم 18 في تاريخ دوري أبطال أفريقيا    يسرا اللوزي تكشف سبب بكائها في آخر حلقة بمسلسل صلة رحم.. فيديو    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    %90 من الإنترنت بالعالم.. مفاجأة عن «الدارك ويب» المتهم في قضية طفل شبرا الخيمة (فيديو)    رسميا| الأهلي يمنح الترجي وصن داونز بطاقة التأهل ل كأس العالم للأندية 2025    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاختراق الاسرائيلى لافريقيا.. من الجذور الى سد النهضة
نشر في محيط يوم 16 - 03 - 2014

* تعيش مصر هذه الأيام سلسلة من الأزمات السياسية والاقتصادية الطاحنة ، إلا أن أخطر هذه الأزمات فى تقديرنا هى أزمة بناء السدود الكبرى (حوالى ستة سدود) على النيل فى دول المنبع وتحديداً فى أثيوبيا (التى شرعت فى بناء سد النهضة و4 سدود أخرى) وأوغندا التى أعلن رئيسها البدء فى بناء أكبر سد فى أفريقيا على مياه النيل فضلاً عن توقيع تلك الدول لاتفاقية عنتيبى التى ستحرم مصر من استلام كامل حصتها المائية (56 مليار متر مكعب) وستعيد توزيعها على أسس جديدة ، هذه الأزمات المائية ستؤدى إلى خسائر كبيرة فى الزراعة ومياه الشرب والكهرباء والسياحة وعشرات المجالات الأخرى المرتبطة بنهر النيل؛ ولأن الأمر كذلك فلابد أن نبحث عن الأسباب الحقيقية للأزمات ونحاول حلها خاصة مع الانشغال الوطنى الداخلى بالصراع الدامى حول السلطة بعد عامين على ثورة يناير 2011 .
* إن المتأمل لهذه الأزمة (أزمة المياه ونهر النيل) وتأثيراتها المستقبلية ، والباحث عن جذورها سيكتشف أن لإسرائيل دور رئيسى فيها ، وذلك لحاجتها الملحة إلى المياه ، وأن ضغطها على مصر خلال السنوات الماضية منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام (1979) كان بهدف الحصول على جزء من مياه النيل فضلاً عن خلق حزام أمنى يحاصر مصر أفريقياً ، فكان الدور الخبيث والسرى للضغط على مصر من خلال دول حوض النيل ال8 المشاركة فى مياه هذا النهر .
* إن دور إسرائيل فى اختلاق وتوظيف هذه الأزمة كبير وخطير ، بل لا نبالغ إذا قلنا أنها رأس الأفعى فى هذا المخطط كله ، وهو دور كما سبق وكتبنا فى مقال سابق ، يحتاج إلى مواجهة استراتيجية تقوم على دعم حركات المقاومة الفلسطينية بالسلاح والمال والسياسة من جهة ثم الاتجاه جدياً إلى تعديل معاهدة السلام التى تربط مصر بها منذ 1979 من جهة ثانية، وإذا ما بدأت مصر فى انتهاج هذه الاستراتيجية فإنها بالتأكيد ستؤثر إيجابياً على حل أزمة سد النهضة وكل السدود الجديدة القادمة من أثيوبيا أو أوغندا أو غيرهما .
* إن الدور الإسرائيلى فى أزمة مياه النيل الحالية يفتح ملفاً أوسع وأخطر مطلوب من (مصر- الثورة) أن تلتفت إليه ، وتهتم به وهو ملف الاختراق الإسرائيلى لدول القارة الإفريقية ؛ فهذا الاختراق خطير للغاية ويستهدف فى المحصلة النهائية ضرب الأمن القومى المصرى والعربى فى أعز ما يملك وهو دائرته الاستراتيجية الإفريقية .
ولفتح هذا الملف دعونا نذهب إلى الجذور لكى نجيب عن سؤال : كيف اخترقت إسرائيل القارة الإفريقية ، وكيف نمت وتطورت العلاقات بين العدو الصهيونى ودول القارة ، إلى الحد الذى أصبحت فيه هذه العلاقات كنزاً استراتيجياً لإسرائيل فى مواجهتها لمصر وللعرب كافة؟.
***
* يحدثنا التاريخ والدراسات العلمية المتخصصة أن العلاقات الإسرائيلية الأفريقية قديمة ولكنها لم تشهد ازدهاراً حقيقياً إلا مع إعلان تأسيس الكيان الصهيونى عام 1948 وما استتبعه من استراتيجية إسرائيلية توسعية تستهدف الانتشار عبر القارات الثلاث وتوظيف الإمكانات والعلاقات والجاليات اليهودية من أجل أهداف أساسية تخدم على مصالح الكيان الإسرائيلى .
وترجع العديد من المصادر التاريخية الموثوقة ازدهار العلاقات الإسرائيلية – الأفريقية إلى بداية الخمسينيات ، حين عاشت هذه العلاقات ربيعها المزدهر ، حيث كان لإسرائيل علاقات دبلوماسية بدول القارة كافة ، عدا الدول العربية – الأفريقية ، حتى حرب 1967 ، والذى أدى العدوان الإسرائيلى على مصر وسوريا والأردن ، واحتلال أراض واسعة من هذه الدول ، إلى تغيير صورة إسرائيل ، من دولة فتية ومسالمة ، فى نظر الأفارقة، إلى دولة قوية عدوانية وتوسعية . هكذا شكلت حرب 1967 بداية مراجعة لدى بعض الدول الأفريقية ، وبداية مسار لقطع العلاقات شمل آنذاك أربع دول فقط هى : غينيا ، وأوغندا ، وتشاد ، والكونغو- برازفيل .
أما الدول الأفريقية الأخرى ، فقد استمرت فى علاقتها بإسرائيل حتى نشوب حرب 1973. لقد كانت إسرائيل ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع 31 دولة أفريقية قبل حرب أكتوبر عام 1973 ، ويمكننا أن نصنف العلاقات التى كانت تربط إسرائيل بالدول الأفريقية قبل هذا التاريخ إلى ثلاث مراتب هى :
أولاً : دول لا تعترف أصلاً بإسرائيل ، وهى الصومال وجيبوتى ، وموريتانيا ، ومجموعة دول شمال أفريقيا العربية والسودان.
ثانياً : دول قطعت علاقاتها مع إسرائيل بعد تأكدها أن إسرائيل تريد الحرب وإن كانت تتظاهر بالسلام ، وأنها لا تهتم بوجهة النظر الأفريقية لحل مشكلة الشرق الأوسط ، وأنها خدعت لجنة الحكماء الأفريقيين وكانت حرب أكتوبر 1973 خاتمة المطاف .
ثالثاً : دول على علاقات وثيقة ومرتبطة بها تماماً ، وهى جنوب أفريقيا ورودسيا الجنوبية ، وقد زاد عدد الخبراء الإسرائيليين الذين أرسلوا إلى البلاد الأفريقية من 25 خبير عام 1958 إلى 406 عام 1966 ، ثم إلى 1000 خبيراً عام 1972 ، وكان من بين 14 ألف طالباً أجنبياً تلقوا تدريبهم فى إسرائيل فى الفترة من عام 1958 حتى عام 1971 ، حوالى 7 آلاف من الأفريقيين .
وفى مستعمرة أنجولا البرتغالية قبل الاستقلال ، كان يشترك المدربون والمستشارون الإسرائيليون فى الحرب ضد رجال العصابات .
