«العمل»: تمكين المرأة أهم خطط الوزارة في «الجمهورية الجديدة»    تحت أي مسمى.. «أوقاف الإسكندرية» تحذر من الدعوة لجمع تبرعات على منابر المساجد    مغامرة مجنونة.. ضياء رشوان: إسرائيل لن تكون حمقاء لإضاعة 46 سنة سلام مع مصر    الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأربعاء 8 مايو 2024 بعد الانخفاض الجديد    رئيس البورصة السابق: الاستثمار الأجنبي المباشر يتعلق بتنفيذ مشروعات في مصر    البيت الأبيض يعلن فتح معبر كرم أبو سالم اليوم    العاهل الأردني من واشنطن: يجب منع العملية العسكرية الإسرائيلية البرية على رفح    عاجل.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه لفلسطين المحتلة لاستكمال مباحثات هدنة غزة    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء والقنوات الناقلة، أبرزها مواجهة ريال مدريد والبايرن    «الجميع في صدمة».. تعليق ناري من صالح جمعة على قرار إيقافه 6 أشهر    قبل مواجهة الزمالك.. نهضة بركان يهزم التطواني بثلاثية في الدوري المغربي    تعليق ناري من شوبير بعد زيادة أعداد الجماهير لحضور المباريات المحلية والإفريقية    متحدث الزمالك: هناك مفاجآت كارثية في ملف بوطيب.. ولا يمكننا الصمت على الأخطاء التحكيمية المتكررة    «لا تنخدعوا».. الأرصاد تحذر من تحول حالة الطقس اليوم وتنصح بضرورة توخي الحذر    الداخلية تصدر بيانا بشأن مقتل أجنبي في الإسكندرية    ياسمين عبد العزيز: بتعرض لحرب مش طبيعية من تحت لتحت وهذا سبب زعل أحمد حلمي مني    3 أبراج تحب الجلوس في المنزل والاعتناء به    ياسمين عبدالعزيز تكشف أعمالها الجديدة بين السينما والدراما    بعد 18 سنة.. ياسمين عبدالعزيز تكشف كواليس لأول مرة من فيلم الرهينة    "ارتبطت بفنان".. تصريحات راغدة شلهوب تتصدر التريند- تفاصيل    عاجل - "بين استقرار وتراجع" تحديث أسعار الدواجن.. بكم الفراخ والبيض اليوم؟    تراجع سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الأربعاء 8 مايو 2024    قبل بداية الصيف.. طرق لخفض استهلاك الأجهزة الكهربائية    موقع «نيوز لوك» يسلط الضوء على دور إبراهيم العرجاني وأبناء سيناء في دحر الإرهاب    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    جريشة: ركلتي جزاء الأهلي ضد الاتحاد صحيحتين    الحديدي: كولر «كلمة السر» في فوز الأهلي برباعية أمام الاتحاد السكندري    فوز توجيه الصحافة بقنا بالمركز الرابع جمهورياً في "معرض صحف التربية الخاصة"    رئيس جامعة الإسكندرية يشهد الندوة التثقيفية عن الأمن القومي    هل نقترب من فجر عيد الأضحى في العراق؟ تحليل موعد أول أيام العيد لعام 2024    ضبط تاجر مخدرات ونجله وبحوزتهما 2000 جرام حشيش في قنا    تأجيل محاكمة ترامب بقضية احتفاظه بوثائق سرية لأجل غير مسمى    الأونروا: مصممون على البقاء في غزة رغم الأوضاع الكارثية    أبطال فيديو إنقاذ جرحى مجمع ناصر الطبي تحت نيران الاحتلال يروون تفاصيل الواقعة    كيف صنعت إسرائيل أسطورتها بعد تحطيمها في حرب 73؟.. عزت إبراهيم يوضح    اعرف تحديث أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 8 مايو 2024    معجبة بتفاصيله.. سلمى الشماع تشيد بمسلسل "الحشاشين"    حسن الرداد: إيمي شخصيتها دمها خفيف ومش بعرف