انتظام امتحانات الصفين الأول والثاني الإعدادي بشمال سيناء    وكيل «أوقاف الإسكندرية» يشدد على الأئمة بعدم الدعوة لجمع التبرعات تحت أي مسمى    وزيرة الهجرة تلتقي رئيسة الجالية المصرية بأيرلندا الشمالية    رئيس جامعة جنوب الوادي يترأس مجلس التحول الرقمي    انخفاض أسعار الفراخ البيضاء اليوم الأربعاء 8-5-2024    أسعار الذهب تشهد ارتفاع طفيف وسط عدم اليقين بشأن مسار الفائدة الأمريكية    استقرار أسعار صرف الدولار مقابل الجنيه المصري .. وتراجع «اليورو» و«الاسترليني»    «الكهرباء» تبدأ من اليوم تعديل مواعيد الانقطاعات بسبب الامتحانات    توصيل المياه ل100 أسرة من الأولى بالرعاية في قرى ومراكز الشرقية مجانا    إعلام فلسطيني: طائرات الاحتلال تقصف منزلا في محيط مسجد الاستقامة بحي الجنينة    إدانة مصر للعملية العسكرية الإسرائيلية على رفح تتصدر اهتمامات صحف القاهرة    «القاهرة الإخبارية»: إطلاق نار من زوارق الاحتلال الإسرائيلي باتجاه رفح الفلسطينية    عودة الثنائي الناري| تشكيل بايرن ميونخ المتوقع أمام الريال بدوري الأبطال    المصري البورسعيدي: رابطة الأندية أبلغتنا بأحقيتنا في المشاركة بالكونفدرالية    سيد معوض: الأهلي حقق مكاسب بالجملة من الفوز على الاتحاد السكندري    متى عيد الاضحى 2024 العد التنازلي.. وحكم الوقوف على جبل عرفة    «التعليم» تحقق في مزاعم تداول امتحان «العربية» للصف الأول الثانوي عبر تليجرام    السيطرة على حريق بمخزن مواد بترولية بالغردقة    انقلاب سيارة «تريلا» محملة بالردة على الطريق الإقليمي بالمنوفية    تتخلص من ابنها في نهر مليء بالتماسيح.. اعرف التفاصيل    غلق مسطح كوبري جيهان السادات.. تعرف على خريطة التحويلات المرورية في مدينة نصر    يسحل زوجته على الأسفلت بعد محاولة فاشلة لاختطافها    برج العذراء اليوم الأربعاء.. ماذا يخبئ شهر مايو لملك الأبراج الترابية 2024؟    في ذكرى وفاته.. صور نادرة لفارس السينما المصرية أحمد مظهر    القتل.. تقرُّبًا إلى الله    "المحظورات في الحج".. دليل لحجاج بيت الله الحرام في موسم الحج 2024    الصحة: تقديم الخدمات الطبية لأكثر من 900 ألف مواطن بمستشفيات الأمراض الصدرية    هيئة الدواء تقدم 12 نصيحة لمرضى الربو    هل أدوية العلاج النفسي آمنة وفعالة؟.. الأمانة العامة للصحة النفسية تُجيب    انطلاق القافلة الطبية المجانية بمنطقة وادي ماجد بمرسى مطروح.. لمدة يومين    يطالبون بصفقة رهائن|متظاهرون إسرائيليون يغلقون أهم الطرق في تل أبيب قبل وصول بيرنز    إفلاس فرع شركة فيسكر لصناعة السيارات الكهربائية في النمسا    يوم مفتوح بثقافة حاجر العديسات بالأقصر    اليوم.. الليلة الختامية لمولد القطب الصوفي أبو الحسن الشاذلي    "كفارة اليمين الغموس".. بين الكبيرة والتوبة الصادقة    حكم حج للحامل والمرضع.. الإفتاء تجيب    ياسمين عبد العزيز: فترة مرضي جعلتني أتقرب إلى الله    حسن الرداد: مبعرفش اتخانق مع إيمي.. ردودها كوميدية    6 مقالب .. ملخص تصريحات ياسمين عبدالعزيز في الجزء الثاني من حلقة إسعاد يونس    مقالب بطفاية الحريق.. ياسمين عبدالعزيز تكشف موقف لها مع أحمد السقا في كواليس مسرحة «كده اوكيه» (فيديو)    الخارجية: توقيت تصعيد الجانب الإسرائيلي الأحداث في رفح الفلسطينية خطير للغاية    سحب لقاح أسترازينيكا المضاد لكوفيد- 19 من جميع أنحاء العالم    عاجل.. أول رد من صالح جمعة على إيقافه 6 أشهر    عزت إبراهيم: تصفية الوجود الفلسطيني في الأراضي المحتلة عملية مخطط لها    القاهرة الإخبارية: تعرض رجل أعمال كندي يقيم بالبلاد لحادث إطلاق نار في الإسكندرية    مفيد شهاب: ما قامت به إسرائيل يخالف اتفاقية السلام وتهديد غير مباشر باستخدام القوة    مدرب نهضة بركان: جمهور الزمالك "مرعب".. وسعيد لغياب شيكابالا    المتحدث الرسمي للزمالك: مفأجات كارثية في ملف بوطيب.. ونستعد بقوة لنهضة بركان    رئيس البورصة السابق: الاستثمار الأجنبي المباشر يتعلق بتنفيذ مشروعات في مصر    تعليق ناري من شوبير بعد زيادة أعداد الجماهير لحضور المباريات المحلية والإفريقية    مغامرة مجنونة.. ضياء رشوان: إسرائيل لن تكون حمقاء لإضاعة 46 سنة سلام مع مصر    الداخلية تصدر بيانا بشأن مقتل أجنبي في الإسكندرية    رئيس جامعة الإسكندرية يشهد الندوة التثقيفية عن الأمن القومي    موقع «نيوز لوك» يسلط الضوء على دور إبراهيم العرجاني وأبناء سيناء في دحر الإرهاب    فوز توجيه الصحافة بقنا بالمركز الرابع جمهورياً في "معرض صحف التربية الخاصة"    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    أختار أمي ولا زوجي؟.. أسامة الحديدي: المقارنات تفسد العلاقات    اليوم.. دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ذي القعدة لعام 1445 هجرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رائد أدب الرعب والشعر الحديث .. إدجار آلان بو
نشر في محيط يوم 19 - 01 - 2008


مؤسس الشعر الحديث وأدب الرعب
إدجار آلان بو
محيط – هاني ضوَّه
أديب اختلفوا بشأنه ، ما بين هوس وضجر تباينت حياله مواقف الأدباء والشعراء على مدار السنين، أكبره "بودلير" فترجم جميع أعماله وكتب عنه، بينما صرفه أدباء أمريكيون عن أذهانهم تماما ، واعتبر البعض كتاباته مليئة بالغموض والفوضى والرتابة ، ولكن ظل إدجار آلان بو مؤسس الشعر الحديث وأكبر أديب وضع قواعد أدب الرعب والبوليسية لمن خلفه .
ولد "إدجار آلان بو" فى بوسطن عام 1809 وسط عائلة فنية حيث كان يعمل والداه ممثلين متنقلين مغمورين في مسارح الدرجة الثالثة ليوفرا بالكاد رزقهما ورزق أطفالهما، كان "إدجار" هو ثاني ابنائهما، وإذ جاء الطفل الثالث، مات الأب ديفيد بو عام 1810 ليترك أسرته الصغيرة في مهب الريح وكان إدجار لم يبلغ عامه الثاني، فانتقلت الأم "اليزابيث هوبكنز" إلى "ريتشموند" حاملة معها أصغر طفليها، وتاركة الابن الأكبر "ويليام" لدي أقاربه في "بالتيمور" لتبدأ هي رحلة الكفاح لإيجاد قوت طفليها، بينما السل ينهش صدرها كل يوم أكثر وأكثر.