وفى نيجيريا وقفت الحكومة الإسرائيلية إلى جانب انفصال إقليم " بيافرا " الذى كان يعتمد على شركات البترول والإمبريالية .
*** ويحدثنا التاريخ أن وجهاً آخر لإسرائيل ميز علاقاتها بأفريقيا قبل 1967 ، هو الدور الذى لعبته المنظمات اليهودية التى يسيطر عليها الصهيونيون فى جنوب أفريقيا ، ذلك أن الطائفة اليهودية فى تلك البلاد بلغ عددها 120 ألف شخص ، وهم من أكبر وأغنى الطوائف اليهودية فى العالم ، ولما كانت هذه الطائفة ذات ميول صهيونية طاغية ، فإن تبرعاتها المالية لإسرائيل أتت فى المقام الثانى بعد التبرعات القادمة من الولايات المتحدة خلال تلك الحقبة الزمنية.
* إسرائيل كانت تؤيد الحركة العنصرية فى جنوب أفريقيا – قبل إلغاء هذا النظام – تأييداً مطلقاً ؛ لأن كلا منهما قام على أساس عنصرى ، وكان لإسرائيل دور خطير فى حركة الانفصال فى كاتنجا ، ووقفت وراء حركة التمرد فى جنوب السودان بقيادة جون جارانج الذى زار إسرائيل قبل مقتله حوالى 6 مرات وحصل على دراسات فى الأمن القومى بها وكان ولايزال تمويل حركته التسليحى والاقتصادى من تل أبيب ، والواقع أن الهدف الأساسى للتغلغل الإسرائيلى فى أفريقيا قبل 1967 كان هدفاً سياسياً وإن لم تتدعم الأهداف الاقتصادية بالطبع .
ولقد كان لإسرائيل أهدافاً سياسية واقتصادية وأمنية فى القارة خلال هذه الفترة (48-1967) نوجزها فيما يلى :
1 – تأمين تأييد ، أو على الأقل ، عدم معارضة غالبية الدول الأفريقية لوجهة النظر الإسرائيلية فى المحافل الدولية .
2 – نفى الصورة العنصرية للكيان الصهيونى من خلال القيام بنشاطات إعلامية وثقافية وتقديم المعونات الاقتصادية والفنية .
3 – كسب دعم السود فى أمريكا للمواقف والمطالب الإسرائيلية على الساحة الأمريكية وذلك من خلال إقناعهم بتعاطف إسرائيل مع القضايا الإفريقية .
4 – إفشال سياسة المقاطعة العربية .
5 – زيادة الصادرات للخارج ، وبالتالى زيادة الدخل من العملات الصعبة وتقليل حجم العجز فى الميزان التجارى .
6 – فتح الأسواق الأفريقية أمام التكنولوجيا الإسرائيلية ومنتجات صناعة الأسلحة الإسرائيلية وبالتالى توفير إمكانيات أفضل لتطور تلك الصناعات وخفض تكلفة إنتاج المعدات العسكرية.
7 – الحصول على حاجة الصناعة الإسرائيلية من المواد الخام الأفريقية ، خاصة المعادن النفيسة والمعادن الاستراتيجية والنفط .
8 – استغلال الفرص الاستثمارية ، خاصة فى مجال التعدين والصناعة .
9 – كشف مدى العجز العربى عن تقديم المعونات الفنية وإمداد القارة الأفريقية باحتياجاتها من البضائع المصنعة ؛ الاستهلاكية وغير الاستهلاكية .
10 – خلق قنوات للتعاون وتبادل المعلومات بين جهاز الاستخبارات الإسرائيلية " الموساد " وأجهزة الاستخبارات فى بعض الدول الأفريقية ، وبالتالى تمكين " الموساد " من إقامة مراكز للاتصال وجمع المعلومات فيما يتعلق بنشاطات قوى التحرر الأفريقية ، ومنظمة التحرير الفلسطينية والاتحاد السوفيتى آنذاك .
11 – تقديم العون لنظام حكم الأقلية البيضاء فى جنوب أفريقيا ، خاصة فى مجال صناعة الأسلحة والتدريب العسكرى ، وذلك من أجل زيادة مقدرة وإطالة عمر نظام التفرقة العنصرية.
12 – القيام بالأعمال القذرة لصالح أمريكا وتقديم الدعم العسكرى لعملائها فى تلك القارة من منظمات وأنظمة حكم ديكتاتورية ، وهى المنظمات والأنظمة التى يصعب على الحكومة الأمريكية مساعدتها بطريق مباشر .
13 – مقاومة الوجود والنفوذ السوفيتى فى القارة الأفريقية وضرب القوى والحركات ذات التوجهات الاشتراكية .
14 – المساهمة فى خلق أسباب ومبررات دعم الاستقرار السياسى ، وتشجيع الحركات الانفصالية وضرب التوجهات الوحدوية لمنظمة الوحدة الأفريقية .
15 – المساهمة فى الجهود الرامية إلى إبقاء القارة الأفريقية ضمن مناطق النفوذ الأمريكية وتأمين خضوع مواردها وثرواتها للرأسمالية العالمية .
16 – نسف أسس ومقومات التضامن العربى الأفريقى ، وبالتالى حرمان العرب من أفريقيا كعمق استراتيجى ، سياسى واقتصادى وأمنى .
***
ولقد تمثلت وسائل التسلل الإسرائيلى سياسياً واقتصادياً إلى القارة الأفريقية خلال هذه الفترة (1948 – 1967) فى الآتى :
1 – إنشاء شركات الملاحة البحرية المشتركة .
2 – إمداد أفريقيا بالخبراء والفنيين المدنيين والعسكريين .
3 – إعطاء الدول الأفريقية قروضاً طويلة الأجل ، والقيام ببعض المشروعات الاقتصادية لتلك الدولة .
4 – منح الدول الأفريقية منحاً دراسية مجانية فى المجالين العسكرى والمدنى ، وتنفيذاً لهذه (المخططات) ، قامت إسرائيل بعمل الآتى :
أ – العناية بتحسين وسائل المواصلات الداخلية والخارجية لزيادة النقل البحرى والجوى ، تحقيقاً للأهداف التوسعية فى التسلل إلى دول أفريقيا حديثة الاستقلال .
ب – اضطرت إسرائيل نتيجة للحصار الاقتصادى العربى إلى زيادة عدد سفنها وطائراتها . فأمكن للأسطول الإسرائيلى البحرى فى عام 1959 أن ينقل حوالى 35% من مجموع النقليات الإسرائيلية المختلفة .
ج – تحسين الموانئ والمطارات وإنشاء خطوط ملاحية جديدة فى حيفا واللد بهدف الربط الجيد مع أفريقيا .
أما عن أجهزة التغلغل الإسرائيلى فى أفريقيا خلال هذه الفترة فلقد تمثلت فيما يلى :
1 – المنظمة الصهيونية العالمية ، المنبثقة عن المؤتمر الصهيونى الأول الذى عقد فى بال فى سويسرا عام 1897 .
2 – المؤتمر الصهيونى العالمى ، وهو الجمعية العامة للمنظمة ، ويقوم بانتخاب لجنة العمل والوكالة اليهودية .
3 – الوكالة اليهودية ، وقد أنشئت رسمياً عام 1926 ، وأخذت على عاتقها حل جميع المشاكل المتعلقة بالتهجير والاستعمار اليهودى لفلسطين .