أتخانق معاها وردودها بتضحكني|فيديو    «خيمة رفيدة».. أول مستشفى ميداني في الإسلام    بعد تصريح ياسمين عبد العزيز عن أكياس الرحم.. تعرف على أسبابها وأعراضها    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق شقة سكنية بالعمرانية    صدمه قطار.. إصابة شخص ونقله للمستشفى بالدقهلية    دار الإفتاء تستطلع اليوم هلال شهر ذى القعدة لعام 1445 هجريًا    اليوم، تطبيق المواعيد الجديدة لتخفيف الأحمال بجميع المحافظات    وفد قومي حقوق الإنسان يشارك في الاجتماع السنوي المؤسسات الوطنية بالأمم المتحدة    اليوم.. دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ذي القعدة لعام 1445 هجرية    أختار أمي ولا زوجي؟.. أسامة الحديدي: المقارنات تفسد العلاقات    ما هي كفارة اليمين الغموس؟.. دار الإفتاء تكشف    دعاء في جوف الليل: اللهم امنحني من سَعة القلب وإشراق الروح وقوة النفس    عزت إبراهيم: الجماعات اليهودية وسعت نفوذها قبل قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي    طريقة عمل تشيز كيك البنجر والشوكولاتة في البيت.. خلي أولادك يفرحوا    في يوم الربو العالمي.. هل تشكل الحيوانات الأليفة خطرا على المصابين به؟    الابتزاز الإلكتروني.. جريمة منفرة مجتمعيًا وعقوبتها المؤبد .. بعد تهديد دكتورة جامعية لزميلتها بصورة خاصة.. مطالبات بتغليظ العقوبة    إجازة عيد الأضحى| رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى المبارك 2024    القيادة المركزية الأمريكية والمارينز ينضمان إلى قوات خليجية في المناورات العسكرية البحرية "الغضب العارم 24"    مراقبة الأغذية بالدقهلية تكثف حملاتها بالمرور على 174 منشأة خلال أسبوع    محافظ أسوان: تقديم الرعاية العلاجية ل 1140 مواطنا بنصر النوبة    ضمن مشروعات حياة كريمة.. محافظ قنا يفتتح وحدتى طب الاسرة بالقبيبة والكوم الأحمر بفرشوط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا تخشى إسرائيل السلام.. وتتهرب منه دائما؟ / عبد المالك سالمان
نشر في محيط يوم 10 - 06 - 2008


لماذا تخشى إسرائيل السلام.. وتتهرب منه دائما؟
عبد المالك سالمان
تلقى العرب صدمة سياسية كبيرة عندما طرحوا المبادرة العربية للسلام، وفوجئوا بالموقف الإسرائيلي الباهت الذي تعامل مع المبادرة العربية للسلام بعدم اكتراث يصل إلى درجة الرفض ، ولكن لم يتم إعلان ذلك رسميا ، ولكن واقعيا لم تفعل إسرائيل شيئا لإبداء شيء من الإيجابية والمرونة لقبول العرض التاريخي العربي للسلام.
وهذا الموقف الإسرائيلي بحد ذاته يدعو إلى التأمل والتفكير مليا وإثارة السؤال الذي بات أكثر إلحاحا وهو: هل إسرائيل تريد السلام حقا أم أنها تخشاه وتناور بشأنه باستمرار؟ إن عدم تجاوب إسرائيل مع المبادرة العربية للسلام، قد كشف واقعيا حقيقة الموقف الإسرائيلي من السلام، فالمبادرة العربية توفر لإسرائيل ما ظلت تطالب به منذ نشأتها الاستعمارية، وهي قبول المحيط العربي بوجودها في مقابل انسحابها من الأراضي العربية المحتلة في عام 1967 أي أنها ستحصل على ما يفوق ما خصصه لها قرار التقسيم عام 1947م الصادر عن الأمم المتحدة من أراضي فلسطين، كما أنه سيفتح لها الباب للتطبيع مع البلدان العربية على قاعدة "الأرض مقابل السلام" التي اعتمدها مؤتمر مدريد.