وعندما أتم "إدجار" العامين من عمره، ماتت أمه ، لتكمل دائرة يتمه هو وأخته الصغيرة "روزالى"، تلاهما موت أخوه الأكبر ويليام وهو شاب بينما جُنت أخته روزيلي، كما قررت زوجة التاجر الشهير جون آلان مسز "فرانسيس آلان" أن تأخذ "إدجار" ليعيش معها عوضاً عن الأطفال التى حرمت منهم لعقمها بينما تبنت أسرة أخرى الطفلة "روزالى" وكان هذا عام 1811م، فعاش ادجار مدة فى انجلترا بين عامى (1815-1820)، ورغم أن هذه العائلة لم تتبناه رسمياً رغم محاولات مسز "آلان" المستميتة لتبنيه رسمياً "إدجار" إلا أن الزوج "جون آلان" رفض هذا رفضاً قاطعاً، لما كانت لسمعة التمثيل من احتقار وجلب للعار في هذا الوقت، إلا أن "إدجار" احتفظ باسم "آلان" كاسم أوسط له.
في الخامسة من عمره كان ادجار ينشد الشعر الانجليزي مما دفع احد أساتذته في مدرسة ريشموند الى قول : "يكتب الأولاد الاخرين قصائد عن الميكانيكا نجد بو يكتب الشعر الاصلي، هذا الولد خلق شاعرا "، وفي انجلترا بدأ إدجار بو بتثقيف نفسه شعرياً فارتاد مدرسة في مزرعة عام 1815م وفيما بعد كتب قصته "ويليام ويلسون".
ترحال دائم
وفي السادسة من عمره، انتقل "إدجار" مع أسرته الجديدة إلى سكوتلاندا ثم إلى إنجلترا ليقضي فيها خمس سنوات، حيث درس في مدرسة "مانور" في "ستوك نوينجتن" والتى كانت عبارة عن قصر قديم، يحتوي على متاهة من الممرات، جعلت مجرد الوصول إلى إحدي الغرف، مغامرة غامضة غير مأمونة العواقب، وربما كانت هذه المدرسة هي المسئولة عن القصور المظلمة في قصص "بو" بعد ذلك .
وعندما بلغ "إدجار" الحادية عشر، عاد مع أسرته إلى "ريتشموند" التى كانت – على الرغم من جمالها – خانقة بالنسبة ل "إدجار" خاصة مع الجو الأرستقراطي السائد هناك.
التحق بو بجامعة فرجينيا 1826، حيث بدأت آفة "إدجار" الكبرى إدمان الخمر والقمار، فقد كان "إدجار" قبل أن يسافر للجامعة يحب صبية تدعى "إلميرا رويستر"، لكنه حينما عاد إلى ريتشموند في أجازة بعد غياب عشرة شهور، فوجيء بأن حبيبة صباه قد خطبت لشخص آخر أعجب به والداها، اللذان لم يرضيا أبداً عن علاقتها بالفتى المتبنى "بو"، وحينما عاد إلى الجامعة أنغمس في لعب القمار، و تورط بسبب ذلك في ديون بلغت قيمتها ألفي دولار، ولم يستطع دفعها، فلجأ إلى والده بالتبني .. حينها وصلت الأمور بين الرجلين إلى الأسوأ، وانتهى العراك بينهما بأن رفض "جون آلان" أن يدفع شيئاً عن بو، الذي تم طرده من الجامعة، ونبذه مربيه وأوقف رعايته له.
ذهب إلى "بوسطن"، حيث أصدر أولى مجموعاته الشعرية، قبل أن يلتحق بالجيش تحت اسم مستعار هو "إدجار بيري" ولكنه لم يحتمل الجيش طويلاً، فأرسل رسالة ندم إلى الزوج، الذي قرر مسامحته، ودفع لإخراجه من الجيش كما كان سائداً في ذلك الوقت، وفى عام 1830 انضم إلى أكاديمية ويست بوينت العسكرية، بعد أن أصدر ثاني مجموعاته الشعرية في "بالتيمور"، ولكن تم طرده بعد ذلك بعام لعدم آدائه للواجبات المطلوبة منه.