4 – المؤتمر اليهودى العالمى ، وقد تأسس عام 1936 ويضم المنظمات اليهودية المنتشرة فى العالم والجماعات اليهودية الأخرى ، ومن أهدافه ضمان استمرار وحدة الشعب اليهودى ، وضمان حقوق وأنظمة ومصالح الجاليات اليهودية ، والدفاع عنها ضد أى تمييز عنصرى ، وتشجيع تنمية الحياة الاجتماعية والثقافية للجاليات اليهودية ، وتمثيل هذه الجاليات لدى المؤسسات الحكومية الدولية فى كل ما يتعلق بحياة الشعب اليهودى .
5 – اتحاد نقابات العمال الإسرائيلى " الهستدروت " ، وهو أقوى تنظيم داخل إسرائيل سياسياً وذو نشاط تعليمى وزراعى واقتصادى ، وتربطه بالاتحاد الدولى الحر للعمال علاقة وثيقة .
6 – حزب " الماباى " ، وتنبع أهميته فى عضويته فى اتحاد الأحزاب الاشتراكية الأوروبية ابتداء من عام 1929 .
7 – المعهد الأفروآسيوى ، وهو معهد يقوم بنشاط كبير فى ميدان التدريب للدارسين من أفريقيا .
8 – معهد " وايزمان " للعلوم .
***
* هذا ويحدثنا التاريخ أن العلاقات الإسرائيلية – الأفريقية خلال الفترة (1948 – 1967) ، شهدت تأسيساً مبرمجاً عبر وسائل عديدة ، ذكرنا أسماء بعضها بإيجاز وسنقوم بتفصيل أدوارها فيما بعد – وبدءاً بدول صغيرة تتشابه فى الطبيعة الاستيطانية مثل (ليبيريا) ثم أثيوبيا والتى بدأت اتصالاتها الودية بإسرائيل فى الخمسينيات ، بعلاقات تجارية مدنية عام 1952 ، وتوالت الدول وزيارات مواطنيها لإسرائيل ، حتى بلغ عدد الزوار الأفارقة ل(إسرائيل) 1500 زائر من بينهم عدد كبير من الرؤساء والوزراء والصحفيين والقياديين من أكثر من 30 دولة .
وفى الفترة من 1960 – 1969 عقدت إسرائيل أكثر من 80 اتفاقية شاملة مع الدول الأفريقية منها اتفاقيات مع غانا ونيجيريا وليبيريا والكونغو برازافيل وتوجو وجمهورية أفريقيا الوسطى وتنزانيا وداهومى وجابون وساحل العاج ومالى وغينيا والسنغال وسيراليون والكاميرون وتشاد وأوغندا ورواندا وجامبيا وبوروندى وزائير وملاجاشى .
كما أوفدت (إسرائيل) 3234 خبيراً إلى أفريقيا خلال الفترة بين 1958 – 1969 من مجموع 3500 خبير إسرائيلى عملوا فى العالم الثالث ، وخلال الفترة بين 1965 – 1975 بلغ عدد الخبراء المبتعثين لأفريقيا 3599 خبير .
وفى الفترة ما بين 1965 – 1973 أوفدت إسرائيل 1300 مستشار ومدرب من العسكريين والشرطة وكتائب الشباب الطلائعى (الناحال) للدول الأفريقية ، وسعت إسرائيل إلى إنشاء قواعد عسكرية فى بعض الدول الأفريقية موجهة بالأساس ضد الدول العربية مثل القواعد الجوية العسكرية فى تشاد والقواعد الحربية فى الحبشة وفى مصر وعلى مدخل البحر الأحمر.
وبشأن وسائل الاختراق الإسرائيلى لأفريقيا خلال هذه الفترة فلقد تمثلت فى : (الهستدروت – معهد وايزمان للعلوم) – المعهد التكنولوجى " التخنيون " – المنظمة الدولية لإعادة البناء - الجامعة العبرية (تأسست 1918 ودشنها لورد بلفور 1925 ، ويتلقى فيها الطلبة الأجانب دروساً علمية وسياسية وطبية وبدأت الجامعة عام 1966 أول دورة فى الإدارة القانونية داخل المحاكم الأفريقية) - معهد الدراسات الأفريقية بحيفا وقام بدور تدريبى عال للطلاب الأفارقة من خلال المنح الدراسية .
***
هذا وقد أبدعت الاستراتيجية الإسرائيلية فى أفريقيا أسلوباً جديداً وهاماً فى مجال تأسيس وتقوية العلاقات مع دول القارة خلال الفترة من 1948 – 1967 ، وهو أسلوب إقامة العلاقات الخاصة مع نفر من أبرز القادة الأفارقة نذكر منهم ما يلى :
1 – جومو كينياتا : أول رئيس لكينيا :
عندما استقلت كينيا وانتخبت (كينياتا) رئيساً لها أوفد الكيان الإسرائيلى جولدا مائير للاشتراك فى الاحتفالات ، واستطاعت مائير التعرف شخصياً على كينياتا وتقديم هدية شخصية له ، وكانت هذه المناسبة فاتحة لعلاقات شخصية أكثر رسوخاً فيما بعد ، فقد ساعد كينياتا المعروف بولائه للغرب وعلاقته الحميمة بالكيان الصهيونى على تغلغل النشاط الصهيونى بمختلف أوجهه فى كينيا .
2- وليام تيبمان " الرئيس الليبيرى الأسبق " :
ارتبط الكيان الإسرائيلى بعلاقات شخصية وطيدة مع تيبمان منذ عام 1948 ، ومعروف أن ليبيريا كانت أول دولة أفريقية تعترف بالكيان الصهيونى وتؤيد انضمامه إلى الأمم المتحدة . وقد نشأت هذه العلاقة بين تيبمان وزعماء العدو وخاصة ليفى أشكول وأبا إيبن وموشى دايان، وزار الكيان الصهيونى أكثر من مرة وكان من أشد المتحمسين لصداقة الكيان الصهيونى . كذلك ارتبط وليام تولبرت رئيس ليبيريا ، الذى خلف تيبمان بعد وفاته ، بنفس العلاقات ، فقد تعهد شخصياً للزعماء الصهاينة بأن صوت بلاده سيكون دائماً إلى جانب الكيان الصهيونى فى الأمم المتحدة ومؤسساتها وفى المؤتمرات الدولية ، وهذا ما حدث فعلاً .
(3) جوزيف موبوتو – رئيس زائير :
لم ينجح الكيان الإسرائيلى فى احتواء شخصية أفريقية مثل نجاحه مع موبوتو ، وهذه العلاقة مع موبوتو نشأت عندما كان يشغل منصب قائد قوات الكونغو ، وحينما وفد إلى الكيان الإسرائيلى لتلقى دورة عسكرية ، حيث حصل على أجنحة مظلى من الجيش الصهيونى ، منحه إياها الجنرال تسور رئيس أركان جيش الاحتلال الصهيونى ، وتمكن الإسرائيليون ، خلال ذلك ، من توطيد هذه العلاقة لأنهم كانوا يتصورون أن مستقبلاً زاهراً فى انتظاره وأن طمعه فى تولى السلطة سيقوده يوماً إلى القيام بمحاولة انقلابية ، وليس من المدهش أن نجد الصهاينة ينظرون إلى موبوتو كصنيع أكثر مما هو صديق حميم . على سبيل المثال يتساءل إيريل شارون وزير الحرب الصهيونى قائلاً : لماذا يستغربون تمسك موبوتو بصداقة إسرائيل وباحتفاظه بعلاقات شاملة رغم عدم وجود سفير فى كينشاسا ؟ إن موبوتو ليس صديقاً حميماً لزعماء إسرائيل السياسيين فحسب وإنما للعشرات بل للمئات من الضباط.