ولا شك أن التطبيع وإقامة علاقات مع البلدان العربية سوف يبدد اسطوانة الدعاية الصهيونية التي ظلت ترددها منذ عام 1948م، وهي أن إسرائيل كيان ديمقراطي صغير مهدد في وجوده وأمنه ومحاط بغابة من الأعداء (العرب) الذين يتطلعون إلى تدميره، وبناء على هذه الدعاية حظيت بدعم غربي وأميركي منقطع النظير سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
فهل أحد أسباب الرفض الإسرائيلي للسلام مع العرب أنها تخشى تراجع بيئة التعاطف الغربي معها والذي أمدها بكل أسباب البقاء والدعم منذ نشأتها، وانها تخشى أن تجد نفسها في حال إهمال غربي لها إذا أدرك الغرب أن وجودها بات مستقرا، وان التهديد الإقليمي لها قد تراجع؟
الإجابة هي: ربما.. لكن هذا ليس أكيدا لأن لدى القوى الصهيونية في أميركا والغرب ما يكفي من النفوذ للإبقاء على الدعم الغربي لإسرائيل، وبالتالي فإن هذا لا يكفي مبررا لتهرب إسرائيل من مبادرة السلام العربية، وإن بقي أحد الأسباب في الخلفية السيكولوجية والنفسية لمحاولة فهم ألغاز التصرفات والسلوكيات الإسرائيلية التي ترغب دوما في بقاء كيانها موضع حدب ومساندة من الغرب الاستعماري.
لكن في النهاية، نحن أمام حالة مثيرة لعلامات الاستفهام، ولابد من بحث عن تفسير واستقراء سياسي لحقيقة الموقف الإسرائيلي من قضية السلام لأن هذا سوف يرتب نتائج بالغة الأهمية، لعل في مقدمتها الإجابة عن التساؤل التالي: ما هو الموقف العربي الواجب اتخاذه إزاء التعنت الإسرائيلي بشأن السلام، هل سيظل العرب يمارسون سياسة خداع النفس بالحديث عن أن السلام يشكل خيارا استراتيجيا في حين أن الجانب الإسرائيلي يراوغ ويماطل إلى ما لا نهاية؟
من التفسيرات الرائجة في هذا السياق ، أن إسرائيل مجتمع نشأ من خليط من الأجناس من شتات اليهود في كل بقاع العالم ، وهو مجتمع قام على أساس إحياء أسطورة وهي "العودة إلى أرض الميعاد" وفي سبيل جعل هذه الاسطورة واقعا تم الترويج لأساطير من قبيل أن أرض فلسطين هي أرض بلا شعب لشعب بلا أرض هو "الشعب اليهودي" وتم على إثر ذلك اغتصاب أراضي فلسطين وتشريد سكانها الأصليين من الشعب الفلسطيني.
وهذه هي الحقيقة التاريخية التي يدركها كل سكان إسرائيل ، أن هناك شعبا كان ضحية قيام الكيان الإسرائيلي ، وان دولة إسرائيل قد قامت على أشلاء ومعاناة الشعب الفلسطيني، الذي مازال متمسكا بحلم العودة، وفي ضوء ذلك ينتاب الإسرائيليين هاجسان: الهاجس الأول: ان أي اعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني والإقرار بحقه في أرض فلسطين وإقامة دولة فلسطينية حتى ولو كانت على حدود 22% من أراضي فلسطين التاريخية ، فإنها ستشكل بالنسبة إليهم اعترافا بحق الشعب الفلسطيني في أرضه، وإنهاء لأكذوبة عدم وجود شعب فلسطيني له الحق في أرض فلسطين.
وانه إذا نجح الفلسطينيون في إقامة دولة ولو محدودة لهم، ستكون هذه بمثابة بداية النهاية لإسرائيل ذاتها، لأن الفلسطينيين سيتمكنون في نهاية المطاف من جمع شتاتهم، وتكريس تفوقهم الديموجرافي، وعلى المدى البعيد لن يفضل اليهود البقاء في فلسطين وقد يبدأون رحلة العودة بالهجرة المعاكسة إلى المنافي من جديد، ولذلك هناك إصرار إسرائيلي على رفض الاعتراف بحق العودة للفلسطينيين، ومحاولة تقليص هذا الحق إلى أضعف مدى ممكن ليختزل في حالات محدودة ونادرة تحت مسمى "جمع شمل بعض العائلات" لاعتبارات إنسانية.
ويواكب هذا التفكير الصيحات التي يطلقها اليمين الصهيوني الذي يؤكد في خطابه السياسي أن الأراضي من البحر إلى النهر لا تتسع مطلقا لشعبين أو لدولتين ولهذا يجعل الاستيطان هدفا استراتيجيا لبقاء إسرائيل، ولا يعترف بأي سياسات توقف الاستيطان في الضفة الغربية.