وتأتي نقطة فاصلة وقاصمة في حياة إدجار، وذلك بوفاة صديقته وراعيته الوحيدة مسز "آلان" سنة 1829، كانت هذه هي الوفاة الثانية في حياة "بو" لامرأة يتعلق بها، وبعد وفاتها بسنة تزوج "جون آلان" من "لويزا باترسون"، التي كانت العلاقة بينها وبين "بو" يحكمها الشعور المتبادل بعدم الارتياح.
لا أحد يعرف الكثير عن حياة "بو" في السنوات الثلاث التي تلت طرده من الجيش، لكن ما لا شك فيه أنها كانت حياة فقرٍ وتشرد إلي أن قرر "إدجار" الانتقال للعيش مع عمته "ماريا كليم" والتى كانت خياطة فقيرة في "بالتيمور" والتى استقبلت "إدجار" بحرارة، وقامت برعايته وابنتها الصغيرة "فرجينيا"، فكانت تعمل بجد في مهن وضيعة، بينما كان "إدجار" يساعد بدوره عن طريق الاشتراك في المسابقات الأدبية ذات الجوائز المالية ، والعمل كمحرر صحفي في العديد من المجلات والصحف الأدبية، شاعراً بالإضطهاد ومسمياً نفسه "الذي تهوي عليه الكوارث بسرعة".
عمل بو محرراً في الكثير من المجلات الأدبية ، مثل مجلة "مراسل الجنوب الأدبي"، و "جراهام"، و"برودواي جورنال" وغيرها ، وحصل على قدر كبير من الشهرة كناقد صارم لا يرحم، وتحسنت أحواله المادية حيناً وتدهورت حيناً آخر، وفي فترة استقرار مادي سنة 1836 تزوج ابنة عمته الصغيرة الحسناء "فرجينيا كلم" ذات الثلاثة عشر ربيعاً، وهو أمر استغربه كثيرٌ من النقاد والمؤرخين فيما بعد، بسبب صغر عمر الفتاة، ورجح البعض أن سبب الزواج كان الارتباط أكثر بعمته التي اعتمد عليها في إعالته منذ سنة 1833.
وفي عام 1837 نجح "بو" في نشر أول روية له تحت اسم "حكاية آرثر جور دون" ثم بعد ذلك بعامين انتقل إلى "فيلادلفيا" مع أسرته ليبدأ في تحرير مجلة "بيرتون جنتلمان" وبدخلها طرح أولى مجموعات قصص الرعب عام 1840؛ ثم انتقل "بو" ليصبح رئيس تحرير مجلة في أمريكا، والتى طرح فيها روايته البوليسية "جريمة قتل في المشرحة" والتى ترجمت للفرنسية، وتناولتها الجرائد الفرنسية؛ ثم وفي عام 1843 حصدق قصة "الحشرة الذهبية" جائزة جريدة "فيلادلفيا" وقدرها مائة دولار، وفي العام التالى ترك "بو" مجلة "جرا هام" وعاد إلى "نيويورك" لينشر قصيدته "الغراب" والتى كانت سبب شهرته في جميع الأوساط الأدبية.
معاناة كبيرة
مرضت الزوجة الصغيرة بالسل وهي في التاسعة عشر من عمرها، ولم يجد "إدجار" ما يكفي من النقود لمداواتها قبل أن يتمكن المرض القاتل منها، بل إن من زاروه في بيته قالوا أنه لم يكن يجد ما يدفئها به، فكان يغطيها بمعطفه، ويغري القط بالنوم على صدرها ليدفئه، وكم عانى وهو يرى حياتها تنسحب من جسدها الرقيق رويداً رويداً، بل إنه كان يكابر فيصر على أنها ليست مريضة بل تعاني فقط من تمزق أحد شرايينها، وحينما توفيت سنة 1847 بعد خمس سنوات من المرض والألم لم يجد من النقود ما يكفي لنفقات دفنها، فتطوع الجيران بالتبرع لهذا الأمر.