(4) هيلاسلاسى إمبراطور الحبشة :
نشأت العلاقة بين إمبراطور الحبشة هيلاسلاسى والكيان الإسرائيلى على أرضية تاريخية قديمة يعود عهدها إلى الماضى البعيد ، ويدعى مؤرخون صهاينة أن العلاقات الإثيوبية الصهيونية لها جوانب دينية وتاريخية ، فالحبشة كانت فى الماضى السحيق مركزاً مهماً للديانة اليهودية بعد أن اعتنق الأحباش هذه الديانة التى انتقلت من اليمن واتخذت هذه العلاقات بعداً تاريخياً آخر فى عهد الملك سليمان عندما تزوج ملكة سبأ ، (وفقاً لمعتقداتهم) ولاتزال هناك قبائل يهودية كبيرة يعرف أفرادها بقبائل " الفلاشا " تعيش فى الحبشة ، وقد بدأ أفرادها يهاجرون إلى الكيان الإسرائيلى فى الآونة الأخيرة . ومن هنا فلا غرو أن يكون تعامل الصهاينة مع هيلاسلاسى لكسب وده مختلفاً تماماً ، فالكيان الصهيونى لم يعمد إلى أسلوب الإغراء وإنما استعان بالأساطير القديمة لإثارة نوازع لدى هيلاسلاسى وقد شاهدنا آثار ذلك من خلال تركيز أرباب الدعاية للامبراطور السابق بأصله اليهودى وبالدم اليهودى الذى يجرى فى عروقه ، الأمر الذى أدى إلى إقدامه على فتح أبواب بلاده أمام النشاط الإسرائيلى وتقديم تسهيلات بحرية بل وقواعد فى ميناء مصوع وعلى السواحل الأثيوبية واستمرت العلاقات حتى بناء (سد النهضة 2013) الذى سيدمر الزراعة والكهرباء فى مصر !! .
(5) فيلكس هوفييه بوانييه رئيس ساحل العاج :
بدأت العلاقة مع بوانييه قبل استقلال بلاده ، عندما استطاع بعض زعماء الكيان الصهيونى أن يصلوا إليه فى باريس ويقيموا العلاقات معه وبينهم شمعون بيريس واسحاق نافون ، ومنذ ذلك الوقت بدأت أواصر العلاقة الشخصية معه ومع ليوبولد سنجور وبورقيبة والملك الحسن الثانى ملك المغرب الراحل الذى كانت تربطه علاقات وثيقة بإسرائيل وبأجهزة مخابراتها وفقاً لزعم بعد الكُتاب الذين نشروا ذلك بعد وفاته وبعد حضور صفوة قادة الكيان الإسرائيلى لجنازته .
* تلك كانت سنوات التأسيس والعلاقات الإسرائيلية – الأفريقية بوسائلها وشخصياتها ومراكزها ومؤسساتها والتى استمرت منذ حرب 1948 وحتى حرب 1967 ، ولقد كان للدور المصرى بقيادة جمال عبد الناصر ، فى حصارها وإفقادها فاعليتها تأثيراً كبيراً لكن الدهاء والدأب الإسرائيلى نحو الاختراق المؤسسى والسياسى والاقتصادى للقارة السوداء ، استمر ، وأنتج ثماراً خطرة على مصر والعرب .
***
* أكدت التطورات والأحداث السياسية التى عاشتها أفريقيا خلال حقبة الستينات من القرن الماضى ، تنامى العلاقات الدافئة بين إسرائيل والعديد من الدول الأفريقية ، إلى الحد الذى بلغ فيه عدد الدول التى أقامت علاقات دبلوماسية معها 32 دولة فضلاً عن تمثيل قنصلى فخرى مع خمس مناطق أخرى كان معظمها ماتزال مستعمرات ، وبالمقابل وفى بداية عام 1967 كان ل (11 دولة أفريقية) تمثيلاً دبلوماسياً لها فى إسرائيل .
***
غير أنه وبعد حرب يونيو 1967 بدأت صورة إسرائيل تهتز فى أذهان الأفارقة ، وفى الوقت الذى كانت تحرص فيه منظمة الوحدة الأفريقية على عدم إدانة إسرائيل ، بدأت تتدرج فى التعرض لموضوع القضية الفلسطينية مطالبة إسرائيل بالانسحاب من الأراضى العربية المحتلة ، غير أنه ومع ازدياد التقارب العربى – الأفريقى ، وإزاء التعنت الإسرائيلى ، بدأت منظمة الوحدة الأفريقية تتخذ قرارات أكثر حزماً وصولاً للقرار الذى اتخذته المنظمة فى مايو 1973 الذى تضمن تحذيراً رسمياً ل(إسرائيل) بأن رفضها الجلاء عن الأراضى العربية المحتلة يعتبر اعتداء على القارة الأفريقية وتهديداً لوحدتها ، وأن الدول الأعضاء فى المنظمة تعتبر نفسها لذلك مدعوة لأن تأخذ – منفردة أو بصورة جماعية – أية إجراءات سياسية واقتصادية مناسبة لصد ذلك العدوان ، وكان هذا القرار نقطة تحول فى تطور رؤية أفريقيا للنزاع العربى الإسرائيلى ، وبعد القرار مباشرة سارعت ثمان دول أعضاء فى المنظمة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ، ثم قطعت بقية الدول علاقاتها تباعاً ب(إسرائيل) بعد اندلاع نيران القتال فى أكتوبر 1973 حتى لم يبق ل(إسرائيل) فى أفريقيا علاقات دبلوماسية إلا مع جنوب أفريقيا ومالاوى وليسوتو وسوازيلاند وبتسوانا .
أما عن الأسباب التى أدت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية الأفريقية – الإسرائيلية خلال الفترة 67-1982 فإن ثمة رأيين فى هذا الشأن : الأول : يرجعه إلى (عوامل ذاتية) تتعلق بالدرجة الأولى بتطور الوعى السياسى بطبيعة القضية الفلسطينية ونمو العلاقات العربية الأفريقية وهو النمو الذى أدى إلى حضور عربى أكثر فى أفريقيا مع كراهية متزايدة للصهاينة الأمر الذى أدى إلى قطع للعلاقات ، بينما يرى أصحاب الرأى الثانى : أن (عوامل خارجية) من قبيل تحولات المشهد السياسى الدولى المعادى لإسرائيل فضلاً عن ازدياد الاستثمارات العربية فى دول القارة وتقدم العلاقات المشتركة مع دول النفط كل هذه العوامل كانت وراء هذه القطيعة .
* لقد كان تتابع إجراءات قطع العلاقات الدبلوماسية بين عدد من الدول الأفريقية وإسرائيل بلغ حوالى الثلاثين دولة فى عدة شهور من عامى 1972و1973 شيئاً ملفتاً للمراقبين ومثيراً لعديد من التعليقات والتحليلات ، فهى "مظاهرة سياسية" بحق وهى "ظاهرة" أيضاً جديرة بالتأمل العميق للإجابة عن عديد من التساؤلات بشأنها .