والهاجس الثاني: يتمثل في فكرة الخوف من انتفاء فكرة الصراع وغياب الخطر الخارجي على تماسك الشعب الإسرائيلي، والخشية من انفجاره من الداخل في ظل أجواء السلام، فالسلام مع الجانب الفلسطيني والمحيط العربي، ينهي فكرة التهديد الخارجي الذي يهدد وجود وأمن إسرائيل.
والمجتمع الإسرائيلي يقوم على تعايش الأضداد فهناك تكتلات وانقسامات سياسية وأيديولوجية وثقافية لا نهائية، هناك مخاطر الانقسام بين العلمانيين والدينيين وبين اليهود "الاشكناز" الذين قدموا من البلدان الأوروبية والغربية ويعتبرون أنفسهم مؤسسي وبناة إسرائيل ، واليهود السفارديم وهم من يطلق عليهم تسمية اليهود الشرقيين، أي الذين جاءوا من البلدان العربية والشرقية مثل إيران وغيرها ، وبالإضافة إلى ذلك هناك اليهود الفلاشا الذين جاءوا من الحبشة أو أثيوبيا ، وهؤلاء اليهود الشرقيون يشعرون منذ نشأة إسرائيل بمشاعر الاضطهاد والتهميش من قبل الاشكناز حكام البلاد، ويشعرون بأنهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية ويتعرضون لصنوف من ممارسات التمييز العنصري.
وبالتالي هناك مخاطر يرصدها علماء الاجتماع والسياسة من انفجار هذه الانقسامات داخل إسرائيل في هيئة صراعات اجتماعية وسياسية إذا غاب العامل الخارجي الموحد فيما بينها وهو الحديث الدائم عن التهديد العربي للوجود الإسرائيلي، حتى ان البعض يطرح فكرة انفجار صراع القبائل اليهودية في الداخل الإسرائيلي على هيئة حروب أهلية، وهو سيناريو لا يستبعده المتخصصون في الشئون الإسرائيلية.
لذلك يرى هؤلاء أن التهرب من استحقاقات السلام سيظل سياسة إسرائيلية دائمة، ولن تتمكن إسرائيل من الإقرار بمتطلبات السلام ، وفي المقابل ستعمل دوما على اختلاق الأعذار وسوق المبررات لادعاء أن الجانب الآخر هو السبب في تعثر محاولات التسوية ، أو اختلاق شروط تعجيزية يصعب على الجانب الفلسطيني أو العربي القبول بها من تلك التي جاءت في "خريطة الطريق"، وبالتالي الزعم والادعاء بأن الجانب العربي هو الذي يعرقل عملية السلام وان إسرائيل تحتاج إلى مبادرات حسن نية من جانب الطرف العربي.
وعلى سبيل المثال، فإن الجانب الإسرائيلي يطالب الطرف الفلسطيني بنزع سلاح جميع الفصائل الفلسطينية قبل المضي قدما في المفاوضات بحجة ان ذلك ضروري لإثبات ان الفلسطينيين قد تخلوا عن "الإرهاب"، وهذا ما لم يحدث في التاريخ من قبل أن ينزع طرف سلاحه تماما قبل التوصل إلى تسوية أو حل سياسي للصراع.
ومن ذلك ، أيضا ، مطالبة إسرائيل وبضغوط من إدارة بوش العرب للسير في خطوات التطبيع مع إسرائيل من أجل تشجيعها على السلام والقبول بالتنازلات المؤلمة، وترك المفاوضات تتوصل إلى التسوية مع مرور الوقت وهذا معناه أن يقدم العرب آخر أوراقهم التفاوضية المهمة وهي التطبيع على طبق من فضة لإسرائيل كدليل فقط لإثبات حسن النوايا، من دون أن تكون إسرائيل مطالبة بالالتزام بأي شيء وخاصة في مجال الانسحاب، وقبل أن يتم التوصل إلى تسوية شاملة للقضية الفلسطينية أو لقضايا الصراع العربي الإسرائيلي.
وتصور الدعاية الإسرائيلية أنه طالما أن العرب لا يستجيبون لهذه الشروط والمطالب الإسرائيلية، فإنهم لا يثبتون جدية في العمل من أجل تحقيق السلام ، وهكذا تستمر إسرائيل في طرح فكرة "العربة أمام الحصان" لعرقلة مفاوضات السلام من ناحية، وللتهرب من أي استحقاقات بشأن السلام من ناحية أخرى، وإلقاء التهمة، أيضا، على الجانب العربي في إعاقة محاولات إحلال السلام.
