حذرنا المولى سبحانه وتعالى في كتابة الكريم من خطورة الكذب الذي بات يهدد كيان المجتمع بل يودي بأفراده إلى الهلاك والضياع، فالكذب أو الشائعة تعمي عن الحق وعن الصراط المستقيم، وضررها أشد من ضرر القتل ومن أهم الوسائل المؤدية إلى الفتنة والوقيعة بين الناس، كما أنها تشق الصف المسلم، ومطلب الفاسدين والمفسدين، وتهدر الدماء وتضيع الحدود، وجزاؤها العذاب الأليم في الدنيا والآخرة. فالشائعات الكاذبة التي صنعت ضد الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - لم تكن آثارها سيئة فقط على المجتمع في ذلك الوقت، بل على الأمة كلها حتى وقتنا هذا، حيث تجمع أخلاط من المنافقين ودهماء الناس وجهلتهم، وأصبحت لهم شوكة وقتل على إثرها خليفة المسلمين بعد حصاره في بيته, وقطع الماء عنه، بل كانت آثار هذه الفتنة أن قامت حروب بين الصحابة الكرام. جريمة أخلاقية يحرمها الدين يقول الدكتور رأفت عثمان عضو هيئة كبار علماء الأزهر، إن الشائعة هي اختلاق قول أو فعل ينسب إلي فرد أو جماعة أو إلى دولة وليس له حقيقة، ويعلم مختلقه حقيقته، ويروج له بشتى الصور ومن أول وهلة نجد أن هذا التصرف يدخل في مجال الكذب، والكذب كما هو معلوم فهو محرم شرعا بأي صفه. وهناك 3 حالات فقط يباح فيها الكذب وهي: الكذب في الحرب لأن الحرب خدعة وفقا للقاعدة المقررة, والكذب في الإصلاح بين الناس لأن الشرع يريد استقرار المحبة والوئام بين الناس لا إلى التنازع والتفرق, وفي حالة كلام الزوج مع زوجته. وشددت آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صل الله علية وسلم على وجوب الصدق وتحريم الكذب فنجد أن الله تبارك وتعالي قال "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" التوبة, وقال الرسول صل الله عليه وسلم قال "عليكم بالصدق, فإن الصدق يهدي إلي البر, وإن البر يهدي إلي الجنة, وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتي يكتب عند الله صديقا, وإياكم والكذب, فإن الكذب يهدي إلي الفجور, وإن الفجور يهدي إلي النار, وما يزال الرجل يكذب, ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا". خطورة الشائعة على المجتمع يضيف الدكتور عثمان أن من يعمل علي نشر الإشاعات يترتب علي إشاعته كثيرا من الأضرار للدولة أو للجماعة, ومن هنا يظهر خطر الشائعة، وهي من ناحية أخرى تشير إلي أن الشخص الذي يروج الإشاعات ليس سوي النفس، وإذا كانت نفسه سويه ما اختلق الكذب علي أي جماعة أو أي مؤسسة من مؤسسات الدولة، ويتفاوت ذنب مرتكب الشائعة بتفاوت الأثر المترتب عليه فقد يترتب علي الشائعة قتل نفس فهي جريمة تستحق العقوبة خاصة ما يتصل منها بأعراض الناس فمن الواضح أن الشائعات خطر من اشد أنواع الخطر علي المجتمعات وعلي الدولة نفسها. يوضح "عثمان" إن الشائعة تعد جريمة أخلاقية يحرمها الدين لأن من الواجب علي كل فرد يستمع لأي خبر يراه مفتقرا إلي الصدق لا يعمل علي ترويجه، بل يصمت ويسكت عما يشاع ولعل هذا يدخل في مجال فعل الخير لأنه يمنع مفاسد قد تحدث بسبب الشائعة بين الأفراد أو المجتمع أو الدولة، وأوضح لنا الرسول صل الله عليه وسلم أن فعل الخير ليس له حدود في القيمة ويمنع علي الإنسان ترديد ما يسمعه وأن يفعل الخير والصواب لحفظ أمن واستقرار المجتمع. الحل في المواجهة الوقائية يقول الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر, إن المعالجة الموضوعية والواقعية لفتنة الشائعات يكون بتدابير وقائية وأخرى جزرية أما الوقائية فيقوم بها الإعلام الدعوي الواعي, والشائعات فتنة كبرى يجب أن تجرم كعقوبة جزرية وتقدر بقدرها من أهل الاختصاص والتقنين في الشريعة الإسلامية وتغلظ العقوبة إذا صدرت ممن لهم تأثير ومن المفترض أنهم قدوة فعلي سبيل المثال الدعاة في وسائلهم الدعوية من منابر ومساجد وإعلام مرئي ومسموع ومقروء إذا روجوا الشائعات سيجدون المحاسبة. وسيلة إثارة البلبلة يشير الدكتور محمد الشحات الجندي, عضو مجمع البحوث الإسلامية, إلي أن الشائعات سلاح فتاك في إثارة البلبلة وهي وسيلة الأعداء عندما يريدون تفكيك وحدتها وإثارة الفوضى وعدم الاستقرار فيها، خاصة في الفترات التي تمر فيها الأمة بمراحل انتقالية كتلك التي تحدث في مصر. وفي إطار المشهد الراهن ينبغي التنويه إلى الرأي والرأي الآخر والصراعات الناتجة عنه وخطورة التخندق حول رأي بعينة وإثارة الأقاويل والمزاعم حول صحة موقفه وسداد رأيه ومحاولة جمع المؤيدين له والمناصرين أيا كان انتماؤه السياسي إنما هو موقف ينبغي مقاومته ويتعين إدانته متى كان هذا الرأي أو صاحبه يطلق الشائعات التي تؤدي إلي فساد ذات البين وتفرق وحدة الأمة وتعمل ضد مصلحتها وتجعل البلاد في تمزق وحيرة وتعطل العمل والإنتاج. كما حذر من استخدام الدين كستار لإطلاق هذه الشائعات لمحاولة تقوية الموقف ضد إرادة الأغلبية, مطالبا علماء الدين بالحفاظ علي الثوابت المهمة مثل الحفاظ علي قوة الجيش المصري المدافع عن الأرض والعرض وكذلك المؤسسات العامة ذات النصيب الديني والحضاري, واعتبار تلك الثوابت خطا أحمر لا ينبغي تجاوزه أو النيل منه والتلاحم لحمايته في مواجهة من يريدون إضعاف الأمة لإذهاب ريحها ممثلة في هذه المؤسسات الداعمة لنصرة الأمة والوطن. اقرأ فى هذا الملف : * السلاح الذي يهدد الأمن القومي المصري * سحر جلد موت.. الشائعات الرياضية تحبط اللاعبين * شائعات مضحكة في عصر الدجيتال * «الاقتصاد المصري» فريسة الشائعات الهدامة * شائعات المشاهير كيف تؤثر في المجتمع ؟! ** بداية الملف