***
* لقد تحمس بعضهم للحديث عن انبثاق نظام إقليمى فرعى جديد يضم العرب والأفريقيين وتعزل فيه إسرائيل ، وتابع آخرون تطور وعى الرأى العام الأفريقى بحقيقة إسرائيل أو تابع "تصاعد النفوذ العربى فى محيط العالم الثالث بصفة عامة والقارة الأفريقية بصفة خاصة بل واحتمل زيادة تبعية الدول الغربية للبلدان العربية بالنظر إلى ما تعانيه أوروبا الغربية من أزمات حادة فى مجال النفط والنقد ولن نغفل طبعاً جهد الباحثين فى متابعة تطور الموقف الأفريقى منذ عام 1967 وتطور تأثير التعنت الإسرائيلى تجاه القضية الفلسطينية التى اكتسبت قوة من حركة الكفاح المسلح الفلسطينى ، بل والإقرار الأفريقى بالنضال المشترك ضد عدو مشترك عميل لإمبريالية إسرائيل .
* ولاشك أن كل هذه التفسيرات تدخل بدرجة أو بأخرى فى فهم " المظاهرة " الظاهرة وتجيب عن بعض التساؤلات من حولها .
لقد فهمت إسرائيل من خلال الطريقة التى تمت بها عمليات المقاطعة عام 1973 ، أن ثمة رسالة من الغرب لها بالانسحاب المؤقت ، لا تقل أهمية عن تلك الرسالة التى فهمتها أوائل الستينات بشأن " التقدم السريع " فى أفريقيا لأسباب تتعلق بالمصالح العليا للمعسكر الغربى فى الحالتين ، رغم أننا لا ننكر خصوصية التكتيك الإسرائيلى وردود أفعاله الآنية ، ولذا فإن الدوائر الإسرائيلية وأجهزة إعلامها راحت تعالج أسباب الأزمة وكيفية تجاوزها دون أن يسئ ذلك لمركز إسرائيل الخاص فى القارة .وكان طبيعياً أن يبدو رد الفعل المباشر عصبياً حتى لقد وصف ذلك أحد الباحثين الإسرائيليين بأن الذين بالغوا فى وصف قوة إسرائيل فى أفريقيا مثلهم مثل الذين يبالغون الآن فى إعلان خيانة أفريقيا أو اتهامها بعدم النضج .
وراحت إسرائيل تعكس غضبها باتخاذ بعض الإجراءات المحدودة لإشعار الجانب الأفريقى بخطورة قطع العلاقة مع إسرائيل ، فسارعت بسحب عدد من خبرائها وفنييها (بلغ حوالى 126 خبيراً وفنياً) مع ترديد مبدأ عدم تقديم المساعدات الفنية بوجه خاص بدون علاقات دبلوماسية ، بل حاولت ممارسة مزيد من الضغط المباشر بسحب بعض المشروعات القائمة على عقود قصيرة المدى ، لما لها من فاعلية أكثر ، وأوقفت العمل فى 89 مشروعاً ، وتبع ذلك إبعاد بعض المتدربين الأفريقيين من إسرائيل نفسها وأصبح مفهوم إسرائيل للعالم الثالث الذى تطلعت أن تكون عضواً بارزاً فيه إلى خيبة أمل فى العالم الثالث وفى أفريقيا .
* من الواضح أنه يمكن التوفيق بين هذه الآراء جميعاً ، على اعتبار أن الدول الأفريقية ما كان لها أن تقطع العلاقات بهذا الشكل الدرامى إلا وقد تبلورت لديها قناعات هيئت لهذا القرار ، كما أنه من الصعب أن تصور من جهة أخرى أن هذا القرار اتخذ رغم أنف القوى الغربية ، فثمة تكامل وتناغم بين العوامل المختلفة ، كانت محصلتها قطع العلاقات الدبلوماسية .
إن قرار كهذا لاشك فيه قدر من المبدئية والوطنية وحالة رفض للاستعمار الجديد الذى بدأت تمثله إسرائيل فى أذهان الأفارقة ، غير أننا لا يمكن أن نعمم هذه الحالة لتشمل كل الدول الأفريقية : فبعض الزعماء الأفارقة لم تكن المبادئ دافعهم بالتأكيد لاتخاذ هذا القرار ، فمن الخطأ أن نتعامل مع الدول الأفريقية ككتلة متجانسة واحدة ، ولقد أثبتت الأيام بعد ذلك أن الكثير من الدول الأفريقية حرصت على استمرار علاقاتها بالكيان الصهيونى حتى بعد اتخاذ قرار قطع العلاقات الدبلوماسية ، ونذكر فى هذا الصدد ما قاله (يسرائيل هيرتس) نائب رئيس شعبة العلاقات الدولية فى الهستدروت أثناء حضوره مؤتمر النقابات المهنية الأفريقية الذى عقد فى لاجوس 1967 ، قال هيرتس : " إن العلاقات الدبلوماسية مع الأقطار الأفريقية ليست مهمة من أجل الاحتفاظ بعلاقات جيدة بين أفريقيا وإسرائيل : وأنه على الرغم من قطع هذه العلاقات ، فإن العلاقات الأخرى توطدت وتنامت بشكل لم يسبق له مثيل من قبل ، وعلى الأخص العلاقات الاقتصادية وهذا ما توكده الحقائق السياسية والاقتصادية عامى 1980و1981 (آخر فترة الانقطاع الكامل للعلاقات) ، ارتفعت الصادرات الإسرائيلية إلى أفريقيا 60% ، ومال الميزان التجارى إلى مصلحة إسرائيل خلال هذه الفترة ، فقد صدّرت إسرائيل إلى أفريقيا ثمانية أضعاف ما استوردته منها سنة 1981 ، وصدرت إسرائيل إلى دول أفريقيا معدات زراعية ، وأسمدة وكيماويات وأدوية ، وقطع غيار ومعدات إليكترونية واستوردت منها منتجات زراعية مثل : البن والكاكاو والخشب والقطن ، واحتفظت إسرائيل بعلاقات تجارية مع أكثر من ثلاثين دولة أفريقية ، بينما يعتبر شركاؤها الرئيسيون فى التجارة دول نيجيريا ، وكينيا ، وزائير ، وتنزانيا ، وزامبيا ، وأثيوبيا ، وساحل العاج ، وغانا . وتوازى تجارة إسرائيل مع نيجيريا وحدها نصف حجم تجارتها مع أفريقيا كلها .
كذلك كانت تدير تجارة إسرائيل مع أفريقيا شركات عامة وشبه عامة أهمها "كور ساحر– حوتس" (كور للتجارة الخارجية) ، و"ديزنغوف" و"إلداء"،وهناك شركات خاصة مثل "ناديران" و"أمكور" و"طيبع" تتفاوض مباشرة مع مختلف الدول الأفريقية،إن الدهاء السياسى والاقتصادى الإسرائيلى إذن لم يتوقف ، وإن كان قد تأثر نسبياً من جراء التطورات والضغوط العربية والدولية والأفريقية خلال الفترة 1967 – 1982،ولذا كان طبيعياً أن ينطلق الدور الإسرائيلى وبقوة بعد ذلك داخل القارة الأفريقية مستخدماً كافة الوسائل والأدوات .
***
* لقد أدت عوامل عدة ، سياسية واقتصادية وثقافية على الصعيدين الدولى والأفريقى إلى عودة العلاقات الإسرائيلية – الأفريقية إلى سابق عهدها ، بل وأقوى مما كانت قبل قطعها العام 1973 ، أما عن العوامل التى أدت إلى عودة العلاقات الإسرائيلية الأفريقية خلال الفترة 1982 – 2000 فإنها تعود إلى أن منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا على وجه الخصوص (منطقة جذب) للأقطاب الدولية المختلفة ، فالموقف الاستراتيجى ، والبعد الاقتصادى المتمثل فى النفط العربى والخامات الأفريقية ، والتقلبات السياسية المفاجئة ، كلها عوامل تجعل من هذا الجزء من العالم محط أنظار الدول الكبرى .