وفي هذا السياق، سادت خلال السنوات الأخيرة في إسرائيل فكرة أن الجانب الفلسطيني هو الذي يرفض السلام، ونجد أن هذه الفكرة متغلغلة في خطاب اليمين الصهيوني من الأحزاب اليمينية الدينية المتطرفة أو اليمين السياسي المتشدد مثل الليكود، كما أنها بدت تروج في خطاب اليسار الإسرائيلي أيضا وسط قطاعات من المنابر والمثقفين المعبرين عن تيار حزب العمل بالذات.
وتتمحور هذه الفرية أو الادعاء الغريب، بأن الفلسطينيين أهدروا فرصة تاريخية لإحلال السلام عندما رفضوا "العرض السخي" الذي قدمه إيهود باراك لياسر عرفات في مؤتمر كامب ديفيد عام 2000 الذي رعاه الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون ويصورون الأمر بأن عرفات لم يكن جادا في السعي للسلام، لأنه في تصورهم ان ما قدمه باراك لا يستطيع أن يقدمه أي زعيم إسرائيلي آخر.
وفي هذا السياق، صرحت تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية والمرشحة لزعامة حزب كاديما وخلافة إيهود أولمرت في رئاسة الوزراء في ضوء توقع تنحيه عن رئاسة الحكومة بسبب فضيحة الفساد التي يتم التحقيق معه حاليا بشأنها، بقولها: "إن ما قدمه إيهود باراك لعرفات في كامب ديفيد اتسم بالمبالغة وخاصة في قضية اللاجئين".
في حين أن عرفات لم يكن باستطاعته أبدا القبول بما عرض عليه في كامب ديفيد، وقال لكلينتون: لو قبلت ما يعرضه باراك فسوف يعلق الشعب الفلسطيني المشنقة لي عند عودتي في رام الله، لأن هذا كان يعني التخلي عن حق العودة للاجئين، حيث عرض باراك العودة فقط لمجموعة صغيرة من اللاجئين إلى أراضي عام 1948، وأن يعود بقية اللاجئين إلى الدولة الفلسطينية في الضفة إذا أرادوا أو أن يتم تعويضهم ماليا.
وفي ذات الوقت لم تكن هناك عروض حقيقية بشأن حل مشكلة القدس وتمحورت أفكار باراك في الإبقاء على السيادة لإسرائيل تحت المسجد الأقصى والسيادة للفلسطينيين فوق أرض المسجد الأقصى فقط وساحة الحرم، وهو ما لم يكن لعرفات أو غير عرفات أن يقبله.
وتعمل الدعاية الإسرائيلية منذ كامب ديفيد على تصوير الجانب الفلسطيني بأنه هو الذي يرفض السلام وذلك لتضليل الرأي العام الأوروبي والغربي والأميركي خاصة بهذه الدعاية، وتم تصوير اندلاع انتفاضة الأقصى ردا على استفزاز ارييل شارون وتدنيسه لساحة الحرم القدسي على أنها ترجمة لميول الفلسطينيين نحو "الإرهاب".
ومن هنا، تبرز المراوغات الإسرائيلية المتواصلة بشأن رفض السلام، وقد تبلورت الاستراتيجية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة وخاصة في عهد أولمرت في صورة المعادلة التالية: انه لا مانع من الدخول في مفاوضات مفتوحة مع الجانب الفلسطيني حول كل القضايا المطروحة مع عدم التوصل إلى أي نتيجة في أي قضية، وفي ذات الوقت استغلال هذه المفاوضات كغطاء أمام العالم الخارجي يقدم صورة إيجابية لإسرائيل على أن تواصل إسرائيل مخططاتها في توسيع الاستيطان في الضفة الغربية لالتهام أكبر قدر من مساحات الأراضي الفلسطينية لجعل إمكانية قيام الدولة الفلسطينية أمرا مستحيلا عمليا.
يعزز ذلك الرغبة في ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة لإسرائيل وفق التعهد الذي حصل عليه شارون من بوش عام 2004، وجعل المفاوضات هي ذاتها المرجعية الأساسية لعملية التفاوض وهو ما حققه لها بوش في مؤتمر أنابوليس مع التهميش المتواصل للمرجعيات الدولية لعملية السلام.