كانت هذه هي الوفاة الثالثة في حياته لامرأة أحبها وتعلق بها، لكنها هذه المرة كانت صدمة عمره، واستولى عليه الإكتئاب وانغمس في الخمر والمخدرات، وحاول الإنتحار ذات مرة بالأفيون، وأنكب كالمحموم ليكتب كتابه "وجدتها" والذي كان يعتقد أنه يعبر عن الحقيقة المطلقة.
وحينما توفيت زوجته "فرجينيا كلم"، كتب فيها أرق قصائده : "أنابل لي" سنة 1849، حيث تخيلها فتاةً كالملائكة سماها بهذا الاسم يقول فيها:
لا يسطع ضياء القمر إلا ويجلب لي الأحلام
عن أنابل لي الجميلة
ولا تلتمع النجوم دون أن أرى فيها
عيني أنابل لي الجميلة
وهكذا ، أقضي الليالي مسهداً
وأرقد بجوار حبيبتي .. حياتي .. عروسي
في ضريحها بجوار البحر ..
في قبرها بجوار البحر ..
كان حلمه الكبير أن يصدر مجلة أدبية يحررها ويديرها بنفسه، ومن أجل الحصول على رأس المال الكافي تورط في مشروع زواج من أرملة غنية تدعى "سارة هيلين ويتمان"، لكن المشروع فشل في النهاية لأن الأرملة اشترطت عليه الكف عن شرب الخمر، الأمر الذي لم ينجح فيه "بو".
ولم يجد أمامه للحصول على المال الكافي سوى التجول وإعطاء محاضرات أدبية في بعض المدن، وأثناء جولته قابل حبيبة صباه "إلميرا رويستر"، التي أصبحت أرملة بدورها، فقرر الزواج منها، ربما محاولةً للهروب من أحزانه واكتئابه، لكن المتبقي من حياته لم يكن يزيد عن شهرين، وعندما وجد حبيبة صباه كان لسانه يقول وسط عالم من الأحزان:
انظروا ! .. هى ذى ليلة سعد
بين هذى اليالى الموحشة !
بين الشعر والقصة
كان شاعراً بالدرجة الأولى ، ولولا الحاجة والرغبة في كسب قوت يومه لما كتب غير الشعر، يقول واصفاً ولعه بالشعر: "بالنسبة لي فإن الشعر ليس هدفاً وإنما هو هوس انفعالي يسيطر علي .. نعم إن الشعر هوس غالب مثله في ذلك مثل الحب، أو الحرية، أو الجنون"، ويقال بأن أحد المعاصرين، عندما سمع "بو" ينشد شعره بصوتٍ مرتفع، راح يرتجف من شدة الانفعال .. لقد أحس وكأنه واقعٌ تحت تأثير شيءٍ يشبه السحر أو المغناطيس.
كتب "بو" في شتي الأنواع الأدبية الأخرى من القصة القصيرة والمقالة والنقد، لم يكتب سوى حوالي سبعين قصة قصيرة، صنع من خلالها شهرته العالمية كأبي القصة القصيرة وأول من كتبها في شكلها الحديث الذي نعرفه، فبعد أن تبخر أمله في الحصول على إرث من "جون آلان"، اتجه لخوض المبارايات الأدبية طمعاً في جوائزها المالية التي كان في أمس الحاجة إليها، وبعد أن فاز بجائزة خمسين دولاراً عن قصته "رسالة في زجاجة"، اتجه إلى العمل كمحرر في العديد من المجلات الأدبية، ونشر العديد من القصص المتفرقة في مجلات أدبية عديدة، ثم أصدر مجموعته القصصية الأولى : "حكايات الغرائب والعرائب"، واحتوت على قصته الشهيرة "سقوط بيت آشر".