ولقد كان للعامل الدولى فى بداية الثمانينيات ، أكبر الأثر فى عودة النشاط السياسى الإسرائيلى المكشوف إلى أفريقيا ، ولقد تزايد الاهتمام الأمريكى مع مطلع الثمانينيات بمقاومة النشاط السوفيتى والكوبى فى القرن الأفريقى والجنوب الأفريقى ، وقد برز ذلك واضحاً فى البيانات السياسية للإدارة الأمريكية ، فقد التزمت وزارة الخارجية الأمريكية أمام الكونجرس فى 27/12/1981 " بأن التعاون على نطاق أكبر فى مجال الأمن سيزيد كثيراً من الثقة التى يوليها (أصدقاؤنا المحليون) للولايات المتحدة ثم يعدد وزير الخارجية الأمريكى أشكال تحرك بلاده ، فيحددها ب " التعاون مع باكستان من أجل أفغانستان ، ومع تركيا لمحاصرة التوسع السوفيتى ، ثم التعاون مع الأصدقاء لمواجهة نشاطات ليبيا فى أفريقيا ، ثم العمل مع (إسرائيل) الحليف الاستراتيجى الذى تلتزم بأمنه وتفوقه النوعى والعسكرى .
كان استئناف العلاقات بين ساحل العاج وإسرائيل أهم تطور على صعيد التحرك الصهيونى الجديد إلى القارة الأفريقية والعلاقات الإسرائيلية الأفريقية ، فلقد جاءت تلك الخطوة ثمرة جهود تبذلها إسرائيل منذ سنوات للعودة إلى القارة الأفريقية عن طريق الباب،بواسطة استئناف العلاقات الدبلوماسية وعدم الاكتفاء بالعودة عبر (النافذة) من خلال النشاط الاقتصادى.
وهذه الجهود ينبغى النظر إليها من زاوية ذلك التحرك الذى تتداخل فيه العوامل السياسية والاقتصادية والعسكرية ، والهادف فى النهاية إلى إعادة شبكة العلاقات مع القارة الأفريقية إلى ما كانت عليه قبل قطعها عام 1973 وربما توسيعها وتطويرها .
ومن هنا يمكن أن نفسر النشاط الدبلوماسى المحموم الذى بدأته الأوساط الإسرائيلية فى الفترة الأولى من الثمانينات ، وبعد توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 على صعيد الاتصالات المباشرة مع عدد من الأقطار الأفريقية ، فهذا النشاط يندرج ضمن تلك الجهود الهادفة إلى دفع دول أفريقية أخرى إلى استئناف علاقاتها مع إسرائيل لتحذو بذلك حذو زائير وليبيريا وساحل العاج ، وكان منطقياً أن تكون موريتانيا هى آخر حلقة فى سلسلة متواصلة من الحلقات التى بدأت عام 1982 ولم تنته فى أكتوبر 1999 موعد إقامة العلاقات السياسية الكاملة بين موريتانيا وإسرائيل والتى مثلت صدمة لدى الرأى العام العربى .
***
* وقبل الولوج إلى تفاصيل العودة الإسرائيلية إلى أفريقيا ، من المهم أن نشير بداية إلى أنه إذا كان الحضور السوفيتى فى أفريقيا قد شكل عاملاً معوقاً ومعرقلاً للمجهودات الأمريكية لاختراق القارة الأفريقية وربطها بعجلتها فإن الوجود الإسرائيلى شكل ولايزال يشكل عامل تسهيل وتيسير لهذه المجهودات والمحاولات وهذا ليس بالأمر المستغرب .
فمن نافلة القول الحديث عن تطابق المصالح الأمريكية الإسرائيلية وعلى قاعدة هذه المصالح المشتركة والمتطابقة يتبلور التحالف الاستراتيجى والعضوى بين الولايات المتحدة وإسرائيل ويؤكد هذه الحقيقة البروفيسور (شلومو أهرونسون) أستاذ العلوم السياسية بجامعة تل أبيب حين يشير لقدرات الولايات المتحدة – حتى فى ظل هيمنتها على النظام الدولى – فى التمهيد والدعم للوجود الإسرائيلى فى أفريقيا وفى بقاع أخرى من العالم كوسيلة للتغلغل فى هذه المناطق .
ويشدد البروفيسور أهرونسون على حقيقة أن تطابق المصالح والأهداف يجعل من الوجود الإسرائيلى فى أفريقيا عاملاً يساعد الولايات المتحدة على إنجاز أهدافها الرئيسية فى القارة الأفريقية .
إن أهمية تقييم هذا الباحث الإسرائيلى وهذا الحكم الواضح والجازم على الوجود الإسرائيلى فى أفريقيا ذو مغزى واضح .
وفى معرض إشارته إلى الوجود الإسرائيلى فى أفريقيا فإن " أهرونسون " يعترف بأن هذا الوجود يتركز فى العديد من الدول التى تقع ضمن دائرة الاهتمام الأمريكى .. ويعدد هذه الدول ويسميها وفقاً لحجم ومستوى هذا الوجود بأبعاده السياسية والعسكرية والاقتصادية ، وهى : إريتريا ، إثيوبيا ، أوغندا ، الكونغو برازافيل ، رواندا ، بوروندى وكينيا .
أما عن الدول التى تشكل المجموعة الثانية ، وهى الأقل تأثيراً ، فهى جمهورية أفريقيا الوسطى ، النيجر ، تشاد ، مالى ، والسنغال ، فقد تحدث الباحث باقتضاب شديد عنها .
ويحاول " أهرونسون " تلمس أسباب المصاعب التى تواجهها إسرائيل لاسترداد مواقعها فى تشاد والنيجر بسبب التطورات السياسية المستجدة وحرص هذه الدول على الاحتفاظ بعلاقات جوار مع ليبيا ، لكن هذا الباحث الإسرائيلى لا ينفى وجود علاقات مع دول مثل مالى والسنغالى وجمهورية أفريقيا الوسطى ، تحرص إسرائيل على إخفائها خلف الستائر المسدلة حتى لا تثير حفيظة دول المغرب العربى وخاصة ليبيا والجزائر .
إن استقصاء أبعاد ومقومات الوجود الإسرائيلى فى بعض الدول الأفريقية مثل إريتريا وإثيوبيا وأوغندا يقود إلى استخلاص نتيجة واحدة فحواها : إن هذا الوجود قد بلغ من التركيز والحجم والتأثير ما جعل إسرائيل تتبوأ موقع صدارة – على الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية – قد يوفر لها مزايا استراتيجية لابد وأن تستخدم فى مواجهة الدول العربية .
***
وقد غدت إريتريا بفعل علاقاتها التحالفية مع إسرائيل أكبر قاعدة للوجود العسكرى الإسرائيلى تنطق بذلك حقائق ومعطيات حجم الوجود العسكرى . فلقد كشفت وثيقة صادرة عن إدارة التعاون الدولى بوزارة الدفاع الإسرائيلية فى شهر أغسطس عام 1997 حول الوجود العسكرى ، تناولت الأرقام التالية : - وجود ما بين (500-700) مستشار عسكرى من مختلف صنوف الأسلحة لا يتولون تدريب القوات الإريترية وحسب ، وإنما قيادة بعض الوحدات المهمة مثل بعض القطع البحرية وتشمل المنظومات الإلكترونية ، ووسائل الدفاع الجوى والبحرى ، ومحطات الرادار .