ويواكب ذلك تكتيك إسرائيلي بات متكررا، وعادة ما ينفذه اليمين الإسرائيلي بالذات وخاصة حزب الليكود، وهو انه كلما كانت إسرائيل مقدمة على مفاوضات عميقة مع الأطراف العربية وخاصة الطرف الفلسطيني يتم تفجير أزمة سياسية داخلية في إسرائيل تعرقل المضي قدما في عملية السلام، وتمكين إسرائيل من مواجهة الضغوط الدولية عليها للتوصل إلى تسوية نهائية.
ويشير المحللون الإسرائيليون إلى أن تفجير أزمة فساد أولمرت الأخيرة واتهامه بتلقي رشاوى قد جاء في هذا السياق أيضا، حيث خشى الليكود من اتجاه أولمرت لإبرام تسوية مع الجانب الفلسطيني فحرك أجهزة التحقيق القانوني الإسرائيلي للتحقيق مع أولمرت لمنعه من إنجاز أي شيء سواء على الجانب الفلسطيني أو السوري، ناهيك عن تحريك آلية الإعاقة من داخل الكنيست عبر تحريك مشروع قانون يمنع الانسحاب من الجولان إلا إذا حاز على تصديق ثلثي أعضاء الكنيست وليس الأغلبية العادية البسيطة مما يجعل الأمر صعبا على أولمرت بشأن إبرام سلام مع سوريا، وحتى على أي رئيس وزراء إسرائيلي مقبل.
وإذا أضفنا إلى ذلك ما يمكن أن نطلق عليه "عقدة رابين" وهي العقدة المتعلقة باغتياله عندما أظهر اتجاها جديا لإحلال السلام مع العرب، فتم اغتياله من جانب اليمين الإسرائيلي المتطرف، فيمكن القول إن أي رئيس وزراء إسرائيلي قادم لن يكون قادرا على إحلال السلام مع العرب لأنه سيكون مخاطرا بحياته.
وتؤكد هذه الحالة موقف باراك في مؤتمر كامب ديفيد حيث تراجع عن التجاوب مع المتطلبات العقلانية والواقعية للحل مع الجانب الفلسطيني، ومن قبله مع الجانب السوري رغم أن المفاوضات اقتربت من حل نحو 98% من القضايا الخلافية وذلك لأن باراك جبن في نهاية المطاف، وخشى أن يلقى نفس مصير أستاذه إسحاق رابين ويتم اغتياله لو أبرم سلاما مع الفلسطينيين أو مع سوريا، وهذا ما أشارت إليه كتابات إسرائيلية وأميركية كثيرة ناقشت أسباب فشل مباحثات كامب ديفيد عام 2000 ومن هنا، يمكن تفسير أسباب الأزمة الأخيرة في إسرائيل بشأن استقالة حكومة أولمرت.
والتمهيد لإجراء انتخابات جديدة مبكرة في نوفمبر القادم 2008، يتوقع الكثيرون أنها سوف تعود بحزب الليكود بزعامة نتنياهو إلى الحكم لتكرر نفس السيناريو الذي ساد عام 1996، بعد اغتيال رابين أو عام 2000 حين تم إسقاط باراك بعد فشل محادثات كامب ديفيد والإتيان بالليكود بزعامة شارون، والآن سوف يتم إسقاط أولمرت وإعادة الليكود المتشدد بزعامة نتنياهو ليتكرر ذات السيناريو الذي يمكن إسرائيل من الهروب من الالتزام بالسلام إلى ما لا نهاية.
وفي ضوء زيارة أولمرت الأخيرة لواشنطن وتهديده من هناك بضرورة وقف البرنامج النووي الإيراني بأي وسيلة، فربما بات السيناريو الأرجح في إسرائيل الآن هو القيام بعملية عسكرية لضرب المفاعل النووي الإيراني قبل انتهاء ولاية بوش، وربما سافر أولمرت للحصول على ضوء أخضر أميركي لذلك ربما أملا في أن تساعد هذه المغامرة على تقويته سياسيا، أما عملية السلام فعليها أن تنتظر سنوات طويلة قادمة لأن إسرائيل لم تكن أكثر بعدا عن القبول بالسلام مع العرب مما هي عليه في الوقت الراهن، وهي الخلاصة التي على العرب إدراك معطياتها جيدا.
عن صحيفة الوطن العمانية
10/6/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.