اعتبر النقاد الكثير من قصص "بو" حجر الأساس لبعض الحقول الأدبية التي ظهرت بشكل أوضح لاحقاً، كالقصة البوليسية مثلاً، ويتجلي ذلك في قصته "جريمة في رو مورج" والتي تدور حول جرائم قتل تحدث في شارع "رو مورج"، ويظهر التحري "أوجست دوبن" ليكشف حقيقتها، ويتضح في النهاية أن الفاعل هو قرد !.
بعد أن لاقت تلك القص نجاحاً كبيراً أتبعها بقصة "لغز ماري روجيت" التي تدور أحداثها في باريس، لكنها تستند إلى جريمة حقيقة وقعت في نيويورك في ذلك الوقت وشغلت الصحف، حيث وُجدت جثة فتاة شابة تدعى "ماري روجر" في أحد الأنهار، واختتم "بو" الثلاثية التي يقوم فيها التحري "أوجست دوبن" بدور البطولة بقصته "الرسالة المسروقة"، فبطل القصص الثلاثة هو التحري "أوجست دوبن"، وقد فتح الباب بعد ذلك للكاتب الإنجليزي " آرثر كونان دويل" لاختراع شخصية التحري "شيرلوك هولمز" بطل رواياته البوليسية.
كتب "بو" أيضاً بعض الأعمال التي تعتبر من الخيال العلمي، حسب مفاهيم ذلك العصر، مثل "قوة الكلمات"، و"خدعة البالون"، التي يدعي فيها الراوي أنه استطاع الوصول إلى القمر بمنطاد، وهناك وجد مدينة خيالية يعيش فيها أقزام قبيحو الخلقة لا آذان لهم ويستخدمون التخاطر في الحديث، والقصة مكتوبة بأسلوب كوميدي ويظهر فيها تأثر "بو" ب "سويفت" في "رحلات جيلفر".
قصص الرعب
من اعماله
يرى بو أن الرعب يطهر الإنسان ويجعله أفضل، ففى قصته "الحفرة والبندول" نجد أن بو يتحدث عن ضحية لمحاكم التفتيش، تنتظر العذاب الذى سينصب عليها، ورغم أن كتاباته في الرعب كانت جزءً بسيطاً من كتاباته، إلا أن "بو" يُعرف الآن باعتباره كاتب رعب، مع إهمال كبير لبقية أعماله في الحقول الأخرى، وقصص الرعب عند "بو" تدور في عوالم سوداوية كئيبة قريبة من أجواء الكوابيس، ومفردات تشمل الدفن حياً وموت الأحباب والجنون والاضطراب والفصام، فنجد أن كلها مآسي.

ومثال على ذلك قصة "سقوط بيت آش" نجد كل شيء في القصة من بدايتها إلى نهايتها يؤثر في القاريء بشكل كئيب، من وصف الراوي للجو المحيط بقصر أسرة "آشر"، إلى وصفه للبيت من الداخل، إلى حديثه عن صديقه "آشر" واضطرابه العقلي، ومرض أخته الذي انتهى بدفنها وهي ماتزال حية، إلى انهيار البيت نفسه، والذي يرمز في النهاية إلى أسرة "آشر" نفسها، وقد حول المخرج "روجر كورمان" هذه الرواية إلي فيلم باسم "سقوط بيت آشر" سنة 1960، تلاه بفيلم "الغراب" سنة 1963.
كذلك نجد الإنتقام في قصة "برميل الآمونتيلادو" ، كذلك الدفت حياً وهو الموضوع المحبب لدي "أجنر بو"، فبطل القصة يود الإنتقام من شخصٍ آذاه، لكنه لا يذكر شيئاً عن نوعية هذا الإيذاء، فقط يذكر أنه تحمل كثيراً وقد حان الوقت لتنفيذ إنتقامه بعد كثيرٍ من الصبر والتخطيط.