- تولى إسرائيل مهمة تطوير القوات الإريترية والارتقاء بها من مستوى الميليشيات إلى مستوى الجيش النظامى الذى يستوعب أحدث أساليب ووسائل القتال ويتمتع بقابلية على الحركة فى البر والجو والبحر لإنجاز أى مهمات خارج حدود الدولة كالمواجهة مع اليمن والسودان .
- إمداد إريتريا بمنظومات قتالية متطورة مثل الطائرات ، وقطع البحرية كالزوارق الحاملة للصواريخ (سفر) و(دابورا) وصواريخ مضادة للأهداف البحرية من طراز (جريانيل) وصواريخ مضادة للدروع ، ويؤكد التقرير أن إريتريا ستكون حتى عام 2000 قادرة على امتلاك قوة عسكرية فاعلة ومؤثرة وقادرة على منازلة الخصوم .
***
كما أن الوجود العسكرى الإسرائيلى فى أثيوبيا يشهد الآن ذروته حيث يمتد ويتغلغل فى مختلف مناحى الحياة ونتيجة لعوامل كثيرة داخلية وخارجية استطاعت إسرائيل أن تحدث أعمق عملية اختراق فى عصب الحياة الإثيوبية وعلى الأخص قواتها العسكرية وأجهزتها الأمنية .
من ناحية أخرى فقد أكدت مصادر إسرائيلية على درجة كبيرة من المسئولية أن إسرائيل التى أسندت إليها مهمة تطوير القوات المسلحة الإثيوبية منذ عام 1995 ، تعمل على تنفيذ برنامج خماسى – أى خمسة أعوام – يتعين إعادة هيكلة وتنظيم وتسليح الجيش الأثيوبى ليكون قادراً على مواجهة أية تحديات من داخل القارة وخاصة الدول العربية .
وطبقاً لتلك المصادر فإن إسرائيل بدأت ومنذ عام 1996 ، تضخ كميات كبيرة من الأسلحة إلى أثيوبيا ، شاملة الأنواع الآتية :
* طائرات نقل واستطلاع من نوع " عرابا " المنتجة فى إسرائيل .
* دبابات من طراز (مركفاه) و(T-24) السوفيتية والتى جرى تحسينها وكانت إسرائيل قد استولت عليها أثناء حرب 67 .
* منظومات رادار وصواريخ بحرية ، ومنظومات صواريخ " باراك " و" جبريائيل " وصواريخ ومدافع مضادة للطائرات .
وما يحدث فى أثيوبيا على صعيد تعزيز الوجود العسكرى الإسرائيلى يحدث أيضاً ، وبنفس المستوى فى أوغندا ، وهناك أيضاً تتولى إسرائيل مهمة تحديث وتطوير الجيش الأوغندى وتسليحه .
وقد يكون من المفيد التذكير هنا بأن هناك عدداً كبيراً من المستشارين الإسرائيليين فى مجال القوة الجوية والدفاع الجوى والقوات البرية والقوات الخاصة والدروع وتتراوح أعدادهم ما بين (250-300) ضابط من مختلف الرتب .
أما فيما يتعلق بالدول الأخرى ، فإن لإسرائيل علاقات مع الكونغو برازافيل ومع رواندا وبوروندى ، وكانت تقارير قد أعدتها عضوة الكنيست " بغما حزان " عن حركة " ميرتس " قد أماط اللثام عن تدفق الأسلحة الإسرائيلية إلى كل من بوروندى، ورواندا ، والكونغو برازافيل، وعرضت " حزان " صوراً من الأسلحة الإسرائيلية المستخدمة فى ساحة الحروب الأهلية ودور المستشارين الإسرائيليين المتواجدين هناك فى إذكاء هذه الحروب .
***
* إن الحقائق السابقة وغيرها أدت إلى قيام إسرائيل بحملة دبلوماسية كثيفة فى اتجاه دول أفريقيا ، فى حركة كانت تعبيراً عملياً عن خطة إسرائيلية لكسر حلقة العزلة فى أفريقيا ، واستنفاد الفائدة القصوى من المتغيرات الإقليمية والدولية الجارية ، وكانت سنة 1981 أيضاً سنة عودة الليكود إلى الحكم ، إذ تولى إسحاق شامير منصب وزير الخارجية ، وإيريل شارون منصب وزير الدفاع .
إن شارون هو صاحب النظرية الاستراتيجية القائلة أن أمن إسرائيل يتجاوز الدول العربية ليمر بتركيا وباكستان وإيران وأفريقيا معتبراً هذه الأخيرة ذات موقع استراتيجى مهم ، كعمق للدول العربية يتيح الوجود فيها التسبب بمتاعب للدول العربية ، كما فى جنوب السودان ، والحصول على موقع استراتيجى فعال فى البحر الأحمر ، وبالنسبة إلى شامير ، فإن دول أفريقيا تتمتع بثقل دبلوماسى هائل ، إذ تشكل أصواتها ثلث أصوات الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وتستطيع وحدها – إذا أجمعت – أن ترجح كفة أى قرار سلباً وإيجاباً .
تناوب المدير العام لوزارة الخارجية دافيد كمحى ، وإيريل شارون يوم كان وزيراً للدفاع ، وإسحاق شامير وزير الخارجية ، وشمعون بيريز رئيس الحكومة ، على زيارة الدول الأفريقية والاتصال بها وكانت زيارات كمحى إلى أفريقيا سرية غالباً ، وعلنية نادراً ، بحيث يمكن التقدير أنه لم يترك دولة أفريقية واحدة من دون أن يقوم بزيارة لها ، إلى أن عُيّن أخيراً سفيراً متجولاً فى أفريقيا .
افتتح إسحاق شامير وزير الخارجية ، فى خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى تشرين الأول / أكتوبر 1981 ، حملة تضمنت عرضاً إسرائيلياً لتصدير التكنولوجيا إلى الدول النامية. وفى تشرين الثانى / نوفمبر ، من السنة نفسها ، قام إيريل شارون وزير الدفاع بزيارة سرية للجابون وجمهورية أفريقيا الوسطى وساحل العاج وزائير وليبيريا والسنغال ، ووقع خلالها اتفاقات عسكرية سرية مع الجابون وزائير ، وتم فتح مكاتب لرعاية المصالح الإسرائيلية فى كل من جمهورية أفريقيا الوسطى والجابون .
***
عودة العلاقات
بعد بدء الانسحاب الإسرائيلى من سيناء ، فى مارس 1981 ، والذى وفر ذريعة مهمة للدول الأفريقية كى تعيد علاقاتها بإسرائيل ، ارتسمت الأحداث التالية لعودة هذه العلاقات .
فى 15 مايو 1982 ، أعلنت زائير أنها ستعيد علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل ، وتبع ذلك زيارات ولقاءات كان أبرزها زيارة إسحاق شامير لأفريقيا الوسطى وزائير .
تركزت الاتصالات الإسرائيلية على ليبيريا ، بصورة سرية ، إلى أن تم استئناف العلاقات فى أغسطس من السنة نفسها ، وبعد ذلك بأسابيع قام رئيس الدولة صموئيل دو بزيارة إسرائيل. * فى ديسمبر 1985 اجتمع رئيس الحكومة شمعون بيريز ، إلى رئيس ساحل العاج فيلكس بوانييه ، فى جنيف ، وقد صدر فى إثر هذا الاجتماع بيان مشترك أوصى حكومتى البلدين باستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما ، وفعلاً ، استؤنفت هذه العلاقات فى فبراير 1986 .