ربما لا يعرف الكثيرون أن "بو" يعد رائداً من رواد القصة البوليسية فى العالم، فقد قام بكتابة مجموعة من القصص اعتمدت على الإيقاع اللاهث المجنون، والذى يأخذ القارى فى دوائر معقدة، قبل أن تتضح الحقيقة فى النهاية، ففى قصصه "صميم الفؤاد"، "القط الأسود" و"دن أمونتيلادو" نجد أنه يتوغل فى الذات البشرية، مبينا الأمراض التى تنخر كالسوس فى أعمق الأعماق، وما تحمله من جهامة وسواد، وقد أصبحت تلك الأعمال من كلاسيكيات أدب الرعب العالمي.
والغريب فى إدجار الآن بو أنه كانت له معرفة دقيقة بالعلوم والمخترعات الحديثة ،لذا يعتبره النقاد رائدا من رواد الرواية العلمية وقد مزج الكوميديا ببناء علمى محكم فى القصص السابق ذكرها
عبقرية بو
يعتقد كثيرون أن "إدجار بو" رغم شهرته الكبيرة في أمريكا أثناء حياته، لم يلق التقدير والإستحقاق الكافيان بما يتناسب مع عبقريته وأعماله التي رسمت الطريق لاحقاً لكثيرين، لكن "بو" بدأ في الحصول على شهرته العالمية منذ تحمس له الشعراء الفرنسيين ، حيث تحمس له "بولدير" لحد التعصب، فترجم كل أعماله إلى الفرنسية وكتب عن حياته وتحدث عنه بإجلال وتقديس.
يربط "بو" بين العبقرية والجنون فيقول: "ما يدعوه الناس بالعبقرية ليس إلا مرضاً عقلياً ناتجاً عن تطور لا طبيعي ، أي تطور مسرف لإحدى ملكاتنا او مواهبنا"، ويقول الشاعر الفرنسي (بولدير) عنه: "لقد اجتاز هذا الرجل قمم الفن الوعرة، وهوى في حفر الفكر الإنساني، واكتشف – في حياة أشبه بعاصفة لا تهدأ – طرقاً وأشكالاً مجهولة يدهش بها الخيال ويروي العقول الظامئة إلى الجمال ، هذا العبقري مات عام 1849 فوق مقعد في الشارع .. وكان عمره يدنو من الأربعين عاماً ".
رحيل مجنون
كان الإكتئاب يعاوده من آن لآخر، فينغمس أكثر وأكثر في الخمر والمخدرات، ولم تلبث حياته المأساوية المضطربة أن انتهت في 17 أكتوبر سنة 1849 في مدينة بالتمور، حيث وجدوه في حالة سيئة في فندق ريان، حيث كانت تجرى انتخابات والكل مشغول، وتم نقله إلى مستشفى واشنطن الجامعي ببالتيمور حيث ساءت حالته، ثم توفي بعد خمسة أيام بالتسمم الكحولي ولم يتجاوز الأربعين، وفي اليوم التالي نشرت الصحف خبر موت الشاعر "إدجار آلان بو"، وأجروا تحقيقاً حول أسباب موته.
استطاع عبر سنوات عمره القصير أن يصنع صرحاً أدبياً عملاقاً، جعله يحتل إحدى القمم الشامخة، لمملكة الأدب الساحرة، مات "ادجار آلان بو" بعد معاناه كبيرة عاشها على مدار حياته، وكان لسان حالة يقول قصيدته:
حمدا لله !
قد انتهى الخطر .. وولى المرض الطويل ..
وانتهت الحمى التى يسمونها "الحياة".
أعرف أن قواى قد فارقتنى ..
وأننى عاجز عن تحريك عضلة واحدة
لكن هذا لا يهم..
أشعر أننى أفضل حالاً بكثير
لقد سكن كل هذا الأنين والعواء والتنهد والبكاء
ومعها سكن ذلك الخفق الرهيب فى القلب..
لقد انتهت الحمى التى يسمونها "الحياة"....


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.