* فى أغسطس 1986 ، قام رئيس الحكومة شمعون بيرس بزيارة دولة الكاميرون ، وفى الشهر نفسه ، استأنفت الكاميرون علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل .
وقال بيريز ، بعد عودته من الكاميرون ، أن لدى إسرائيل اليوم علاقات بأهم الدول الأفريقية ، وأنه فوجئ بأن رئيس الكاميرون يتلقى دروساً فى التوراة اليهودية .
فى فبراير 1987 ، قام وفد من ليبيريا يضم رئيس مجلس النواب ورئيس أركان الجيش وشخصيات أخرى ، بزيارة إسرائيل حيث بحث مع رئيس حكومتها إسحق شامير فى سبل توثيق العلاقة بين البلدين .
فى أبريل 1987 ، اجتمع وزير خارجية إسرائيل ، فى إطار اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ، إلى نظيره النيجيرى ، وتم الاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية على أدنى مستوى ، أى مكاتب تمثيل مصالح .
فى نوفمبر 1987 ، اجتمع وزير الخارجية شمعون بيريز ، إلى رئيس جمهورية السنغال عبده ضيوف ، الذى قال أن أبواب بلده ستكون مشرعة أمام زيارات الإسرائيليين كخطوة لتحسين العلاقات ، وأشار ضيوف إلى أن بلده مهتم بالتعاون مع شركات إسرائيلية .
***
لقد كان لإسرائيل اختراقات مهمة – لاتزال مستمرة حتى يومنا هذا 2013 – لدول القارة خاصة دول حوض النيل ، وكان لها وجوداً مهماً فى القرن الأفريقى وزائير وكينيا وإريتريا وجنوب السودان والأهم أثيوبيا التى يمثل دورها الخطير اليوم فى بناء سد (النهضة) أخطر ما يهدد مستقبل الاقتصاد والحياة فى مصر ، إن العلاقات الأفريقية – الإسرائيلية بعامة والأثيوبية – الإسرائيلية بخاصة ، يحدثنا التاريخ بشأنها أنها مرت بمراحل ثلاث تمثل فى ذاتها مراحل تطور علاقاتها بالقارة الأفريقية ككل وقد سبق تفصيلها وهى على النحو التالى :
المرحلة الأولى : (من عام 1948 إلى عام 1972) : أطلق عليها مرحلة الاستقلال والتغلغل والدعم واشتملت على ثلاث فترات فرعية كالآتى :
* مرحلة الاستطلاع والبحث عن الطريق : (1948 – 1956) : واقتصرت على علاقة إسرائيل مع ليبيريا وأثيوبيا وفقاً لاستراتيجية إسرائيلية خططت لبناء علاقاتها مع دولتين ساحلتين إحداهما فى شرق أفريقيا والأخرى فى غربها لتكون قاعدة وثوب لتوسيع شبكة العلاقات مع باقى الدول الأفريقية .
* مرحلة التغلغل والتوسع : (1957 – 1962) : استغلت إسرائيل استقلال دول أفريقيا عام 1960 فاعترفت بها وتبادلت معها التمثيل الدبلوماسى – واتخذت هذه المرحلة شكل زيارات متبادلة بين إسرائيل والجابون ، ومدغشقر، وبنين ، وأفريقيا الوسطى ، وليبيريا ، وأوغندا ، وجامبيا ، بما حقق لإسرائيل مناطق ارتكاز لتنمية علاقاتها مع دول مجاورة لتلك الدول .
* مرحلة الانتشار والدعم : (1962 – 1973) : أقامت خلالها علاقات دبلوماسية مع 33 دولة أفريقية ووقعت على 20 اتفاقية للتعاون مع دول أفريقية .
* المرحلة الثانية : (من عام 1973 – إلى عام 1984) : وهى التى أطلق عليها مرحلة التدهور والانهيار ثم العودة وقد مرت بمرحلتين فرعيتين :
* مرحلة التدهور والانهيار الإسرائيلى فى أفريقيا : (1973 – 1979) : جاءت نتيجة لقيام حرب أكتوبر عام 1973 حيث تم خلالها قطع علاقات دول أفريقيا لعلاقاتها مع إسرائيل ، وكانت أثيوبيا من بين تلك الدول التى قطعت علاقاتها مع إسرائيل .
* مرحلة العودة مرة أخرى : (1979 – 1983) : وقد اتسمت بإعادة بعض الدول الأفريقية علاقاتها مع إسرائيل نتيجة لتوقيع معاهدة السلام مع مصر حيث بدأت بزائير ثم ليبيريا ، ساحل العاج، توجو ، مالاوى ، سوازيلاند ، ليسوتو ، بتسوانا ، وقد بذلت إسرائيل جهوداً مكثفة لإعادة علاقاتها مع دول أخرى مستغلة علاقاتها مع الدول الغربية لمساندة مساعيها الدبلوماسية .
* المرحلة الثالثة : (ما بعد عام 1983 – وحتى اليوم) : هدفت إسرائيل خلالها إلى تطوير علاقاتها مع دول أفريقيا وقد تمت أول زيارة من رئيس أفريقى " رئيس ليبيريا " إلى إسرائيل فى أغسطس عام 1983 ، ثم تلتها زيارة إسحاق شامير إلى توجو ، كما أوفدت إسرائيل عدداً من خبرائها فى المجال الاقتصادى خاصة الزراعة ، وقدمت مساعداتها المالية بهدف إغراء باقى الدول الأفريقية لإعادة علاقاتها معها ، ويذكر أن أثيوبيا أعادت علاقاتها مع إسرائيل عام 1990 .
من هذا المنطلق نجد أن أثيوبيا هى أول دولة أفريقية أقامت علاقات مع إسرائيل (فى عام 1948) حتى قطعت علاقاتها معها عام 1973 إلتزاماً بقرار منظمة الوحدة الأفريقية – مع استمرار العلاقات التجارية والعسكرية تحت السطح – بل أن الميجور سيساى هابتى المسئول عن اللجنة السياسية فى المجلس الإثيوبى الحاكم قام بزيارة إسرائيل عام 1975 وبعدها تنامت العلاقات بقوة حتى يومنا هذا إلى لحظة بناء سد النهضة الذى تعد إسرائيل أكبر ممول له ، وشركاتها هى التى ستوزع الكهرباء الناتجة عنه فضلاً عن رؤيتها الاستراتيجية لزرع قواعد الموساد الإسرائيلى فى تلك الدولة لخدمة أهدافها فى مياه النيل وفى ضرب الأمن القومى العربى فى أعز وأهم دائرة استراتيجية له ، وهى الدائرة الأفريقية ، وهذا للأسف ما يتم الآن دون وعى وإدراك كاملين من ثورات الربيع العربى الجديدة والتى يبدو أنها جميعاً فى غيبوبة عن هذا الاختراق الإسرائيلى لأفريقيا والذى سيمثل أكبر معول لهدم تلك الثورات ، ووأدها ترى متى تصحو لتدافع عن نفسها وأمنها الأفريقى قبل أن يضيع تماماً ؟! سؤال يبحث عن إجابة !! .
نقلا عن جريدة " التحرير " المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.